اليوم.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل بالمحافظات    بأجر كامل.. تفاصيل إجازة امتحانات العاملين في قانون العمل الجديد    السفارة التركية بالقاهرة تحتفل بأسبوع المطبخ التركي    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 22 مايو 2025    حدث منتصف الليل| أبرز قرارات الحكومة وكشف تجاري ضخم للذهب    كندا تطالب إسرائيل بتحقيق معمّق في واقعة إطلاق النار على دبلوماسيين بالضفة الغربية    نتنياهو يؤكد اعتزامه احتلال غزة ويرفض أي اتفاق لإنهاء الحرب    استشهاد 5 فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي على "جباليا" شمال غزة    مراسم تتويج توتنهام بلقب الدوري الأوروبي للمرة الثالثة فى تاريخه.. فيديو وصور    رئيس جنوب أفريقيا: نرحب بالاستثمارات الأمريكية ونتوقع زيارة من ترامب    بيراميدز يشارك في حفل كاف للكشف عن كأس دوري الأبطال    توقعات حالة الطقس اليوم الخميس    بعد صدور لائحته التنفيذية.. عقوبة اصطحاب كلب دون ترخيص    وفاة مسن اختناقًا في حريق شقته بالمحلة الكبرى    قصة سيدة دفعت حياتها ثمنا للثقة في «صلة الدم».. مقتل خمسينية على يد نجل شقيقتها    محافظ الغربية يُشيد بابنة المحافظة «حبيبة» ويهنئها لمشاركتها في احتفالية «أسرتي.. قوتي».. صور    وزير الزراعة يرد على جدل نفوق 30% من الثروة الداجنة في مصر    وزير الزراعة: تكلفة استصلاح الفدان تتجاوز 300 ألف جنيه وفرصة ذهبية للمستثمرين    باختصار.. أهم الأخبار العربية والعالمية حتى الظهيرة.. العالم يدين إطلاق الجيش الإسرائيلى النار على الوفد الدبلوماسى بجنين.. وحظر تصدير الأسلحة إلى الاحتلال والتهدئة فى الهند وأوكرانيا والتفاوض مع إيران    وزير الخارجية: هناك تفهم من أمريكا لدور مصر في العالم    السفير ماجد عبد الفتاح: تزايد السخط الدولي بسبب استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين (فيديو)    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 22 مايو 2025    "المهرج" جاء لإزالة الغبار.. توتنام بطلا ل الدوري الأوروبي على حساب مانشستر يونايتد    في الجول يكشف آخر تطورات إصابة ناصر ماهر    الهلال يخطف نقطة ثمينة من الوحدة في دوري روشن السعودي    الهلال ينجو من خسارة جديدة في الدوري السعودي    "من أجل المنتخبات".. ورش عمل لتطوير مسابقات الناشئين 24 و25 مايو    هاني رمزي: رواتب اللاعبين في مصر تفوق بعض لاعبي أوروبا    أسطورة إنتر ميلان: سأتابع الأهلي في كأس العالم للأندية    وزير الزراعة يحسم الجدل حول انتشار وباء الدواجن في مصر    صيادو "البردويل" يضربون بسبب قرار جهاز الجيش .. و"قبائل" تفضل المساومات بصمت وبلا إضراب    مجلس الوزراء يوافق على إنشاء جامعة مصر الجديدة المملوكة ل «أخبار اليوم»    «تشريعية النواب» تناقش تعديل «قوانين الانتخابات» اليوم    بعد مطاردة بوليسية.. ضبط سيارة تهرب 8 آلاف لتر بنزين قبل بيعها في السوق السوداء بدمياط    كيف تعرف أن «الأسانسير» قد يسقط بك؟ 5 علامات تحذيرية    وفاة طفلة في انهيار منزل بالطوب اللبن بسوهاج    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: صندوق النقد الدولى لا يضع شروطا على مصر    ياسمين صبرى فى العرض الخاص لفيلم the history of sound بمهرجان كان السينمائى    كيف تغلبت ياسمين صبري على التصميم الجريء لفستانها في مهرجان كان؟ (صور)    عادات المليونيرات.. 