كانت معروفة في النادي الشهير ببنت الباشا، فكل أجدادها من بهوات وباشوات مصر قبل ثورة يوليو! وكانت معروفة بين رجال الأعمال بالمرأة الحديدية بعد أن ورثت عن والدها ملايين الجنيهات واستثمرتها في مجال المقاولات ولم تخسر طوال عملها مزادا أو مناقصة رغم منافسة الكبار لها!.. وكانت في عيون الرجال مثل الفاكهة النادرة التي تظهر في غير أوانها!.. بينما في الحفلات والسهرات التي تحضرها بانتظام كانت تبدو كسفيرة لنجمات هوليوود في الشتاء، ويظنها البعض من نجمات الإغراء في الصيف حينما تلمع أشعة الشمس فوق جسدها المتحرر علي شواطئ مارينا! عاشت حياتها طولا وعرضا.. زارت معظم عواصم العالم.. ركبت الطائرة والباخرة وطافت بين دول أوروبا بالقطار.. وتعاملت بالدولار واليورو والين والدينار الكويتي والفرنك الفرنسي والجنيه المصري.. وسجلت أرصدتها في بنوك سويسرا وأمريكا وألمانيا.. وضمت في ألبومها صورا لها وسط حمام لندن، وتحت برج إيفل وأمام تمثال الحرية وداخل تاج محل أشهر قبر لأشهر عاشقين في القرن العشرين!.. وزينت جدران فيلتها بأجمل لوحات كبار الفنانين في العالم بعد أن اشترتها بمئات الألوف من الدولارات! الذين يعرفونها وصفوها بالجنون عندما قررت ألا يكون لحجرة نومها شبيه في مصر، فاشترت سريرها من أحد متاحف النمسا بنصف مليون دولار، فقد كان سرير إحدى أميرات القرن التاسع عشر وصار في العالم العربي أغلى سرير تنام فوقه امرأة! .. وصفوها - أيضا بالمرأة اللغز، فهي تمارس عملها كجندي في ساحة المعركة وتعيش قصص الحب كأنها هي التي اخترعت الرومانسية!! داخل شركتها أسد متحفز يرهب كل العاملين في مجال المقاولات، ومع كل رجل أحبته عصفور رقيق لا يهرب أبدا من بين أصابع صاحبه! كانت تتوج كل غرامياتها بالزواج، إلا أنها لم يعش لها زوج واحد، فقد كانت تشترط بقاء العصمة في يدها وسرعان ما يصيبها الزهق والملل فتطلق زوجها بإحسان أو تطرده من حياتها قبل أن يشبع منها! .. أو يطفئ نار الشوق إليها! ولهذا لم تنجب ولم تشعر بالحنين إلى الأمومة فحياتها مزدحمة ومليئة بالأحداث والأسرار والأخبار والصفقات.. وسبعة أزواج دخل كل منهم جنتها ولم يصدق يوما أنه خرج منها! فجأة.. خرجت "ناني" من عيادة أكبر الأطباء وقد زلزلتها نتائج الفحوص والتحليلات والأشعات.. اسودت الدنيا في عينيها حينما أدركت أن الأورام السرطانية توغلت فيها رغم الفحوص الطبية الدورية التي كانت تحرص عليها، وعجز الأطباء عن مواجهة المرض فنصحوها بالسفر إلى أمريكا.. أرسلت الفحوص والأشعات للمستشفى الأمريكي الشهير، وجاء الرد صريحا وصاعقا: نسبة النجاح ضئيلة! عرفت ناني لأول مرة طعم البكاء والحزن والندم.. لم تصدق أن قطار العمر يوشك أن يصل بها محطته الأخيرة، عز عليها فراق الدنيا والمال والشهرة والمتعة، لكنها قررت أن تواجه الموقف بشجاعة وألا تخسر الجولة الأخيرة كما خسرت كل الجولات السابقة بالبعد عن الله، فالموت يعني لقاء الله.. وهي لم