«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيمارستانات مصر
نشر في البداية الجديدة يوم 10 - 06 - 2013


تفسير كلمة بيمارستان:
البيمارستان كلمة فارسية مركبة من كلمتين هما (بيمار) ومعناها المريض، و(ستان) ومعناها دار، وبذلك يكون المعنى دار المريض، واختصر هذا الاسم فيما بعد فصار مارستان.
عرفت البيمارستانات فى الحضارة العربية كأبرز أعمال الخير، ليس من أجل العلاج فقط، إنما كمعاهد للطب، ولتعليم الأطباء. وعُرف الطب فى مصر منذ آلاف السنين بوسائله المتقدمة، ففى العصور القديمة أجريت عمليات جراحية دقيقة، لعل أبرز مثال لها ما تم بالنسبة لعمال الأهرام الذين أصيبوا أثناء عمليات البناء، إذ يتضح من هياكلهم العظمية المتبقية أنه تمت عمليات جراحية فى العظام، بعضها فى الجماجم والأعمدة الفقرية، وهذا يدحض أى زعم بالعبودية، فالذين بنوا الأهرام كانوا معززين مكرمين، ولم يكونوا عمال سُخرة، إنما كانوا يسهمون بحماس فى بناء صرح له صلة بالعقيدة الدينية وليس مقبرة.
تكاليف العلاج
أما التكاليف فيتم تغطيتها من الوقف المخصص، وعندما نقرأ حجة وقف السلطان منصور بن قلاوون الخاصة بمنشآته فى بين القصرين، ومنها البيمارستان الذى مازالت بقاياه قائمة، ومنها أقدم سقف خشبى على الإطلاق فى مصر، ويقوم على أرضه الآن مستشفى متخصص فى طب العيون، يعتبر الأقدم فى الشرق الأوسط، افتتح عام 1910 فى القرن الماضى - لم تترك حجة الوقف أدق التفاصيل إلا وتعرضت لها.
نظام العلاج
كان نظام العلاج ينقسم إلى نوعين، الأول خارجى، أى يجىء المريض ويكشف عليه الطبيب، ثم يتسلم دواءه وينصرف عائداً إلى بيته، أما إذا كانت حالته متقدمة فيتم حجزه فى القسم الداخلى، حيث يقيم إقامة كاملة، وكان لكل طبيب نوبة معروفة ومواعيد محددة. من أساليب العلاج المتقدمة التى كانت موجودة فى مستشفى قلاوون، العلاج بالموسيقى، كانت توجد فرقة من الموسيقيين المحترفين يقومون بعزف مقطوعات موسيقية تهدئ الأعصاب، وكان البيمارستان مثل كلية الطب, حيث يتم تعليم الطب من خلال علاج المرضى وعرض الحالات، ويتم منح الطبيب إجازة ممارسة المهنة من البيمارستان.
بيمارستان ابن طولون المعروف بالعتيق
وهو المعروف بالعتيق ويقول القلقشندي عنه إنَّه أول بيمارستان بني في مصر. أنشأه أحمد بن طولون سنة 259ه/872م في الفسطاط، أنفق عليه ستين ألف دينار، وكان يشرف عليه بنفسه ويركب لمتابعته كل أسبوع، بعض المصادر تؤكد أنه الأول من نوعه فى مصر.
لقد اشترط ابن طولون ألا يعالج فيه جندى أو مملوك، وعمل حمامين أحدهما للرجال والآخر للنساء، حبسهما على المارستان وغيره، واشترط أنه فى حالة حضور العليل تنزع عنه ثيابه وكل ما معه ويحفظ عند أمين المارستان وتسلم إليه ملابس خاصة ويفرش له ويغذى ويراح بالأدوية والأغذية والأطباء حتى يبرأ، فإذا أكل وبرأ وأمر بالانصراف أعطى ماله وثيابه. وفى سنة 262ه - 875م، كان مبلغ ما أنفق على المارستان ومستغله ستين ألف دينار، فكان يركب بنفسه فى كل يوم جمعة ويتفقد خزائن المارستان وما فيها من الأطباء وينظر إلى المرضى وسائر المعلولين والمحبوسين من المجانين.
يقول السخاوى المؤرخ إن ابن طولون بنى إلى جانبه جامعة كانت تضم مكتبة تحتوى على مائة ألف مجلد، ولما آلت الدولة الطولونية إلى الزوال بخروج شيبان بن أحمد بن طولون آخر ملوكها من مصر ليلة الخميس، ليلة من ليالى ربيع الأول 292ه، ودخلها محمد بن سليمان الكاتب من قبل المكتفى بالله، أخذ الشعراء فى رثائهم والتحسر عليهم فنظموا القصائد الطوال فى ذلك، ومن بين المراثى قصيدة للشاعر سعيد القاضى يرثى فيها البيمارستان الطولونى:
ولا تنس مارستانه واتساعه وتَوْسعة الأرزاق للحَوْل والشَهرْ وما فيه من قُوّامه وكُفّايه ورِفْقِهم بالمعتفين ذوى الفَقْر فللميّت المقبور حسنُ جهازه وللحىّ رِفْقُ فى علاج وجَبْر وكان مما ألحقه ابن طولون بالمكان صيدلية فيها أنواع الأدوية المختلفة، وكان يخصص طبيباً يوم الجمعة ليجلس على سبيل الاحتياط خشية أن يقع تعب ما أو أزمة مفاجئة لأحد المصلين، وكان الأطباء المعالجون من المسلمين والأقباط.
