لطالما كان المجتمع المدني هو الملجأ الذي تأوي إليه بلادنا إذا حدث تقصير من الحكومة، فهو الذي أنشأ مستشفى المواساة، وأول جامعة مصرية، وأياديه البيضاء كثيرًا ما أحرجت الحكومات ووضعت تقصيرها تحت المجهر الشعبي. أجرينا حديثًا مع واحد من الذين ذاقوا مرارة اجتهاده في العمل الأهلي طوال سنوات الرئيسين السابق والأسبق، إنه د. سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون الذي أوضح أنه سيضرب بالقانون الجديد عرض الحائط إذا حملت مواده أي تقييد لحريات العمل الأهلي، متسائلا في الوقت نفسه عن الرقابة على الحكومة التي تحصل بالفعل على 3 ملايين دولار سنويا دعمًا من الخارج.. فإلى التفاصيل: *كيف رأيت مشروع قانون المجتمع المدني الجديد مقارنة بالقانون السابق؟ - القانون يعتبر خطوة إلى الأمام مقارنة بالقانون السابق 84 ومع هذا لا تزال هناك ثغرات وهى ضرورة حصول الجمعيات إذن مسبق من وزارة التضامن قبل قبول المنح والإعانات الخارجية، وهو ما يضع الجمعيات تحت وصاية موظفين بيروقراطيين فى الوزارة لم يُمارسوا عملاً تطوعيًّا فى حياتهم؛ ولذلك من الصعب عليهم وهم يتلقون رواتب حكومية أن يفهموا معنى وقيمة العمل التطوعى.. بل ويعتبر نفسه كأنه مفتش مباحث على الجمعيات. * لماذا نجد منظمات العمل الأهلى متهمة بتبديد أموال المعونات، وهل يعنى هذا عدم ثقة الشعب فى عمل هذه المنظمات؟ - الشعب ليس متخوفًا من عمل الجمعيات، وإنما هى الحكومة وموظفو وزارة التضامن.. ولذلك فسؤالى لهم هو: من الذى يراقب الدولة التى تتلقى مساعدات سنوية قدرها ما بين 2 و3 مليارات دولار سنويًّا؟ فى الوقت الذى تتم فيه مراقبة ومحاسبة الجمعيات الأهلية من أربعة أجهزة: الأول هو الجهاز المركزى للمحاسبات، والثانى هو مصلحة الضرائب، والثالث هو وزارة التضامن، والرابع هو الجهة المانحة نفسها، سواء كانت محلية أو دولية.. هذه الجهات تراقب الجمعيات، فمن يراقب الحكومة التى تحصل على 3 مليارات دولار سنويا من جهات أجنبية.. ويجب أن تُطلق الحرية سواء حرية الإشهار أو حرية تلقى المنح والمعونات.. وعلى كل من يشك بوجود جمعية تحصل على تمويل وتقوم بأنشطة ضارة بالدولة أو المجتمع عليه هو أن يتقدم إلى القضاء، لأن البينة على من ادعى، فمن يدّعى أن هناك خللا هو من يذهب إلى القضاء وليس العكس، وعليهم أن يُضيفوا مادة إلى القانون تقول بهذا. *هل يقتصر دور المجتمع المدنى على جمع أموال الزكاة وتوزيعها على الفقراء أم أن لها دورًا تنمويًّا أوسع وأشمل؟ - بالطبع لها دور أوسع، ولا أعتقد أن هناك من يقول إن دورها ينحصر فقط فى جمع أموال الزكاة وتوزيعها.. وينبغى ألا نخلط بين شيئين: أولاً أن الناس الآن تشك فى عمل الجمعيات الخيرية الدينية، لأن كل ما يدخل إليها كان يذهب بالطريق الخلفى غلى الإخوان المسلمين.. وثانيًا إلى جانب هذه الجمعيات توجد جمعيات أخرى مدنية؛ فلا ينبغى خلط الحابل بالنابل.. فالقوانين نفسها التى تسرى على هذا تسرى على ذاك، وعلى الأجهزة الرقابية فى الدولة متابعة نشاط هذه الجمعيات. * هل أنت متفائل بمستقبل المجتمع المدنى فى مصر على ضوء المتغيرات السياسية الحالية؟ - لو أخذت نموذجًا مثل جمعية ابن خلدون، فنحن نضرب بالقانون عرض الحائط، وهذه دعوة منى أتحمل مسئوليتها القانونية بأنني لا أعترف بأي قانون يقيد حريتي كأحد العاملين في المجتمع المدني، وعلى المتضرر أن يذهب هو إلى القضاء.. فمركز ابن خلدون يقوم بنشاط مدني توعوى وتنموى، وأدعو كل المراكز والجمعيات المشابهة لابن خلدون لعدم الاعتراف بالقانون إذا قيد حريتنا، وأن يكون الرقيب عليها هو مجلس إدارتها أو مجلس أمنائها، إضافة إلى الرأي العام. * وكيف نطالب الرأي العام بالمراقبة وهو بالأساس يشك فى أوجه إنفاق هذه الجمعيات؟ - إذا بدأنا دائرة الشك فلن تنتهي، ومن يتضرر أو يرى خطأ فعليه أن يلجأ للقضاء كما قلت، وعلينا أن نفهم أهمية المجتمع المدني حيث بدأت الجمعيات الأهلية عام 1940 في إنشاء مستشفى المواساة، وجمعية خيرية أخرى هى التي أنشأت الجامعة المصرية، القاهرة الآن. * متى يصبح المجتمع المدني المصري موازيًا لنظيره الأوربي بحيث يُسهم بدور فاعل فى تنمية المجتمع؟ - عليك أن تسأل نفسك، هل قام الموظفون والمنظمات الحكومية بثورة يناير، أم قام بها شباب المجتمع المدني الواعي بدوره، فأي تجمع بالإرادة الحرة لأصحابه هو مجتمع مدني.. وهو القادر على إدارة شئونه دون وصاية، ولذلك نتحدى أى جهة كما تحدينا من قبل وزيرة التعاون الدولي السابقة فايزة أبو النجا التي عملت كالحارس على المجتمع المدني دون أن تمارس عملاً تطوعيًّا في حياتها. * كيف نحمى المجتمع المدني من الاختراق من قِبل بعض الجمعيات الدينية مثلما حدث سابقًا من الإخوان المسلمين؟ جمعية الإخوان المسلمين أنشئت عن طريق وزارة التضامن الاجتماعي في وقت قصير، لأن الوزيرة كانت تنتمي إليهم.. والحل الوحيد في الرقابة الجيدة، خاصة أن الإخوان اخترقوا المجتمع كله وليس المجتمع المدني فقط.