تستعد أبدا لهذا اللقاء! أسرعت إلى أحد الدعاة الإسلاميين المعروفين حيث كنت أنا معه في مكتبه، جلست ناني أمامه وحكت له قصتها الكاملة دون حذف أو خجل أو حذر.. وفي النهاية لخصت موقفها الأخير بأنها لم تحج رغم استطاعتها ولم تحرص على صلاة أو صوم أو زكاة وعاشت مفتونة بنفسها عاشقة للحياة، فكيف تصلح ما بينها وبين الله قبل يومين من سفرها إلى أمريكا والذي تعود منه داخل صندوق الموتى! قال لها الداعية الإسلامي: - ".. لا تخافين من هذا اللقاء أبدا، بشرط البدء فورا بركعتين بنية التوبة وبتركيز شديد دون شرود أو سرحان والبدء فورا بصلاة قيام الليل فهي من أسباب الشفاء وأن تكون نيتك معقودة على الالتزام بها وبالفروض مهما كانت ساعات أو أيام أو سنوات العمر القادم. وغادرت سيدة الأعمال مجلسنا وهي أقل انزعاجا عن حالتها حينما دخلت علينا.. ولأن قصتها شدتني قررت أن أتابع الفصل الأخير منها.. وعلمت أن "ناني" نفذت النصيحة حرفيا، وعادت من أمريكا بعد خمسة وأربعين يوما وهي تطير من فوق الأرض، قالت للداعية الإسلامي إنهم في المستشفى الأمريكي الكبير أخبروها أنه لا وجود للأورام في الأشعات التي أجروها لها وأن الأشعات التي حضرت بها من مصر تبدو كما لو كانت لامرأة أخرى!.. وقال لي الداعية الإسلامي أنها صفت كل أعمالها وباعت معظم ممتلكاتها وارتدت الحجاب وشطبت اسم ناني من الوجود، وعادت لاسمها الحقيقي "عنايات"!.. وبعد ثلاثة أعوام التقيت به مرة أخرى وسألته عنها لإجراء حوار صحفي معها.. لكن جاءنى رده الغريب قال لي: هم يروون عنها حكايات أشبه بالأساطير بعد أن اختفت تماما عن العيون.. البعض يقول إنهم شاهدوها بالملابس البيضاء بالقرب من المقابر بصلاح سالم، فلما نزل أحدهم من سيارته وأسرع نحوها لم يجد شيئا في المكان كله!.. وموظف البنك قال إنه يصرف شيكات كثيرة بتوقيعاتها لأشخاص لا يعرفهم، وإحدى صديقاتها أكدت أنها زارتها في ملابسها وتراعي الله في سلوكياتها وظلت هذه الصديقة تسخر من الرؤية أمام صديقات النادي حتى سمعوا بحادث انقلاب سيارتها في طريق الأوتوستراد بعد مائة يوم من الرؤية!.. وقال آخر أزواجها وهو لواء شرطة بالمعاش إنه كان مستغرقا في النوم حينما دق جرس تليفونه المحمول بإلحاح، ولما استيقظ وفتح الخط فوجئ بها تطمئن عليه وتعتذر عن كل ما بدر منها في حقه وتطلب منه السماح! ولما سألها أين هي؟! أغلقت الخط فقام من سريره وأضاء الحجرة وظل يبحث عن الرقم الذي تلقي منه المكالمة فلم يجد له أثرا في المكالمات المستلمة أو التي لم يرد عليها أو حتى التي طلبها! ومثلما كانت عنايات لغزا بين الذين يعرفونها، أصبحت لغزا بعد أن اختفت عنهم دون أن يعرفوا إن كان ظهورها المثير الآن بمثابة الشبح أو الطيف أو الخيال الذي تركته عنايات يلعب بعقول الناس! ولازالت عنايات تظهر للبعض دون أن يتمكن أحد من مصافحتها أو الحديث معها أو معرفة أين تعيش ومن أين تظهر وأين تختفي ثانيا! أنا شخصيا مازلت أبحث عنها!