أطباء البيمارستان العتيق:
محمد بن عبدون الجيلي العذري رحل إلى المشرق ودخل البصرة وإلى مدينة الفسطاط ودبر مارستانها ومهر في الطب ورجع إلى الأندلس سنة 360 ه وخدم بالطب المستنصر بالله والمؤيد لله وكان قبل مؤدبا في الحساب والهندسة.
سعيد بن نوفل وكان طبيب نصراني يعمل في خدمة أحمد بن طولون.
شمس الدين بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المصري مدرس الأطباء بجامع ابن طولون كان فاضلا له نظم مات سنة 722 ه.
البيمارستان المنصوري
ويسمى هذا البيمارستان أيضاً دار الشفاء أو مارستان قلاوون هذا المارستان يقع بخط بين القصرين من مدينة القاهرة، وكان قاعة للسيدة الشريفة ست الملك ابنة العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معد وأخت الحاكم بأمر الله منصور، ثم عرف بدار الأمير فخر الدين جهاركس بعد زوال الدولة الفاطمية وبدار موسك، ثم صارت للملك المفضل قطب الدين أحمد ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب. فاستقر بها هو وذريته فصار يقال لها الدار القطبية.
نبذة تاريخية:
يعود تاريخ بناء البيمارستان إلى عام 675ه / 1276م. وكان سبب بنائه أن الملك المنصور لما توجه وهو أمير إلى غزو الروم في أيام الظاهر بيبرس، أصابه بدمشق قولنج عظيم، فعالجه الأطباء بأدوية أخذت له من البيمارستان الكبير النوري، فبرأ وركب حتى شاهد المارستان فأعجب به ونذر إن آتاه الله الملك أن يبني مارستان. فلما تولى السلطنة أخذ في عمل ذلك فوقع الاختيار على الدار القطبية، فندب الطواشي حسام الدين بلالا المغيثي للكلام في شرائها فاستمر الأمر على ذلك حتى أنعمت مؤنسة خاتون ببيعها على أن تعوض عنها بدار. فعوضت قصر الزمرد برحبة باب العيد مع مبلغ من المال حمل إليها، ووقع البيع على هذا.
ثم ندب السلطان الأمير سنجر الشجاعي للعمارة فأخرج النساء من الدار القطبية، وجمع صناع مصر وتقدم إليهم بأن يعملوا بأجمعهم في الدار القطبية، ومنعهم أن يعملوا لأحد شغلا وشدد عليهم في ذلك، وكان مهابا فلازموا العمل عنده ونقل من قلعة الروضة ما احتاج إليه من العمد الصوان والعمد الرخام والقواعد والأعتاب والرخام البديع وغير ذلك. وصار يركب إليها كل يوم وينقل الأنقاض المذكورة على العجل إلى المارستان، ويعود إلى المارستان فيقف مع الصناع على الأساقيل حتى لا يتوانوا في عملهم وأوقف مماليكه بين القصرين، وكان إذا مر أحد ولو عظم ألزموه أن يرفع حجرا ويلقيه في موضع العمارة فينزل الجندي والرئيس عن فرسه حتى يفعل ذلك فترك أكثر الناس المرور هناك. وقد نقل من قلعة الروضة ما يحتاج إليه من العمد الصوان والعمد الرخام التي كانت قبل عمارة القلعة بالبرابي وغير ذلك.
ولقد تم الانتهاء من أمر العمارة في أسرع مدة وهي أحد عشر شهرا وأيام. وكان الشروع في بنائها مارستانا في أول ربيع الآخر عام 683ه / 1284م. كما أتم معها المدرسة المنصورية والقبة، فكانتا ضمن مجموعته البيمارستان والمدرسة والقبة.
ولما تكامل البناء ركب السلطان إليه وشاهده وجلس بقاعة الدار ومعه الأمراء والقضاة والعلماء. وكان قد أبقى القاعة على حالها وهي ذات إيوانات أربعة بكل إيوان شاذروان، وبمكان قاعتها فسقية يصير إليها الماء من الشاذروان. وكان ذراع هذه الدار عشرة آلاف وستمائة ذراع. ثم إنه استدعى قدحا من الشراب فشربه وقال قد وقفت هذا على مثلي فمن دوني وأوقفه السلطان على الملك والمملوك والكبير والصغير والحر والعبد والذكر والأنثى، وجعل لمن يخرج منه من المرضى عند برئه كسوة ومن مات جهزه، وكفن ودفن.