4 مفاتيح مالية يتجاهلها معظم الناس (تعرف عليها)    4 أبراج «حياتهم مستريحة».. مرفّهون لا يركضون خلف الثروة لأنها تأتيهم تلقائيًا    28 يونيو.. ماجدة الرومي تحيي حفلا غنائيا في مهرجان موازين بالمغرب    أسماء بنات على «فيسبوك» توحي بالثقة والقوة.. تعرف عليها    بإطلاله لافته.. درة تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها    اليوم.. العرض المسرحي "العملية 007" على مسرح قصر ثقافة بورسعيد    كيف كان مسجد أهل الكهف وهل المساجد موجودة قبل الإسلام؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    هل به شبهة ربا؟.. أمين الفتوى يحسم حكم البيع بالتقسيط وزيادة السعر (فيديو)    محافظ الدقهلية: 1522 مواطنا استفادوا من القافلة الطبية المجانية ب«بلقاس»    كواليس خروج مسمار 7 سم من رأس طفل بمعجزة جراحية بالفيوم -صور    الآن.. رابط نتيجة الصف الثاني الابتدائي 2025 في الجيزة (فور إعلانها)    المدن المتاحة في إعلان سكن لكل المصريين 7    هيئة الدواء: تلقينا 12 ألف استفسار منذ تفعيل منظومة الشكاوى الحكومية الموحدة    افتتاح وحدة تكافؤ الفرص بالجامعة التكنولوجية فى بني سويف -صور    وزير الصحة يستجيب لاستغاثة أب يعاني طفله من عيوب خلقية في القلب    وزارة الأوقاف تنشر نص خطبة الجمعة بعنوان "فتتراحموا"    محافظ أسوان يشارك فى إحتفالية فرع الهيئة العامة للإعتماد والرقابة الصحية    رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: أيام الحج فرصة عظيمة لتجديد أرواح المسلمين.. فيديو    موعد وقفة عرفات وأول أيام عيد الأضحى المبارك 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تَحْوِيلُ القِبْلَة.. وَمُخَالَفَةُ الْهَوَي


رسالة من : أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد..
فإنَّ حادثة تحويل القبلة لم تكن حدثًا عاديًّا عَبَر بالأمَّة المسلمة، بل كان نقطة تحول كبيرة، اُختبِر فيها المؤمنون ومن حولهم من المنافقين واليهود الذين جاوروهم في المدينة بعد الهجرة..
لقد كانت الجماعة المؤمنة في مكة قبل الهجرة جماعةً مُنتقاة، اختارهم رسول الله صلي الله عليه وسلم فردًا فردًا، رجالاً ونساءً.. "الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"، وأعطاهم قدرًا عاليًا من التربية والتهذيب، وسري فيهم نور الوحي المنزَّل من السماء، وهَدْي الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم.
ورغم الكيد والمكر والسخرية والاستهزاء والاضطهاد والتعذيب.. الذي استمر ثلاثة عشر عامًا.. خرج أعظمُ جيلٍ عرفته البشرية خُلُقاً وعَزْمًا، طُهْرًا ونقاءً، صفاءَ عقيدة وسُموَّ سلوك.. صلةً بالله لا تنقطع، وامتثالاً لأمر الله بغير تردُّد، وثبات على دين الله مهما بلغ العنت والإرهاق.. "كيف ترى قلبك قال مطمئن بالإيمان" مصدر اطمئنانه هو الإيمان، والإيمان فقط.
اختلف الأمر في المدينة المنوَّرة بعد هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إليها، فرغم أنها –في مجموعها– استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع استقبال وأحسنه، وأسلمت وحسن إسلامها وانقيادها لرسول الله واستجابت لأوامره، وقدم الأنصار أروع الأمثلة في الإيثار لم تعرف البشرية مثله مدحهم القرآن الكريم بثناء ربِّ العزة عليهم، وكان نشيدهم يدلُّ على ذلك..
أَيُّهَا المَبْعُوثُ فِينَا *** جِئْتَ بِالأَمْرِ المُطَاع
إلا أن المجتمع في المدينة كان متباينًا تباينًا شديدًا في مدى الإيمان والهدى والاستجابة والطاعة..
* كان هناك السابقون بالإيمان.. من أصحاب بيعة العقبة الأولى والثانية، وهؤلاء كان لهم فضلهم ومكانتهم؛ لِسَبْقِهم وسرعة استجابتهم، وحملهم أمانة الدعوة في بداياتها؛ ولهذا أخذوا هذا الوصف الكريم – مع إخوانهم المهاجرين {والسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ والأَنصَارِ والَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ورَضُوا عَنْهُ وأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} [التوبة: 100].
