وقع علاء في حيرة شديدة حينما ضغطت عليه أسرته ليتزوج قبل أن يعبره سن الشباب بعد أن جاوز العام الثلاثين من عمره بعام وشهور.. بكت أمه وهي تحثه علي أن يمنحها الفرصة لتفرح من قلبها قبل أن يخطفها الموت من فراش المرض.. وحذره أبوه من أنه اليوم يتدلل ويختار وينتقي، لكنه في الغد سوف يكون هو ضمن قائمة اختيارات الفتيات والسيدات.. وكما يدقق هو اليوم سوف تتدلل عليه النساء في الغد! وبدأ علاء يفكر جديا في مهرب جديد يؤجل به رده، لكنه عجز عن ايجاد المبرر هذه المرة.. تخلت أمه عن ترشيح ابنه خالته له.. وتخلى أبوه عن ترشيح ابنة عمه علاء.. حررته أمه من كل قيد.. وأطلق له أبوه العنان في الاختيار.. الشقة جاهزة. والمهر في البنك.. والسيارة الجديدة أسفل المنزل.. ومرتب علاء يكفي ويزيد متطلبات عش الزوجية! لم يتركه أبوه إلا بوعد قطعه على نفسه بأن يحسم أمره خلال أيام أو أسابيع قليلة.. دخل إلى حجرته، لكن النوم خاصم عينيه حتى الصباح.. قفزت إلى ذاكرته أسماء زميلات الجامعة وبنات الحي وزميلات العمل اللاتي تميزن عن غيرهن وراح يفكر في كل واحدة على انفراد.. طال به الوقت واشتدت حيريته.. لكنه في النهاية وجد نفسه أمام امراتين قرأ في عيني كل منهما أرق رسائل الغرام يوما ما.. منال وسوسو.. الأولى كانت أجمل من أن يصفها الإنسان.. بالجمال.. والثانية أقسم عليها الجمال بأغلظ الأيمان بألا تكون بينهما أية صلة إلى الأبد.. منال هجرت كل المعجبين بها وتمنت لو كان علاء من نصيبها وشريك عمرها.. والثانية طاردته بكل سبل وألاعيب وحيل النساء.. منال اكتفت بالمؤهل المتوسط وكأنها اكتفت بأنوثتها التي كانت أعظم مؤهل يتمناه رجل في زوجته.. وسوسو انتهت من الماجستير وبدأت تستعد للدكتوراه.. منال صبرت على حبها الحزين وضحت بكل الذين طلبوا يدها من أجل عين علاء.. وسوسو كانت تنتظره رغما عنها آملة في طيبة قلبه وخجله الشديد وخلقه الرفيع.. إعجابه بمنال فاق الحدود كأنثي ساحرة، لكن ثقافتها المحدودة وضيق الأفق وتفاهة الأفكار كانت في رصيدها السلبي الذي لم يغض عن علاء بصره.. وإعجابه بسوسو في قوة شخصيتها وذكائها الحاد وثقافتها المبهرة وأفكارها العبقرية، كان يقلل منه ويفسده ويشوهه أنفها الحاد وشعرها الجاف وفمها العريض وبشرتها السمراء وقامتها القصيرة وقوامها النحيل!.. كان يري منال كإشراقة صبح في نهار الربيع بينما تبدو سوسو كظلمة ليل في أمسيات الشتاء!.. ومع هذا كان علاء يدرك أن نظرته هذه كان وراءها قلب يعشق الجمال.. أما عقله كان يميل إلى سوسو ويختلق لها الأعذار والمبررات، تارة يغريه بشرفه الذي ستصونه وسواء رغما عنها أو بإرادتها.. وتارة أخرى يغريه عقله بأن يعيد تجربة عمه الذي تزوج من امرأة تنتهي لنفس قبيلة سوسو التي خاصمها الجمال وقاطعتها الأنوثة فكانت زوجة عمه مضرب للأمثال في الوفاء والاستقرار والنجاح الذي حققه عمه من هذا الاستقرار وذلك البيت الذي عاش فيه على طريقة سي السيد وأمينة.. بينما قريب آخر تزوج من حسناء انتهى به الأمر إلى الطلاق والعلاج في العيادات النفسية! أشرق الصباح.. خرج علاء إلى عمله.. جلس مع أقرب أصدقائه يشكو إليه حيرته، وراح صديقه ينبه إلى أنه يطلب المستحيل وراهنه أنه يجد هذه المرأة التي يحلم بها وتجتمع فيها كل مزايا النساء دفعة واحدة.. سرح علاء وشردت نظراته يتأمل كلمات صديقه.. الذي استطرد في حديثه مؤكدا ان المرأة التي يجتمع عليها العقل والقلب معا لا وجود لها في زماننا الحاضر إلا في روايات الأفلام، وربما جاءت إلى عالمنا يوما من زمن آخر لم يصل إلينا بعد! سأله علاء: وما العمل؟ وأجابه صديقه بسرعة: أرشح لك سعاد ابنة خالتي وشقيقة زوجتي.. متوسطة الجمال.. متوسطة الثقافة.. متوسطة الطموح! ذهب علاء مع صديقه لرؤية سعاد.. لم تبهره مثلما بهرته منال من قبل، ولم تزعجه مثلما أزعجته سوسو التي لا يتأكد المرء من أنوثتها إلا بعد سماع اسمها! تم الزواج سريعا.. لكن سرعان ما تحول عش الزوجية إلى جحيم بعد أن اجتمعت فيه المشاكل بين الزوجين.. فشل علاء في إصلاح سلوك زوجته نحو أسرتها التي تتحكم فيها وتخطط لها وتتدخل في أدق تفاصيل حياتها.. فكر علاء أن يطلقها ثم صبر عليها حرص على أطفاله.. تحملها فتمادت، نصحها فلم ترتدع.. عاشت معها أمها وتفننت في الوقيعة بين ابنتها وزوجها الصابر.. لكن احتمال علاء نفد.. وجاءته الفرصة الذهبية حينما طلبت سعاد الطلاق بعد أن همس الناس في أذني علاء بأنها حينما تزوجته لم تكن بكرا وإنما سبق لها الزواج.. طار صوابه.. أقام هو الآخر دعوى تزوير ضد زوجته التي وقفت في المحكمة تعترف بواقعة زواجها السابق وتبررها بأن زوجها الأول لم يدخل بها ولم تزف إليه ولم يختل بها منذ عقد القران عليها وحتى طلقها.. وقدم علاء وثيقة زواجه من سعاد وعليها توقيعها وفوق سطورها عبارة أنه لم يسبق لها الزواج. واخيرا قضت المحكمة ببراءة سعاد لأن التزوير يجب أن يكون منصبا على الواقعة التي أنشء المحور الرسمي لاثباتها وعقد الزواج إنشئ لاثبات واقعة الزوجية لابكارة الزوجة أو عدم بكارتها