ثم وقف عليها الملك المنصور من الأملاك بديار مصر القياس والرباع والحوانيت والحمامات والفنادق والأحكار وغير ذلك، والضياع بالشام ما يقارب ألف ألف درهم في كل سنة كما رتب مصارف المارستان والقبة والمدرسة ومكتب الأيتام. ورتب فيه الحكماء الطبائعية والكحالين والجرائحية والمجبرين لمعالجة الرمد والمرضى والمجرحين والمكسورين من الرجال والنساء، ورتب به الفراشين والفراشات والقومة لخدمة المرضى وإصلاح أماكنهم وتنظيفها وغسل ثيابهم وخدمتهم في الحمام، وقرر لهم على ذلك الجامكيات الوافرة وعملت التخوت والفرش والطراريج والأقطاع والمخدات واللحف والملاءات لكل مريض فرش كامل، وأفرد لكل طائفة من المرضى أمكنة تختص بهم فجعلت الأواوين الأربعة المتقابلة للمرضى بالحميات وغيره. وجعلت قاعة للرمد، وقاعة للجرحى، وقاعة لمن أفرط به الإسهال، وقاعة للنساء، ومكان حسن للممرورين من الرجال ومثله للنساء، والمياه تجري في أكثر هذه الأماكن. وأفردت أماكن لطبخ الطعام والأشربة والأدوية والمعاجين وتركيب الأكحال والشيافات والسفوفات وعمل المراهم والأدهان وتركيب الترياقات، وأماكن لحواصل العقاقير وغيرها من هذه الأصناف المذكورة، ومكان يفرق منه الشراب وغير ذلك مما يحتاج إليه. ولقد وصل مبلغ الإنفاق في عام 707ه / 1308م من الشراب المطبوخ خاصة ما يزيد على خمسة قناطير بالمصري في اليوم الواحد للمرتبين والطوارئ غير السكر والمطابيخ من الأدوية وغير ذلك من الأغذية والأدهان والترياقات وغيرها.
وكانت غالب موارد البيمارستان من الأوقاف التي تركها السلطان قلاوون ومن تبعه من الأمراء. ومن هذه الأوقاف فندق الملك السعيد بالفسطاط وهو فندق كبير يعلوه ربع كبير عمر في أيام الملك السعيد محمد بن بركة خان ثم ملكه السلطان قلاوون ووقفه على البيمارستان المنصوري ودخله في كل شهر نحو الألفي درهم. كما أوقف أيضا حمام الساباط وهو حمام القصر الفاطمي من الناحية الغربية ويعرف أيضا بحمام الصنيمة. وأوقف من القيساريات عدداً كبيراً منها قيسارية الصبانة، وقيسارية المحلى، وقيسارية الضيافة، وقيسارية الفاضل. ومن الأسواق أوقف سوق الأمشاطيين، وسوق النقليين، وسوق القفيصات، وسوق الكتابين وكانت تؤخذ أجرة الأرض لهذه الأسواق مباشرة للبيمارستان المنصوري. كما كان للبيمارستان مصادر أخرى للصرف عليه منها الترياق المعمول به في القاهرة. وكان محتكرا له ومخصصا إيراده للصرف على البيمارستان. وفي عام 1190ه / 1776م جدَّد الأمير عبد الرحمن المارستان المنصوري وهدم أعلى القبة الكبيرة المنصورية والقبة التي كانت بأعلى الفناء من الخارج، ولم يعد عمارتها بل سقف قبة المدفن فقط، وترك الأخرى مكشوفة، ورتب له أرزاقا وأخبازا زيادة على البقايا القديمة. ولما عزم على ترميمه وعمارته أراد أن يحتاط بجهات وقفه فلم يجد له كتاب وقف ولا دفترا، وكانت كتب أوقافه ودفاتره في داخل خزانة الكتب فاحترقت بما فيها من كتب العلم والمصاحف ونسخ الوقفيات والدفاتر، ووقفه يشتمل على وقف الملك المنصور قلاوون الكبير الأصلي ووقف ولده الملك الناصر علي بن قلاوون ووقف ابن الناصر أبي الفداء إسماعيل وغير ذلك من مرتبات الملوك من أولادهم ثم إنه وجد دفتر من دفاتر الشطب المستجدة من بعض المباشرين وذلك بعد الفحص والتفتيش فاستدل به على بعض الجهات المحتكرة.
وفي عام 1272ه / 1856م كان البيمارستان المنصوري قد بلغ الغاية من الاضمحلال وهجره المرضى ولم يبق به سوى المجانين، فنقلت منه المجانين إلى ورشة الجوخ ببولاق ولم يكن بهذا المحل الاستعداد اللازم لذلك وكانوا غير معتنى بهم فأنشئ مستشفى للمجاذيب في بعض السرايا الحمراء التي أنشأها الخديوي إسماعيل باشا بالعباسية ثم أحرقت وكان نقل المجاذيب من ورشة الجوخ ببولاق إلى العباسية عام 1272ه / 1880م.
ولقد حصلت تغييرات عديدة في أبنيته في عصور مختلفة ولا سيما بعد نقل المجانين منه إلى غيره من الأمكنة وقد تصرف المشرفون عليه بتأجير قاعاته للسكن فصار كأنه وكالة وصارت مرافقه مخازن لصناع النحاس وتجاره. وبعد أن انتقل المجانين من بيمارستان قلاوون إلى ورشة الجوخ ببولاق تحول حال البيمارستان فبعد أن كان خاصا بالمجانين عاد إلى ما كان عليه في السابق من معالجة سائر الأمراض.
