لن يتقدم شعب لا يجيد سوي فن التحايل واختلاق الاعذار للغياب عن العمل، واذا حضر، لا يتقن الا جميع طرق التزويغ، ويتفنن بالكثير من الحيل حتي لا يعمل. مدعو التدين من هؤلاء يجدون الوسيلة في التحجج بالصلاة فيذهب قبل الاذان بنصف ساعة للوضوء، ويظل بعد الصلاة بنصف ساعة اخري لختمها، في الوقت الذي يعطل فيه مصالح البلاد والعباد، ويصبح كمن لم يصل، فالصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، وترك طوابير الناس التي تقف لقضاء حاجتها بالساعات، أكبر فحشاء وأكثر منكر، فالمسلم لايجب أن يكون ابدا ابا بكر في المسجد وابا جهل في العمل. هذا عن مدعي التدين، اما سارق الوقت ولص الزمن فهو من يحضر لمكتبه لينشغل بوظيفته الاضافية الاخري ويستغل مكتبه وتليفون شركته او هيئته او مؤسسته وكل امكانياتها لاداء هذا العمل الاضافي، واذا قلت له: اتق الله ولا تسرق وقت العمل، أخذته العزة بالاثم وتبجح بالرد بعبارة البلداء والكسالي. »علي قد فلوسهم«. اما من لم يسعده الحظ بعمل اضافي، ولم يؤد فرض الصلاة يوما، فيقضي وقت العمل في التسكع في طرقات او كافيهات المنطقة المحيطة ولا مانع من قضاء باقي وقت العمل حتي التوقيع «انصراف» في ارتياد دار للسينما. وهناك صنف رابع يفني نفسه في العمل وقضاء حاجات الناس، لكنه خصخص خدمات هيئته او مؤسسته لمصلحته الشخصية، فاصبح لا يلبي للمواطنين مطالبهم الا بمعلوم او تسعيرة محددة لكل طلب او خدمة، ويدلع تسمية هذا المعلوم فهو مرة اكرامية او نفحة او بقشيش او الشاي، والاذكي من كل هؤلاء، من يطلب كارت شحن للتليفون المحمول وتختلف قيمة الكارت طبقا لنوع الخدمة المطلوبة، وفي نهاية اليوم يقوم باعادة بيع الكروت، ويلجأ المرتشون إلي هذه الوسيلة تجنبا لاحتمال ضبطهم متلبسين بتقاضي الرشوة. والمدهش ان المزوغين ومدعي التدين والمرتشين وسارقي وقت العمل، هم الاعلي صوتا والاكثر صراخا عند المطالبة بالحوافز والبدلات والعلاوات والاجور الاضافية دون ذرة من خجل او حياء، حتي اصبح الغالب علي الثقافة المصرية انها ثقافة (حقوق) لا تعرف ولا تقيم وزنا للواجبات وظهر ذلك واضحا بعد انتفاضة 25يناير2011. لقد تقدمت اليابان لان مواطنيها يعتبرون الكسل والراحة والنوم شيئا معيبا وسلوكا مشينا، والاجازة السنوية من المحرمات ،كما ان لدي كل ياباني شعورا بالرقابة الذاتية , فلا يحتال أو يتخاذل لتوفير بعض الجهد أو الوقت ، كما انه يتقن ما يصنعه او يقوم به حتي ان معدل تأخر القطارات اليابانية عن مواعيدها هو 7 ثوان في العام. في الوقت الذي لا نزال نحدد مواعيدنا بالصبح والضهر والعصر والمساء (ميعادنا 7 ومعاك ل 8 وان ما جتش 9 هاستناك ل 10 وهامشي11) فجوة زمنية قدرها 4 ساعات! ومع ذلك فان تقدم الامم لا يتوقف فقط علي الفرد ، فلن تتقدم دولة لا تزال حكومتها تكذب علي المواطنين ولا تصارحهم بحقائق الوضع الاقتصادي الكارثية وتشيع الظلم الاجتماعي بسوء توزيع الثروات لتتركز في قلة تملك كل شيء وأقلية تعيش علي الحديدة، لذا لم يعد هذا الشعب يأكل من الوعود الوردية عن تحسين خدمات الغذاء والتعليم والصحة والاسكان ومكافحة البطالة، لان الحكومة اول من يعلم ان كل ذلك ما هو الا كلام في فضائيات الليل «مدهون بزبدة، يطلع عليه النهار يسيح»، وهي تلعب علي عنصر الزمن وضعف ذاكرة المصريين، فتصريحات حلول الازمات تكون مقرونة دائما بالتحقق بعد سنوات، وحين يحين موعد تنفيذ الجداول الزمنية لهذه المشروعات، تكون الحكومة برئيسها ووزرائها علي المعاش يمارسون رياضة المشي في «تراك النادي». فجميع حكومات ما بعد ثورة يناير كانت تعلم انها حكومات انتقالية لن تعمر كثيرا، ومع ذلك كان معظم الحديث منصبا علي مشروعات عملاقة يستغرق تنفيذها 5 سنوات عند المتفائلين و15 عند المتشائمين، كمشروع تنمية خليج السويس وغيره. لن تتقدم دولة حكومتها غائبة عن الشارع، تركته لكي يكون البلطجية هم سادته وكل واحد منهم رئيس جمهورية منطقته، يفرض عليها قوانينه ولوائحه واتاوته الخاصة ويحمي هؤلاء البلطجية الباعة