ذكرت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية أن مصر لم تشهد أبدا مثل هذه الحال التي تعانيها اليوم من الانقسام منذ إعلانها جمهورية عام 1953. وقالت - في تعليق علي موقعها الإلكتروني الجمعة 16 أغسطس - إنه لم يكد يمضي شهر ونصف على الإطاحة بنظام "الإخوان" على نحو باركه معظم المصريين حتى عادت مصر أدراجها إلى العنف، مشيرة إلى صباح الأربعاء 14 أغسطس، والذي شهد فضا قويا لاعتصامي الإخوان بميداني رابعة والنهضة مخلفا مئات القتلى وآلاف المصابين معظمهم من أنصار الجماعة. ورصدت المجلة انتشار شرارة العنف إلى مدن أخرى غير القاهرة، كالإسكندرية والسويس وغيرها، وإحراق الغاضبين من المحسوبين على التيار الإسلامي لعدد من الكنائس، ما دفع الحكومة لإعلان حالة الطوارئ في عدد من المحافظات لمدة شهر. وعادت المجلة البريطانية بالأذهان إلى يوم اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981 عندما فرض الرئيس الجديد، وقتها حسني مبارك، حالة طوارئ استمرت زهاء 30 عاما انقضت بالإطاحة به من الحكم. وأخذت "الإيكونوميست" على النظام الجديد في مصر ضراوة النحو الذي تم استخدامه في فض اعتصامي أنصار "الإخوان"، محذرة من أن تشهد الأيام المقبلة صراعا قد يجر الدولة إلى ما لا يحمد عقباه، على غرار ما حدث في الجزائر عندما حال الجيش دون وصول الإسلاميين للسلطة بعد فوزهم بالجولة الأولى من انتخابات عام 1991، لتنزلق الجزائر على أثر ذلك إلى حرب أهلية استمرت عشرة أعوام مخلفة نحو مائتي ألف قتيل..ولكن مما يدعوا إلى التفاؤل، بحسب المجلة، أن مصر لا يزال أمامها شوطا طويلا حتى تصل إلى هذا المصير. وقالت المجلة إن السؤال الآن هو "هل القمع في الوقت الراهن هو الأسلوب الأمثل في التعامل مع جماعة الإخوان، أم أن من شأنه إضفاء مزيد من التعقيد على الأوضاع؟". وتعرضت المجلة لوجهة نظر تقول إن جماعة الإخوان لم تكن أبدا في نيتها إشراك آخرين معها في السلطة أو تسليمها بموجب عملية انتخابية، وقالت إن أحدا لا يختلف على أن أداء محمد مرسي في الرئاسة كان كارثيا، مشيرة إلى ضربه عرض الحائط بكافة مبادئ الديمقراطية على الرغم من عدم حصوله على أكثر من ربع أصوات الناخبين. وتناولت كيف كرس حكم الإخوان للطائفية في مصر، وأشارت إلى فشل نظامهم فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد على نحو أضر بموقفهم في نظر عامة المصريين الذين وقع منهم نحو 20 مليون على وثيقة "تمرد" التي طالبت بإجراء استفتاء على استمرار مرسي في الرئاسة من عدمه. ورصدت المجلة رفض مرسي وجماعته منذ الإطاحة به على يد الجيش أية مبادرة لعمل تسوية وتمسكهم بالمطالبة بعودته إلى منصبه رئيسا للبلاد. وقالت "الإيكونوميست" إن جماعة الإخوان تجيد المعارضة أكثر من إجادتها للحكم، لاسيما وأن الاضطلاع بدور الضحية والشهيد يعتبر سلاحا سياسيا أمضى من صنع السياسات. على الجانب الآخر، رأت المجلة البريطانية أن كل هذا من جانب الإخوان لا يبرر لقادة الجيش أيا من الانقلاب أو إراقة الدماء، وقالت إن الإطاحة برئيس منتخب كان خطأ تكتيكيا، مشيرة إلى أن الإخوان كان يمكن أن يخسروا إحدى الانتخابات، وإذا ما رفضوا إجراء انتخابات فإن الشعب كان سيثور عليهم. أما فيما يتعلق باستخدام العنف بعد ذلك فقد كان خطأ كارثيا، بحسب المجلة؛ ذلك أن لجوء الجيش للعنف ساعد في توحيد صفوف الجبهات المختلفة المحسوبة على التيار الإسلامي بعد أن كان بعضها يرفض الإخوان بالدرجة نفسها التي يرفضها بها العلمانيون. وقالت المجلة إن هذا الخطأ ساعد في التغطية على عجز الإخوان وسوء استخدامهم للسلطة بغطاء الظلم والمعاناة. ورأت "الإيكونوميست" أن الخطأ الأكبر الذي يمكن أن يقع فيه الجيش إنما هو تجاهل الدرس الرئيسي الذي أكده الربيع العربي، وهو أن عامة الشعب تتطلع إلى الكرامة، فهم يكرهون تسلط المستبدين، كما أن هذه العامة رفضت نموذج الدولة البوليسية. وقالت المجلة إن الجماهير العريضة من الشعب تتطلع إلى حياة أفضل فيها وظائف محترمة وبعضا من الحريات الأساسية. واختتمت المجلة تعليقها بالقول، إن أحدا لم يكن يعتقد أن يكون إعادة اكتشاف مصر من جديد أمرا سهلا، وهي التي لم تذق أبدا طعم الديمقراطية الحقة، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة من شعبها أميون يعيشون تحت خط الفقر.