وحالياً لم يبق من البيمارستان المنصوري سوى النزر اليسير من رسومه ومرافقه. ومن هذه الآثار جزء من الإيوان الشرقي وفسقية من الرخام والقاعة القبلية وبعض ألواح منقوشة في سقف الإيوان البحري. وتدل التحلية الجبسية في بعض النوافذ التي لا تزال موجودة على حالها في الردهة الشرقية وأعمال الفسيفساء في الفسقية، على أن زخارف المارستان لم تكن تقل نفاسة عن زخارف التربة التي هي أسلم بناء حفظ للآن من أبنية قلاوون، وتوجد في آخر ردهة المارستان القديم الملاصقة للإيوان الغربي من المسجد، ولا تزال جهتان من حافته مكسوتين بخطوط من الرخام الملون وقاع الفسقية مغطى بالفسيفساء الدقيقة الصنع جدا ولا تزال سليمة وهي مكونة من جزئين: فراغ مستطيل مسطح في وسط جزء مربع مجوف. وكان الماء يأتي إلى الفسقية كما يكون في الفساقي العمومية يخرج من جدار القاع بأنبوب ثم يجري فوق لوح من الرخام كالسلسبيل في الفساقي العمومية. والبناء المسند فوقه لوح الرخام لا يزال قائما. ويخرج من الفسقية قناة تخترق القاعة بطولها وهذا النظام يشبه مثيله في قصر الحمراء وفي قصر زيزا. وهذا النظام كان شائعا في القصور في جميع البلدان الإسلامية آنذاك.
الإشراف الطبي:
افتتح السلطان قلاوون البيمارستان ورتب فيه من المباشرين والأمناء من يقوم بوظائفه وشراء ما يحتاج إليه من الأصناف وضبط ما يدخل إلى المكان وما يخرج منه خاصة من غير أن يكون لهم تعلق في استخراج الأموال، وإنما يشترون الأصناف ويحولون ثمنها على ديوان صندوق المستخرج ويكتبون في كل شهر عمل استحقاق لسائر أرباب الجامكيات والخزانات من سائر أرباب الوظائف والمباشرين يكتبه العامل، يكتب عليه الشهود ويأمر الناظر بصرفه يحيلون بثمنها على ديوان صندوق المستخرج ويصرف على حكمه وهذه الطائفة من المباشرين بالبيمارستان هم مباشرو الإدارة، وأما مباشرو الصندوق والرباع فإليهم يرجع تحرير جهات الأوقاف في الخلق والمسكون والمعطل واستخراج الأموال ومحاسبات المستأجرين وصرف الأموال بمقتضى حوالة مباشري الإدارة، ومباشرة العمارة وعمل الاستحقاق، ولا يتصرفون في غير ذلك كما لا يتصرف مباشر الإدارة في صرف الأموال إلا حوالة بإرادتهم.
وفي ربيع الأول عام 743ه / 1343م. وقعت منازعة بين الأمير جنكلي بن البابا وبين الضياء المحتسب بسبب وقف الملك المنصور على القبة المنصورية، فإنه أراد إضافته إلى المارستان وصرف متحصله في مصارف المارستان فلم يوافقه الضياء، واحتج بأن لهذا مصرفا عينه واقفه لقراء وخدام، ووافقه القضاة على ذلك. وفي المحرم عام 747ه / 1347م. خلع على الأمير أرغون العلائي، واستقر في نظر البيمارستان المنصوري عوضا عن الأمير جنكلي بن البابا فنزل إليه وأعاد جماعة ممن قطعهم ابن الأطروش بعد موت الأمير جنكلي. وأنشأ بجوار باب المارستان سبيل ماء ومكتب سبيل لقراءة أيتام المسلمين القرآن الكريم ووقف عليه وقفا بناحية من الضواحي. وفي شهر محرم عام 752ه / 1351م. خلع السلطان الملك الصالح الحسن بن محمد بن قلاوون على الضياء يوسف الشامي وأعيد إلى حسبة القاهرة ونظر المارستان عوضا عن ابن الأطروش.
وفي شهر ذي القعدة عام 755ه / 1354م. في عهد سلطنة السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون خلع السلطان علي الأمير صرغتمش واستقر في نظر المارستان المنصوري وكان قد تعطل نظره من متحدث ترك وانفرد بالكلام فيه القاضي علاء الدين بن الأطروش وفسد حال وقفه، فإنه كان يكثر في مهاداة أمراء الدولة ومديريها ويهمل عمارة رباعه حتى تشققت، فنزل إليه الأمير صرغتمش ودار فيه على المرضى فساءه ما رأى من ضياعهم وقلة العناية بهم، فاستدعى القاضي ضياء الدين يوسف ابن أبي بكر محمد بن خطيب بيت الأبار الشامي وعرض عليه التحدث في المارستان كما كان عوضا عن ابن الأطروش، فامتنع من ذلك، فما زال به حتى أجاب وركب إلى أوقاف المارستان بالمهندسين لكشف ما يحتاج إليه من العمارة، فكتب تقدير المصروفات ثلاثمائة ألف درهم ومنع من يتعرض لهم وانصلحت أحوال المرضى أيضاً.
