لا تخلو لعبة الصحافة من مفارقات حادة. الجميع على خلاف ولا تجمع الصحفيين مواقف ثابتة، التقارب بين بعضهم فى موضوعات محددة لا ينفى اختلافهم الشاسع، لكن المستفيد الوحيد من هذه اللعبة بمفارقاتها اللاذعة هو الصحفيون، وليس حرية التعبير.. هذا ما يؤكده كتاب «بؤس الصحافة ومجد الصحفيين» للباحث السعودى نعيمان عثمان. الجميع مستفيد من هذه اللعبة، وفى الوقت نفسه، الكل متهم، القومى متهم بعدم موضوعيته، والموالى لأمريكا متهم بالخيانة. من يملك المصداقية؟ سؤال تصعب الإجابة عنه بعد قراءة الكتاب، فنعيمان عثمان يؤكد أن المناخ الصحفى والإعلامى فى العالم العربى خطير، «يفرضون الآراء السياسية ولا يحترمون القواعد الصحفية»، الحقيقة لا يعرفها أحد، والموضوعية غائبة تماما. كل الكُتّاب تحركهم مصالح، البعض يتخفى من مموليه، والبعض الآخر يتهرب من وجود تأثير لهم، والجميع يدعى الاستقلالية. جهات محدودة جدًا نجت من شبكة نعيمان عثمان، أغلبها لا ينتمى إلى عالمنا العربى مثل الإذاعة البريطانية، وعدد من الجرائد المستقلة، مثل «الغد» الأردنية، و«الدستور»، و«المصرى اليوم». هناك جرائد أخرى تتسم بالموضوعية، ولكن ملكيتها طرحت الكثير من اللغط حولها، هى: «الحياة» و«الشرق الأوسط». تتسم «الحياة» بالمهنية، وكذلك قناة «الجزيرة» لتدرُّب العاملين فيها ب«بى. بى. سى»، رغم أن النبرة العروبية للقناة تنتقص من موضوعيتها حسبما يرى المؤلف. سيطرة الملكية تتجلى فى مواقف قنوات مثل «العربية»، التابعة لمجموعة «إم. بى. سى»، و«أوربت» لسيطرة السعودية عليهما. اللافت أن الكتاب يشيد بدور الصحافة العربية المكتوبة بالإنجليزية لأنها تنتمى إلى «مجال صحفى إنجليزى حيث الخطوط الحمر غير مقبولة»، هناك فروق شاسعة بين «جلف نيوز»، و«الخليج»، فرغم صدورهما عن المالك نفسه، فإن اختلاف اللغة حقق فارقا واسعًا فيما يخص الموضوعية وحرية التعبير. أما الصحافة المكتوبة بالعربية فإن قلة المعلومات المتوافرة والرقابة المفروضة على الإعلام، سواء أكانت قبل النشر أو بعده، تدفع الصحفيين العرب إلى الأساليب الأدبية «عبرها يتمكن الكُتّاب من المراوغة وهم يعالجون مواضيع سياسية واجتماعية حرجة»، ومن أسباب رفض المؤلف لهذا الأسلوب أنها تترك للقارئ «مجالاً شاسعاً ليفهم (أو يسىء فهم) ما يكتب»! وهذا ما يجعل تقييم الصحفيين خاضعاً لمعايير شخصية، مثلاً، وليست مهنية!! ماذا عن الجوائز؟ يرى المؤلف أن الجوائز العربية فى الصحافة لا تحظى بمعايير تقييم واضحة، فمن الممكن أن تمنح جائزة جريدة النهار لرئيس تحريرها مثلا، حيث إن التصويت يعتمد على آراء زوار موقع النهار، وعدد من الصحفيين، وإدارة الجريدة، من ناحية أخرى يرى نعيمان أن الجوائز والمنتديات تؤكد ارتباط الإعلام العربى بالسلطة، فأغلب المنتديات تتم تحت رعاية وزارة الإعلام، أو بحضور الوزير. كما أن الخلط بين المعايير السياسية والمهنية لا يزال قائما فى أغلب التقييمات. طرفة لا تخلو من مرارة يوردها المؤلف فى مقدمة كتابه حيث سأل أحد الرؤساء صحفيًا: «كيف أكافئك؟» فأجاب: «يا فخامة الرئيس بعد اختراع المال لم يعد هناك حاجة للتساؤل»! نتناول فى السطور التالية بعض الموضوعات التى تناولها نعيمان عثمان فى كتابه «بؤس الصحافة ومجد الصحفيين»، الصادر عن المركز الثقافى العربى. المؤلف: نعيمان عثمان عدد الصفحات : 245 الناشر: المركز الثقافى العربى الطبعة الأولى 2009