* وكان هناك عموم أهل المدينة من الأوس والخزرج والذين دخل الإسلام كل بيت من بيوتهم، ووجدوا في الإسلام نعمة الهدى بعد الضلال، ونعمة الوحدة بعد الشقاق والخلاف، ونعمة الأمن بعد التنازع والحروب.. وهم الذين رَحَّبوا بإخوانهم المهاجرين واستضافوهم وآثروهم على أنفسهم {والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ
والإيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إلَيْهِمْ ولا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا ويُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ ولَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
* وكان هناك اليهود وهم الذين تجمعوا في المدينة انتظارًا لبعثة نبيِّ آخر الزمان؛ لتأكدهم من كتبهم بيقين بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بصفاته الخلقية والخلقية، وأنهم (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وإنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: 146).
وكانوا يظنون أنه سيأتي منهم لينصرهم على من خالفهم من المشركين، وكانوا يشعلون الحروب ويثيرون الجدل والخلاف بين الأوس والخزرج، فلما جاء النبي الخاتم من غيرهم أكل الحسد والحقد قلوبهم، رغم يقينهم أنه النبي الخاتم {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ولِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [البقرة: 90].
* وظهرت فئة رابعة من المنافقين من عرب المدينة، من الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، وامتلأت قلوبهم حقدًا لما فاتهم من المصالح المادية والمكانة الاجتماعية، فقد كانوا في صدارة أهل المدينة، وكان بعضهم يوشك أن يُنصَّب ملكًا عليهم، فلما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وتغيَّر الوضع صار حَربًا على رسول الله ورأسًا للنفاق...
وأمام هذا التنوع والاختلاف، كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجتمع المسلم الناشئ أن يتعامل مع كل طائفة بما يناسبها وبالحكمة والموعظة الحسنة، فاستمرت الدَّعوة المباركة تسمو بمجموع أهل المدينة وترتقي بهم، وتُنَظِّم الشريعة أحوالهم ومعيشتهم... وعُقِدت العهود مع كل قبائل اليهود للتعايش وحفظ الحقوق... وعومل المنافقون حسب ظواهرهم مع استمرار الوعظ والتبليغ {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وعِظْهُمْ وقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا} [النساء: 63].
في مكة – حينما فُرِضَت الصلاة – كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي في الكعبة المشرفة بين الركنين مستقبلاً لبيت المقدس، فكان يجمع بين الكعبة قبلة أبويه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستقبال بيت المقدس – قبلة الأنبياء من قبله، فلما انتقل صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أُمِرَ أن يُصلِّي إلى بيت المقدس في الشمال، ويدع الكعبة المشرفة – كان الأمر شاقًّا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين معه من العرب– مهاجرين وأنصار، ولكن لم يكن هناك غير الاستجابة لأمر الله تعالى ومخالفة هوى النفوس، حتى وإن كانت في الطاعة... تحقيقًا للعبودية الكاملة، والإخلاص والتجرد لله رب العالمين {ومَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إلا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وإن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة: 143]، وظلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه المؤمنون الصادقون يُصَلُّون إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا كاملة.. لم يسلموا فيها من تَهَكُّم اليهود الذين قالوا: "يخالف ديننا ويتبع قبلتنا"، وقالوا: "يوشك أن يترك دينه إلى ديننا، كما ترك قبلته إلى قبلتنا".
ثم جاء أمر الله تعالى بتحويل القبلة – بعد أن خلصت النفوس المؤمنة لله ربِّ العالمين، وتجرَّدت من هوى النفس ونزعات العصبية والقبلية، فنزل قول الله تعالى {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144]... واستجاب الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون لهذا الأمر في التوِّ واللحظة، حتى إنهم حوَّلوا أنفسهم وهم في الصلاة – إلى الوجهة الجديدة والأصيلة.. إلى بيت الله الحرام وإلى الكعبة المشرفة..
وهذا يعني أنك إذا أخلصت النيَّة والتوجه إلى الله تعالى، وخلصت من حظِّ نفسك أعطاك الله سبحانه ما تُحِبُّ وترغب وزيادة بالأجر والثواب "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
وهنا اشتعلت قلوب اليهود غيظًا وحقدًا، وانطلقوا –ومعهم ضعاف النفوس من المنافقين– يُرجفون في المدينة، يثيرون الشبهات، ويشعلون الجدل {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا ولاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ المَشْرِقُ والْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142].