الرعاية الطبية:
عندما تولى الأمير الكبير جمال الدين آفوش الأشرفي النظر في البيمارستان المنصوري، كان كثير الإحسان للمرضى وتفقد أحوالهم في الليل. وكان يتنكر ويدخل إليهم قبل الفجر ويسأل الضعفاء عن سائر أحوالهم حتى عن الفراش والطبيب، ويدخل إلى مارستان المجانين ويباشر أحوالهم بنفسه ويتحدث معهم ولا يغفل عن مصلحة تتعلق بمباشرته.
وكان الأمير قد جعل لكل مريض نفقاته في كل يوم دينارا، وله شخصان يقومان بخدمته. وكان المؤرقون من المرضى يعزلون في قاعة منفردة يشنفون فيها آذانهم بسماع ألحان الموسيقى الشجية أو يتسلون باستماع القصص يلقيها عليهم القصاص وكان المرضى الذين يستعيدون صحتهم يعزلون عن باقي المرضى ويمتعون بمشاهدة الرقص، وكانت تمثل أمامهم الروايات المضحكة وكان يعطى لكل مريض حين خروجه من المارستان خمس قطع من الذهب، حتى لا يضطر إلى الالتجاء إلى العمل الشاق في الحال.
وكانت قاعات المرضى تدفأ بإحراق البخور أو تبرد بالمراوح الكبيرة الممتدة من طرف القاعة إلى الطرف الثاني، وكانت أرض القاعات تغطى بأغصان شجر الحناء أو شجر الرمان أو شجر المصطكى أو بعساليج الشجيرات العطرية. وكان البلسان يؤتى به من عين شمس إلى المارستان لعلاج المرضى. وقد كان يصرف من الوقف على بعض أجواق تأتي كل يوم إلى المارستان لتسلية المرضى بالغناء أو بالعزف على الآلات الموسيقية. ولتخفيف ألم الانتظار وطول الوقت على المرضى كان المؤذنون في المسجد يؤذنون في السحر وفي الفجر ساعتين قبل الميعاد حتى يخفف قلق المرضى الذين أضجرهم السهر وطول الوقت
وكان يحل بالبيمارستان كل يوم من المرضى الداخلين إليه والناقهين الخارجين أربعة آلاف نفس وتارات يزيدون وينقصون، ولا يخرج منه كل من يبرأ من مرض حتى يعطى إحسانا إليه وإنعاما كسوة للباسه، ودراهم لنفقاته. وأما ما يعالج المرضى به من قناطير الأشربة المقطرة والأكحال الرقيقة الطيبة التي تسحق فيها دنانير الذهب الإبريز، وفصوص الياقوت النفيس، وأنواع اللؤلؤ الثمين، فشيء كثير، بالإضافة إلى ذلك كله كان من لحوم الطير والأغنام على اختلافها وتباين أصنافها ما يحتاج إليه كل واحد ممن يوافيه ويحل فيه، وكذلك فرش وعرش من غطاء ووطاء ومشموم ومزرور وشبه ذلك مما هو معد على أكمله هنالك، وما ليس مثله إلا في منزل أمير أو خليفة وقد رتب على ذلك كله من الأطباء الماهرين والشهود المبرزين والنظار العارفين والخدام المتصرفين كل من هو في معالجته موثوق بعدالته، مسلم له في معرفته، غير مقصر في تصرفه وخدمته.
ثم تدهور حال البيمارستان حتى وصل عدد المرضى فيه عام 1212 ه 1798/ م خمسين أو ستين عدا المجانين وكانوا يسكنون قاعات في الدور الأرضي مفتوحة من كل جانب، وليس بها أسرة أو أثاث. وكان المجانين يشغلون قسما آخر من البناء منقسما إلى قاعتين، لكل من الزوجين قاعة خاصة. وكان عدد المجانين عشرة يسكنون حجرات مقفلة بشبابيك الحديد
أما المرضى من غير المجانين فكان كثير منهم من العميان وأكثرهم مصاب بالسرطان وبعضهم أنهكته الأمراض العضال المتروكة من غير علاج، وجميعهم من غير إسعاف سوى توزيع الغذاء عليهم وهو من الخبز والأرز والعدس وهم لا يتصورون أن في الإمكان تخفيف أوجاعهم، وهم بتركهم هكذا تحت رحمة الأقدار لم يعرفوا قط حتى أبسط الأدوية. ويقيم المجانين في ناحيتين منعزلتين في إحداهما ثماني عشرة حجرة للرجال وفي الأخرى ثماني عشرة للنساء.
التعليم الطبي
أنشأ السلطان المنصور قلاوون البيمارستان ومعه المدرسة المنصورية والقبة. وكانت المدرسة بخط بين القصرين وجعل بها خزانة كتب جليلة في مختلف أنواع العلوم والربعات الشريفة. وبجوار القبة كان يوجد أيضا المدرسة الناصرية، وكان قد شرع في بنائها السلطان زين الدين كتبغا المنصوري، ثم عزل قبل أن يتمها فاشتراها منه الناصر محمد بن قلاوون، وبنى بجوارها قبة وكمل عمارتها عام 703ه / 1303م وجعل بها خزانة كتب.
