"لا ألقى الله و في جوفي شيء من الخمر"...قالها "ابن النفيس" عندما كان على فراش الموت وحاول الأطباء مداواته بالخمر. ولد أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم القَرشي الدمشقي، الملقب بابن النفيس -أحد رواد علم وظائف الأعضاء في الإنسان- بدمشق في سوريا عام 607ه. تعلم ابن النفيس في البيمارستان النوري بدمشق، بالإضافة إلى دراسة الفقه الشافعي واللغة والمنطق والأدب، وكتب العديد من الأعمال في الفلسفة، واهتم بالتفسير العقلاني للوحي. انتقل إلى القاهرة وعمل في المستشفى الناصري، وبعد ذلك في مستشفى المنصوري الذي أنشأه السلطان قلاوون، حيث أصبح "رئيسًا للأطباء"، كما أصبح طبيبًا خاصًا للسلطان الظاهر بيبرس بين عامي 1260 و 1277. عاش ابن النفيس أعزب و ربما هذا السبب هو ما جعله يهتم بالعلم أكثر من أي شيء آخر، و يوصف بأنه كان نحيفًا طويل القامة أسيل الخدين، ولم تقتصر شهرته على الطب فقط، بل كان يعد من كبار علماء عصره في اللغة والفلسفة والفقه والحديث. نشر في عام 1242 كتاب "شرح تشريح قانون ابن سينا" أكثر أعماله شهرة، الذي تضمن العديد من الاكتشافات التشريحية الجديدة، وأهمها نظريته حول الدورة الدموية الصغرى وحول الشريان التاجي، وقد اعتبر هذا الكتاب أحد أفضل الكتب العلمية التي شرحت بالتفصيل مواضيع علم التشريح وعلم الأمراض وعلم وظائف الأعضاء، كما صوّب فيه العديد من نظريات ابن سينا. ويعد اكتشافه "الدورة الدموية" أهم انجازاته، و التي قال بخصوصها :" إن الدم ينقي في الرئتين من أجل استمرار الحياة وإكساب الجسم القدرة على العمل، حيث يخرج الدم من البطين الأيمن إلى الرئتين، حيث يمتزج بالهواء، ثم إلى البطين الأيسر." ألف العديد من الكتب في الطب ومنها : شرح في تشريح القانون، شرح فصول أبقراط، المختار في الأغذية، كما له العديد من المؤلفات الغير طبية في اللغة و الدين و الفلسفة و المنطق. ظل ابن النفيس في القاهرة حتى وافته المنية 17 ديسمبر 1288، في الثمانين من العمر بعد مرض ستة أيام، رافضا مداواته بالخمر، وكانت آخر كلماته :" إن شموع العلم يجب أن تضيء بعد وفاتي".