لم يكتفي الرئيس الأمريكي أوباما وإدارته وجهاز مخابراته بإدارة والتخطيط لمشروع فوضي " المحظورة " في مصر منذ سقوط نظام الإخوان، ولكن امعانا منه في تشتيت القيادة السياسية والقوات المسلحة المصرية قرر فتح جبهات جديدة للنيل من مصر التي وجهت إليه صفعة مؤلمة في شخص رجلها القوي الفريق أول عبد الفتاح السيسي والتي ما زال يتجرع مرارتها حتي الآن ، ففي خضم تلك الأحداث فاجأتنا دولة الكيان الصهيوني – بعد التشاور مع ادارة أوباما بالطبع - بتسمية سفيرا جديدا لها في مصر رغم ان سفارتها في القاهرة مغلقة منذ قيام ثورة 25 يناير2011 ، ورغم استمرار الغلق الا أن تل أبيب اتخذت قرارا مفاجئا بتعيين سفير جديدا لها بالقاهرة خلفا للسفير السايق يعقوب اميتاي . وتعيين السفير الجديد ليس هو المشكلة في حد ذاته ، ولكن الاشكالية تأتي في شخص السفير الجديد وهو " حاييم كورين " وما أثير حوله من جدل كبير ، بالاضافة الي نشاطه داخل أجهزة صناعة القرار في تل أبيب . ولكن قبل الابحار في مخاوفنا من قبول القيادة السياسية في مصرتعيين هذا السفير ، سنلقي الضوء أولا علي السيرة الاتية ل" كورين ".. عمل حاييم كورين في بداية حياته بوزارة الخارجية الاسرائيلية ، وما لبث أن أصبح المسئول الأول عن ملف منطقة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية ، ثم مديرا لمركز الأبحاث بها ، ثم صانعا لسياسات تل أبيب الخارجية .. وانتقل للعمل خارج اسرائيل حيث عين قنصلا في ولاية شيكاغو بالولاياتالمتحدةالأمريكية ، قبل ان يتم تعيينه قنصلا لاسرائيل بالاسكندرية ، ثم اختارته وزارة الخارجية الاسرائيلية ليكون سكرتير ثاني لها في مدينة كاثماندو بدولة نيبال ، قام كورين بالتدريس في جامعة حيفا بقسم الاتصالات في الاعلام العربي ، ثم بقسم تاريخ الشرق الأوسط بذات الجامعة .. في تلك الفترة حصل حاييم علي درجة الدكتوراة في تاريخ اقليم درافور ، ثم عين محاضرا بكلية أميرك يازيل وتخصص في علم الاجتماع الاسلامي والعربي ، وأخير عضوا بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة شيكاغو بالولاياتالمتحدة ، ثم محاضر زائر بقسم العلوم السياسية بالشرق الأوسط بجامعة حيفا . مشوار كورين كان حافلا باللغط والأقاويل حول نشاطه الأمني وعمله في مجال جمع المعلومات والاستخبارات لصالح الموساد الاسرائيلي ، واتهمته حكومة الخرطوم بأنه كان مهندس عملية تقسيم السودان الي دولتين شمال وجنوب السودان عندما كان يتولي منصب سفير تل أبيب في جوبا عمل خلال وجوده هناك علي دعم العلاقات بين حكومة جنوب السودان وحكومة بلاده . اتهموه أيضا بأنه عمد علي جمع معلومات استخباراتية عن شمال السوادن وأنهم علمو فيما بعد بخلفيته الجاسوسية بالاضافة الي جهوده في تجميع مراكز المخابرات الاسرائيلية في أفريقيا في مركز إقليمي واحد بجوبا عاصمة جنوب السودان وهو ما شكل – من وجهة نظر حكومة الخرطوم تهديدا للأمن القومي السوداني . وسائل الاعلام الاسرائيلية كانت أكثر جرأة وصراحة من الخارجية عندما ذكرت وقتها آبان تعيين حاييم سفيرا لها بجوبا أن اختيار وزارة الخارجية الإسرائيلية له يأتي في سياق الجهود الإسرائيلية لوقف المد الإسلامي الذي بدأ ينتشر بقوة في دول افريقيا بعد ثورات الربيع العربي اتهام حكومة البشير ل" كورين " بتخريب العلاقة بين جوباوالخرطوم وسعيه لتأجيج نار الخلافات بين شطري السودان وافساد كل محاولات رأب الصدع والخلافات ، جعل حكومة دولة تركمانستان – احدي دول الاتحاد السوفيتي قبل التقسيم- ، ترفض قرار اسرائيل بتعيينه سفير لديها، حيث قامت وزارة الخارجية التركمانستانية بابلاغ تل أبيب برفضها تعيين كورين سفيرا لديها ، بسبب سمعته السيئة وتدخله السافر في الشئون الداخلية