ولقد احتلت مكتبة البيمارستان القبة الكبيرة التي بجانبه، واهتم السلطان المنصور قلاوون بهذه المكتبة بشكل كبير حتى أنه أقام عليها خازنا بمرتب مساو لمرتب المدرس. ولقد حوت هذه المكتبة من جميع فروع المعرفة التي عرفت في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي.
وكان التعليم العملي يتم بالبيمارستان المنصوري، أما النظري منه فكان يتم بالمدرستين المنصورية والناصرية. وكان ابن النفيس يدرس في كليهما الطب. كما كان يدرس الفقه في المدرسة المسرورية. وفي أوقات راحته كان يتجه إلى مكتبة البيمارستان التي في القبة فيجلس للبحث والقراءة. وقد أوقف ابن النفيس إلى هذه المكتبة الطبية داره ومكتبته، عندما آلت إليه رئاسة نقابة الأطباء في ذلك الوقت.
ولقد تعرضت هذه المكتبة فيما بعد إلى حريق كبير ألحق الضرر بمعظم محتوياتها. ولكن في عام 726ه / 1326م. في عهد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون حصل الشروع في إصلاح البيمارستان والقبة والمدرسة. فقام الأمير جمال الدين آقوش الأشرفي ناظر الأوقاف، بالعمارة فنحت جدران البيمارستان والمدرسة المبنية بالحجر كلها داخلا وخارجا وطلا الطراز الذهب من خارج القبة والمدرسة حتى صار كأنه جديد وعمل خيمة يزيد طولها على مائة ذراع وركبها لتستر على مقاعد الأقفاص وتستر أهلها من الحر، ونقل الحوض من جانب باب المارستان لكثرة تأذي الناس برائحة النتن، وعمل موضعه سبيل ماء عذب لشرب الناس.
ورتب فيه مكاناً يجلس فيه رئيس الأطباء لإلقاء درس طب ينتفع به الطلبة. وكان مصروف ذلك كله من ماله دون مال الوقف. واستمرت العمارة إلى أواخر جمادى الأولى وخلت الأواوين الأربعة بالبيمارستان من مستهل هذه السنة إلى منتصف جمادى الأولى. وكان جملة ما صرف على هذه العمارة تقارب ستين ألف دينار.
أطباء البيمارستان:
وقد تناوب نظر البيمارستان المنصوري عدد كبير من الفضلاء. من أشهرهم علي بن عبد الواحد بن أحمد بن الخضر الشيخ علاء الدين الحلبي نزيل دمشق، وكان شيخا كبيرا متميزا من رؤساء الدولة الناصرية خدم في الجهات وولي نظر البيمارستان المنصوري وغيره وتوفي عام 697ه / 1298م. ومحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن عثمان الشيخ شمس الدين أبو عبد الله بن الفاضل نور الدين أبي الحسن البدرشي ثم القاهري المولود عام 788ه / 1386م. اختص بجاني بك الصوفي وباشر البيمارستان في أيامه وعلا كلامه وعظم أمره، وقاضي القضاة جمال الدين أبو الثناء القيصري الرومي الأصل العجمي الحنفي، ومحمد بن أحمد الدميري
المالكي وكان ولي حسبة القاهرة في الأيام الأشرفية شعبان بن حسين ثم ولي نظر الأحباس ونظر البيمارستان المنصوري وقضاء العسكر.
كما تولى حفيده محمد بن محمد بدر الدين الدميري وكان جده ناظر البيمارستان. ومحمد بن محمد بدير بن بدر الدين العباسي المعروف بالعجمي زوج أخت البدر الدميري ورفيقه في مشارفة البيمارستان. وعلي بن مفلح القاضي نور الدين وكان وكيل بيت المال بالأطباق. كما تولى نظارته محمد بن أحمد بن يوسف بن حجاج القاضي ولي الدين السفطي وكان من أفضل من تولى نظارته وحرص على أوقافه فزاد دخل البيمارستان في وقته أكثر من أن يوصف. وتولى نظارته أيضا علي الزيني بركات بن موسى وكان مدبر المملكة وناظر الحسبة الشريفة.
البيمارستان الناصري ( الصلاحي )
ويسمى أيضا الصلاحي أو بيمارستان صلاح الدين. أنشأه السلطان صلاح الدين الأيوبي في القاهرة عام 567ه 1171 /م. وكان يقع حيث يوجد الآن منزل الغمري الحصري وكان بابه يفتح على حارة الملوخية التي كانت تسمى قبل ذلك بحارة قائد القواد.
نبذة تاريخية:
بعد أن دخل السلطان صلاح الدين القاهرة واستولى على القصر الفاطمي جعل القاعة الرئيسية في القصر للبيمارستان يشغل، بينما فرق بقية أماكن قصر الخلافة على أمرائه ليسكنوا فيها. وكان سبب اختيار صلاح الدين قاعة هذا القصر للبيمارستان دون غيره أن القرآن مكتوب على حيطانها.