الجائلين الذين توسعوا في تجارتهم من احتلال الارصفة فقط قبل انتفاضة 25يناير، إلي النزول بجوار الرصيف بعدها، وحين لم يردعهم احد احتلوا نهر الشارع ايضا ، واصبحت بفضلهم الشوارع الرئيسية التي كانت تتسع لاربع حارات لمرور السيارات ، تقلصت لتسمح بالكاد لسيارة واحدة ، وتمتد حماية هؤلاء البلطجية إلي سائقي التوك توك والميكروباص، ولولا استخدام الدراجات النارية في بعض الاعمال الارهابية ما تنبهت وزارة الداخلية إلي خطورتها وقامت بمصادرة كل الموتوسيكلات غير المرخصة، ومع ذلك عادت هذه الاخيرة للظهور في الشوارع الرئيسية بدون لوحات، بل وتصب عوادمها في رئات المارة كما لو كان شكمانها يخرج لسانه للقانون. يجب ان تعود الدولة إلي الشارع ليكون القانون هو الحكم بين الجميع وليس القبضايات مفتولو العضلات المدججون بالسنج والخرطوش. لن تتقدم دولة لا تعدل بين مواطنيها فتسمح بمظاهرات التأييد التي تخرج دون اخطار وتقبض علي المشاركين في المظاهرات المعارضة، فيما يشكل عودة لحدود 24 يناير 2011. لن تتقدم دولة يتفرغ اعلامها لوأد كل محاولة لاصلاح ذات البين وانهاء الانقسام الحاد في المجتمع، حتي اصبحت المصالحة عندهم كلمة تخدش الحياء ، رغم ان خارطة الطريق نصت علي انشاء مجلس اعلي لهذه المصالحة، ورغم ان معظم بنود هذه الخارطة اصبحت قيد التحقق (نحن علي ابواب انتخابات رئاسية تحدد موعدها بالفعل وانتخابات نيابية ستجري بعدها وقبل ذلك كله تمت الموافقة علي الدستور) الا ان بند المصالحة، تم سب ولعن وشتم وذم كل من اقترب منه حتي تراجع الجميع عن تقديم مبادرات جديدة خوفا وتجنبا لوجع القلب، بل وتخلي اكثرهم عن مبادرات قدموها، رغم حرص جميع هؤلاء المبادرين - وانا معهم- علي التأكيد دائما علي ان هذه المصالحة لن تشمل بأي حال من الاحوال كل من تلوثت ايديهم بدماء المصريين، وهو امر بديهي لان القتلة القانون أولي بهم. وليكن قدوتنا في قضية المصالحة أمير المؤمنين الخليفة العادل عمر بن الخطاب حين كتب رسالة إلي ابي موسي الاشعري بعدما ولاه أمر القضاء، جاء فيها : «الصُّلْحُ جائزٌ بين المسلمينَ إلا صلحاً حَرَّم حلالاً أو أحلَّ حراماً، ولا يمنعنَّك قضاءٌ قضيتَه بالأمس فراجعتَ فيه نفسَك وهُدِيت فيه لرُشْدك أن تَرجِعَ عنه إلي الحقِّ، فإنَّ الحق قديمٌ ومراجعةُ الحق خيرٌ من التَّمادِي في الباطل» نعود إلي شعبنا وحكومتنا ونقول انه رغم انتفاضة : يناير 2011 التي يعتبرها البعض مؤامرة، وانتفاضة يونيو2013 التي يراها آخرون انقلابا، الا اننا لم نتغير لا حكاما ولا محكومين فمازلنا -كشعب- نعيش بعاداتنا وتقاليدنا المتخلفة التي تركن إلي التواكل والفهلوة وكراهية العمل والنفاق والغش والخداع وعدم احترام الوقت ، وما زلنا -كحكومة - نتعامل مع الشعب علي انه كم مهمل وان مواردنا البشرية هي ارخص ما نملك وبالتالي عاشت او ماتت لافرق. والخلاصة اننا نستحق هذا النظام وهو يستحقنا «من اعمالكم سلط عليكم» لانه - وللمرة المليون - لن يتقدم شعب لا يقدس قيمة العمل ولن تتقدم دولة لا تحترم قيمة الانسان، فالعدل والحرية والديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز والشفافية واعلاء كرامة الانسان، هي الحل الاكيد والوصفة السحرية للتقدم (انظر كوريا الجنوبية) والديكتاتورية والفساد والاستبداد والقمع والدولة البوليسية وانتهاك حقوق الانسان، كلها تشكل المقومات الاساسية للدولة الفاشلة التي يجد ابناؤها قوت يومهم بالكاد (انظر كوريا الشمالية). ندعو الله ان نصل إلي ما وصلت اليه الاولي ونتضرع اليه ان يقينا شر السقوط بجوار الثانية. خير البر عاجله: * تهنئة من القلب لاحبتنا واخوتنا المسيحيين بعيد القيامة المجيد، اعاده الله عليهم وعلي جميع المصريين بالخير، ولا أنسي هنا تهنئتي لزملائي واصدقائي: الانبا ارميا وجميل جورج وفايز بقطر وعاطف النمر وهاني عزيز وسامية سعيد ورفقي فخري وحسني ميلاد وماركو عادل وزكي سليمان وسعيد سعد الله والدكتور ماريو ماهر، واتمني لهم جميعا عيدا سعيدا وأياما طيبة.