وها هي نوعيات من إشاعات وكذب وتضليل المرجفين في المدينة، فقالوا: إن تغيير القبلة يعني أن هذا الدين ليس من عند الله، بل هو من عند مُحَمَّدٍ يُغيِّر فيه كيف يشاء... وقالوا - وكأنهم حريصون على صحة صلاة المسلمين - : "لو كانت القبلة الأولى هي القبلة الصحيحة لفسدت الصلاة الحالية، ولو كانت خطأً فقد ضاع على المسلمين الذين ماتوا ثواب صلاتهم السابقة".
وردَّدوا هذا الإفك ومعهم المنافقون –لِبَلْبَلَة المؤمنين، فكان قول الله تعالى {ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 143] ... ثم بينَّ الله تعالى في محكم آياته أن العبرة ليست بشكل العبادة واتجاهها؛ وإنما بتَوَجُّه القلوب إلى الله تعالى {لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ولَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ والْمَلائِكَةِ والْكِتَابِ والنَّبِيِّينَ وآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينَ وابْنَ السَّبِيلِ والسَّائِلِينَ وفِي الرِّقَابِ وأَقَامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكَاةَ والْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عَاهَدُوا والصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ وحِينَ البَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وأُوْلَئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ} [البقرة: 177].
وبيَّن سبحانه وتعالى أن بلبلة اليهود ومن تابعهم ليست غِيرةً على الدين، وإنما استغلالاً للفرص؛ للتشويه والتزييف وتفريق المؤمنين {وإنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * ولَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ومَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ومَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ولَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إنَّكَ إذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وإنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ * ولِكُلٍّ وجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة: 144 -148].
كل هذه الآيات الكريمات نزلت في هذه الحادثة؛ لنستخلص منها العِبْرة، ونُصَحِّح المسار، ونتعلم كيف يكون التعامل مع كل طوائف المجتمع كلٌّ حسب موقعه ومواقفه... وقد يتغير الأسلوب حسب الظروف
والأحوال والمواقف حتى من صفته الغدر ونقض العهد كان التوجيه (وإمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخَائِنِينَ) (الأنفال: 58).
* مع المؤمنين دوام التذكير بوجوب الطاعة، والاستجابة في المنشط والمكره، وعدم اتباع الهوى، بل مقاومة الهوى "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به" {يَا دَاوُودُ إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ولا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]، (فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء: 65).
* مع المخالفين في العقيدة.. مقارعة الحُجَّة بالحُجَّة، مع أخذ الحذر منهم وتجنُّب أراجيفهم؛ لأنهم لن يرضوا عنا أبدًا {هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ ولا يُحِبُّونَكُمْ وتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وإذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وإذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ} [آل عمران: 119]، {ودُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ومَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [ آل عمران: 118].
هذا مع العدل بينهم وعدم ظلمهم أو انتقاص حقوقهم {ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا} [المائدة: 8]، ومَنْ تعامل بالحُسنى يُعامل بأحسن منها {وإذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86]، {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ ولَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، ولا ننسى أن هناك من تبيَّن له الحق واستجاب لدعوة الله عز وجل من كبار أحبارهم وعلمائهم ورهبانهم... {وإذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83]... {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا ويَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [القصص: 54].
هكذا يكون تعامل المسلمين الصادقين أتباع الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم مع كل مواقف الحياة ومع كل طوائف البشر... بُغْيَة الهداية والإصلاح لكل الناس، نثبت على ديننا ومبادئنا ونتجرَّد عن الهوى، وفي الوقت نفسه لا نحمل حقدًا، ولا نجادل أحدًا إلا بالحسنى، ولا ننافس أحدًا في لُعَاعات الدنيا.. حتى ما قدَّر الله أن نتحمله من أعباء ومسئوليات هي ليست مغانم بل مغارم، فنحن نتحمل المسئولية نيابة عن الناس ونحمل الخير للناس، كما وصفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كالنَّحْلَة تتعب وتجمع الرحيق من كل الزهور، وتخرج عسلا غذاء وشفاء للناس، بل نبغي الهداية والخير لكل الناس {وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. وهذه هي مسئولية الدولة المسلمة عن جميع رعاياها مهما اختلفت توجهاتهم، عدلاً ورحمة للجميع .
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.