وبعد الانتهاء من إعداد البيمارستان استخدم السلطان صلاح الدين له أطباء وكحالين وجراحيين ومشرفا وعاملا وخداما ووجد الناس به رفقا وبه نفعا. وعين قيما من أهل المعرفة وضع لديه خزائن العقاقير ومكنه من استعمال الأشربة وإقامتها على اختلاف أنواعها، ووضعت في مقصورات ذلك القصر أسرة يتخذها المرضى مضاجع كاملة الكساء. ووضع بين يدي ذلك القيم خدمة يتكلفون بتفقد أحوال المرضى صباحا ومساء، فيقابلون من الأغذية والأشربة بما يليق بهم. وبإزاء هذا الموضع موضع مقتطع للنساء المرضى ولهن أيضا من يكفلهن.
ويتصل بالموضعين المذكورين موضع آخر متسع الفناء فيه مقصورات عليها شبابيك من الحديد اتخذت مجالس للمجانين. ولهم أيضا من يتفقد في كل يوم أحوالهم ويقابلها بما يصلح لها. والسلطان يتطلع هذه الأحوال كلها بالبحث والسؤال ويؤكد في الاعتناء بها والمثابرة عليها غاية التأكيد.
أما موارد البيمارستان المخصصة للإنشاءات فكانت من ميزانية الدولة. بينما مستلزمات البيمارستان بما فيها رواتب الأطباء والمساعدين والممرضين وصانعي الأسرة والخدم فكانت تدفع من الريع المخصص للبيمارستان والذي أفرد له رسم من جملة الرباع الديوانية، مشاهرة مبلغها مائتا دينار وغلات جهتها الفيوم، وأما الخدمات الاستشفائية فكانت مجانية.
كما كان البيمارستان ممولا من عائدات المؤسسات الخيرية والأوقاف، فكان الأغنياء، ولا سيما الخلفاء والأمراء يقدمون ملكيات كتبرعات يعود ريعها للبيمارستان وصيانته، وقد تشكلت هذه الهبات من دكاكين، ومطاحن، وخانات للقوافل وحتى من قرى بأكملها. فكان إيراد هذه التبرعات يستخدم لصيانة البيمارستان ولتغطية تكاليف عمله، وفي بعض الأحيان، لتقديم مساعدة مالية صغيرة للمرضى الذين فقدوا عملهم. وكان المسئولون على هذه الأوقاف والهبات يسجلون كل شيء في سجلات خاصة بما فيها رواتب الأطباء، وأثمان العقاقير، والآلات الطبية.
الإشراف الطبي
انتشرت إبان الفترة التي حكم فيها سلاطين الدولة الأيوبية ومن بعدهم المماليك العديد من المنتحلين لمهنة الطب، والمشعوذين والدجالين وأصحاب الأحاجي والطلاسم والتعاويذ، مما كان له بالغ الأثر على مهنة الطب في ذلك الوقت. ومن ثم كانت الحاجة إلى أن تكون هناك رئاسة للأطباء وأخرى للعشابين تشرف على المهنة. ومن كانت هذه الرئاسة تنتهي إليه في ذلك الوقت، يكون فيها رئيسا على بيمارستانات ديار مصر والشام معا. وفي عهد السلطان كلف الدخوار "رئاسة أطباء مصر بأسرها وأطباء الشام" وعهد إليه "النظر في أمر الكحالين واعتبارهم وأن من يصلح منهم لمعالجة أمراض العين ويرتضيه يكتب له خطه بما يعرفه منه ففعل ذلك".
وكان يعاون رئيس الأطباء محتسبا يشرف على سير العمل، وكانت إحدى مهام المحتسب، مراقبة أسواق والمباني والخدمات العامة، تتمثل في منع عمليات الغش عند صانعي العقاقير والأدوية والجراحين والأطباء. وكانت صلاحياته تشمل مراقبة الأوزان والقياسات، والسهر على نظافة الشوارع، وإزالة البؤر غير الصحية، والتزود بالماء.
الرعاية الطبية
لقد كانت الرعاية الطبية في البيمارستان حقا للجميع على حد سواء. وكان المرضى يفحصون بعناية كبيرة وتدون أسماؤهم في سجلات خاصة لمعرفة سير المرض فيهم ومتابعته يوما بعد يوم، وكان يقدم لهم الغذاء والدواء مجانا، ويظلون تحت الرعاية حتى الشفاء التام، وعند المغادرة يصرف لكل واحد منهم ثوب وبعض المال ليقوم بنفقاتهم الضرورية في فترة النقاهة. كما توافرت كل أسباب الرفاهية في هذا البيمارستان من أسرة وثيرة ناعمة إلى حمامات فاخرة، بالإضافة إلى قاعات للموسيقى وأخرى مخصصة للمكتبات. ويظهر مدى الترف الذي وصل إليه البيمارستان الناصري في ذلك الوقت ما جاء في رسالة أحد الصبيان إلى أبيه.