للدول التي يعمل بها ومنها جنوب السودان ودوره في رسم سياسة جوبا وعلاقتها مع حكومة الخرطوم ، واعتبرته تركمانستان عميلا للموساد وليس دبلوماسياً.. وذكرت تقارير أخري أن رفض تركمانستان لتعيين كورين جاء علي خلفية طرد موسكو له لنفس الأسباب . وقال مراقبون أوروبيون عن حاييم كورين أنه بدأ مسيرته الدبلوماسية بفضيحة رفض اعتماده سفيرا في تركمانستان – وحسب موقع أنباء موسكو – برر وزير الخارجية التركماني رفض بلاده اعتماد كورين سفيرا لديها بسبب عمله في الموساد حيث كان يعمل مدرسا لمدة ثلاث سنوات في كلية الأمن الوطني الاسرائيلي وثيقة الصلة بجهاز الموساد ، وتم تصنيفه علي أنه جاسوس غير مرغوب فيه . مسئول الملف الايراني في الخارجية الاسرائيلية .. ومهندس تقسيم السودان وتخريب العلاقات بين الخرطوموجوبا .. وعنصر فعال في جهاز الاستخبارات الاسرائيلية ومحترف جمع المعلومات من دول الجوار .. وجاسوسا طبقا للوصف الذي أطلقه عليه وزير خارجية تركمانستان .. ومطرود من موسكو بسبب نشاطه المخابراتي وسمعته السيئة .. ومنفذ أجندة اسرائيل الخارجية بعرقلة جهود انتشار الاسلام في دول القرن الأفريقي .. تلك هي مواصفات وامكانيات حاييم كورين سفير اسرائيل الجديد – المقترح - في مصر . ولاشك أن شخصية بهذه المواصفات تثير العديد من التساؤلات منها : لماذا تم اختيار هذه الشخص بالذات وفي هذا التوقيت ليكون سفيرا لاسرائيل في مصر لا سيما وأن عمله في عدة دول قد أثار حفيظة واستياء المسئولين بها مثلما حدث في السودان واتهام الخرطوم له بأنه كان عاملا رئيسيا في تفتيت وتقسيم السودان الي دولتين ، وكذا خلفيته المخابراتية وقيامه بجمع معلومات استخباراتية لصالح بلاده من دول الجوار للدولة التي يعمل بها ، اضف الي ذلك ايضا أنه كان مسئول الملف الايراني في الخارجية الاسرائيلية ، لاسيما اذا ما وضعنا في الاعتبار اتجاه مصر بعد ثورة 30 يونيه وموقف الولاياتالمتحدة منها الي الخروج من وصاية وعباءة واشنطن والانفتاح علي قوي اقليمية أخري من بينها روسياوايران والصين وهو ما ألمح اليه السفير نبيل فهمي وزير الخارجية المصري ، وسعيه لتقريب وجهات النظر بين ايران ودول الخليج ؟ واذا كان سفير تل ابيب الجديد في مصر اعتبرته دولة تركمانستان شخصية سيئة السمعة واعتبرته جاسوسا ورفضت اعتماده كسفيرا لتل ابيب في بلادها فما عساها أن تفعل مصر مع هذا الداهية الاسرائيلية الجديد والذي لا نتصور أن اختيار الادارة لاسرائيلية له ليكون سفيرا لها في مصر من باب دعم العلاقات الثنائية أو تشجيع التبادل التجاري بين البلدين ، ولكن الصورة واضحة ولم يعد العلم بتفاصيلها حكرا علي العالمون ببواطن الأمور فقط ، بل انك قد تحتاج الي قراءة أولية للصورة لكي تصل الي مرمي وهدف اسرائيل من ذرع عميل الموساد كورين في مصر في هذا الوقت بالذات . ولكي تكتمل الصورة أمام القارئ يجب أن نلقي الضوء أيضا علي السيرة الذاتية لسفير الولاياتالمتحدةالأمريكية الجديد بالقاهرة والذي تم تسميته من قبل الخارجية الأمركية خلفا لآن باتريسون ، وسيكون الربط بين دور كلا السفيرين الاسرائيلي والأمريكي بالقاهرة هو مفتاح الوصول الي الاجابة علي السؤال الخطير لماذا تم اختيار هاتين الشخصيتين لمصر تحديدا وفي هذا الوقت بالذات في ظل الرغبة الأمريكية المحمومة لاثارة القلاقل والاضطرابات في مصر بعد رحيل نظام الاخوان. إذا ما أريد معرفة دوافع اختيار روبرت ستيفان فورد السفير الأمريكي الجديد في مصر فلا بد من العودة إلى ماضي وتاريخ هذا السفير والأدوار التى لعبها في الدول العربية التي عمل بها فى العراقوالبحرين والجزائر وسوريا ، والصراعات التى ساهم فى اشعالها في هذه البلاد حتي أن بعض الساسة لقبوه بالرجل الغامض ، فقد تدخل في الشأن الداخلي الجزائري ، ودعم النزعة الطائفية في العراق ، وأشعل فتيل الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة في البحرين وقد تدرب فورد علي كيفية اثارة القلاقل في هذه الدول من خلال عمله السابق كضابطا في جهاز المخابرات الامريكية " السي آي ايه " .. عمل في مصر كملحق اعلامي بالسفارة الأمريكية في الفترة من 1988 وحتي عام 1992 نجح خلالها في استقطاب عدد من الاعلاميين والصحفيين للترويج للسياسة الامريكية ، كما اهتم بنشاط الجماعات المتطرفة في مصر وأولي عناية خاصة بجماعة الاخوان المحظورة . وحدث بعد انتهاء مهمة فورد في الجزائر ونجاحه في دعم جماعات العنف هناك ،أن تم استدعائه عام 2000 الي السي آي ايه مرة أخري لحاجة الوكالة الي جهوده في المسألة العراقية والتحضير لتوجيه ضربة عسكرية لنظام صدام حسين واحتلال العراق .. كانت مهمة روبرت محددة وهي عمل علاقات سريعة وفورية مع تنظيم القاعدة واعداد تقديرات موقف حول القوي الاقليمية في منطقة الشرق الاوسط وردة فعلها اذا ما تم استخدام القوة العسكرية في العراق ومنها مصر ودول الخليج العربي وتركيا وايران. بعدها تم تعينه كضابط اتصال مع قيادات المعارضة العراقية ومن بينهم إياد علاوى وأحمد الجلبى والسامرائى وعبدالعزيز الحكيم ونورى المالكى، و مسعود البرزانى وجلال الطالبانى ومن خلال علاقاته مع تلك الشخصيات استطاع ان يجمع معلومات دقيقة عن الأوضاع في العراق للاستفادة منها عند دخول بغداد واحتلاله . وبعد احتلال العراق والقضاء علي نظام صدام عاد فورد مرة أخري للخارجية الامريكية وتم تعيينه سكرتيرا أول للسفارة الأمريكية في بغداد في 2004 كون ستيفان فورد داخل السفارة مجموعة أزمة ضمّ إليها عناصر من السفارة ووكالة الاستخبارات المركزية التابعة لقيادة القوات الأمريكية فى العراق وعناصر من الوكالة المركزية للاستخبارات " السي آي ايه " تولت هذه المجموعة مهمة جمع معلومات ميدانية عن الجماعات المسلحة العراقية فى منطقة غرب وشمال العراق وعن قادتها وكوادرها وهياكلها وتسليحها ومصادر الدعم ، وحملت بعض المصادر العراقية فورد مسئولية اشعال الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة وتأجيج الخلافات بينهما لاضعاف الجبهة الداخلية . ومن خلال الأدوار التي لعبها فورد في العراق وغيرها من البلاد العربية تتضح الصورة كاملة والهدف من وراء تعيين فورد سفيرا للولايات المتحدةالامريكية في القاهرة خلفا لآن باتريسون . مهمة فورد في القاهرة لن تخرج عن دعم جماعة الاخوان المحظورة ومحاولة اعادتها مرة أخري لصدارة المشهد السياسي في مصر وهو ما فشلت فيه باتريسون ، أيضا محاولة استعادة دوره القديم في مصر والعمل علي استقطاب الاعلاميين والصحفيين لتنفيذ مهمة تبييض وجه امريكا ودعم الاخوان وتصوير ثورة 30 يونيه علي أنها انقلاب عسكري وليست ثورة ، وقد راهنت الادارة الأمريكية علي فورد لتنفيذ مهمته في القاهرة كما راهنت علي نجاحه من قبل في العراق ، فهل ينجح رجل المخابرات الأمريكية في اجهاض ثورة 30 يونيه واحياء المحظورة من جديد أم أنه سيصطدم بارادة المصريين التي كسرت علي أعتابها كل أطماع الغزاة . الكرة الآن في ملعب الادارة المصرية التي تعلم عن هذين السفيرين ما لا نعلمه وبالتأكيد فان الأجهزة الأمنية والمخابراتية في مصر لديها داتا كاملة عنهما وتعلم جيدا ما يمكن أن يقومان به في القاهرة من تهديد للأمن القومي المصري .. وتقدير الموقف من عدمه ليس من اختصاصنا كاعلام ، ولكنه حق أصيل لتلك الأجهزة التي نثق فيها وفي كفاءتها ووطنيتها كل الثقة ، وليس لنا في هذا الشأن الا أن نضيئ " لمبة حمراء " حول الدور الذي يمكن أن يلعباه سفيري اسرائيل وأمريكا في مصر .