التعليم الطبي:
كان التعليم الطبي في البيمارستان يعتمد بشكل أساسي على تدريس العلوم السريرية. ولكن بعد ذلك رفع ابن جميع المصري وكان من كبار الأطباء في البيمارستان، طلبا إلى السلطان صلاح الدين يناشده فيها بتدريس مادة التشريح كمادة أساسية مهمة وضرورية للطبيب والممارس. كما ناشد معلمي الطب أن يكثروا من تدريب التلاميذ في البيمارستان، وأن لا يعتمدوا على المحاضرات النظرية فقط.
وقد اقترح ابن جميع بعض التدابير العملية لإصلاح الوضع في التعليم الطبي في ذلك الوقت، وبين المتطلبات التي يجب أن يتمتع بها كل طبيب صالح فذكر: "ويحتاج إلى إحصاء أعضاء بدن الإنسان عضوا عضوا والوقوف بالحس والمشاهدة على خواص جوهر كل واحد منها من اللون والقوام ونحوهما، وعلى خلقته أي شكله وملاسته أو خشونته وهل فيه تجويف أو مجرى، وعلى ماذا يحتوي ذلك التجويف أو المجرى، وعلى مقدار عظمه وعدد أجزائه وحال كل جزء منها إن كانت له أجزاء، وعلى وضعه أي موضعه من البدن وما بينه وبين غيره من الأعضاء الأخر من المشاركة والمواصلة، وعلى فعله ومنفعته أو منافعه التي لأجلها احتيج إليه. ومباشرة هذه الأشياء بالحس إنما تكون من جهة تشريح الأبدان البشرية. وتشريح هذه الأبدان ليس بالسهل الميسر في كل الأوقات وليس يكفي في الوقوف على هذه الأمور إلا بحيث تتقدمه رياضة كثيرة في تشريح حيوانات أخر من الحيوانات الشبيه في جل أعضائها بأعضاء الناس مثل القرود، بين يدي المعلمين الحذاق فيه كما قد لخصه الفاضل جالينوس تلخيصا شافيا".
وفي عهد السلطان قلاوون كانت مادة التشريح تدرس في كل من البيمارستان الناصري والبيمارستان المنصوري على حد سواء. وكان ابن النفيس يعمل في كليهما ويشرف على تدريس هذه المادة. ومن الكتب التي كان يدرسها ابن النفيس الجزء الخاص بالتشريح في كتاب القانون في الطب للشيخ ابن سينا. ثم قام ابن النفيس بعد ذلك باختصار الكتاب إلى مختصر القانون، وإلى شرح تشريح القانون ليكون مادة سهلة للطلاب الذين يقصدونه. ومن خلال ممارساته العملية توصل ابن النفيس إلى اكتشاف الدورة الدموية الصغرى، واستطاع أن يصف عضلة القلب بدقة، وأن يصحح الأخطاء التي وقع فيها من سبقه من الأطباء.
أطباء البيمارستان:
عندما دخل صلاح الدين ديار مصر كان في خدمته حوالي ثمانية عشر طبيبا من بينهم ثمانية مسلمون، وخمسة يهود، وأربعة نصارى، وسامري واحد. ومن جملة من ساهم من هؤلاء في خدمة البيمارستان الناصري موسى بن ميمون، وهبة الله بن جميع الإسرائيلي المصري. وكان ابن جميع قد درس الطب على يد طبيب البلاط الفاطمي ابن العين زربي، كما درس الطب بدوره. وكان من تلامذته ابن أبي البيان الإسرائيلي مؤلف الدستور البيمارستاني المخصص للبيمارستان الناصري.
كما كان هناك عدد من الأطباء انتقلوا من دمشق إلى القاهرة وعملوا بالبيمارستان الناصري. ومن هؤلاء ابن المطران وهو نصراني اعتنق الإسلام، فأكرمه صلاح الدين بأن طور له مكتبة خاصة حوت عشرة آلاف مجلد. وممن هاجر أيضا رضي الدين الرحبي وأصبح فيما بعد الطبيب الخاص للحاكم الأيوبي الملك العادل سيف الدين أخي صلاح الدين، وقد اصطحبه إلى مصر أثناء تفشي الوباء، حيث عالج هناك وبنجاح ابن الأمير، فكافأه بتكليفه "رياسة أطباء ديار مصر والشام" وأطلق له في كل شهر ثلاثين دينارا على أن يكون ملازما للقلعة والبيمارستان بالقاهرة، ثم رجع إلى دمشق، وتردد إلى البيمارستان النوري وعلم طلاب الطب هناك.
كما هاجر إلى القاهرة موفق الدين ابن أبي أصيبعة، وزميله في الدراسة ابن النفيس، وكانا يدرسان الطب معا في المدرسة الدخوارية. وممن سافروا إلى مصر أيضا ابن البيطار وعهد إليه الملك الكامل محمد بن أبي بكر رئاسة العشابين في سائر ديار مصر والشام. وكان إبراهيم بن الرئيس ميمون وكان في خدمة الملك الكامل، ويتردد إلى البيمارستان الذي بالقاهرة من القصر ويعالج المرضى فيه وكذلك القاضي نفيس الدين بن الزبير قرأ صناعة الطب وأتقن صناعة الكحل وعلم الجراحة، وولاه الملك الكامل رياسة الطب بالديار المصرية وكان يكحل في البيمارستان الناصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.