نيفين لطفى // د. عبد الحليم عمر // د. محمد البلتاجى المعاملات الشرعية تحقق الشفافية والعدالة وتحد من التضخم التحول للنظام الإسلامي يحتاج إلي سنوات من العمل الجاد بعد شهور من الحماس والدعوة للتوسع في معاملات البنوك الاسلامية والتي ظهرت بوضوح بعد الثورة، عادت من جديد دعوات لمعارضة هذا الاتجاه، وبدأت الأصوات تهاجمه بدعوي انه لا توجد فوارق فعلية بين خدمات العمل المصرفي التقليدي والنظام الاسلامي، بل يزيد علي ذلك اصحاب هذا الرأي بأن الاختلاف بين نوعي الخدمات هو اختلاف شكلي وربما لا يتجاوز الاختلاف في المسميات... هذه الأراء عرضناها علي عدد من خبراء العمل المصرفي الذين أتيحت لهم فرصة العمل بكلا النظامين التقليدي والإسلامي، فاكتسبوا خبرة علمية وعملية في الاتجاهين وكان سؤالنا لهم.. هل توجد فروق جوهرية بين المعاملات المصرفية الاسلامية والمعاملات التقليدية؟ وما هي: البداية كانت من البنك الوطني للتنمية، فهو أول بنك في السوق المحلي يتحول بالكامل الي نظام المعاملات الاسلامية بعد أن استحوذ عليه بنك أبو ظبي الاسلامي.. نيفين لطفي الرئيس التنفيذي للبنك و التي تتولي عملية التحول - وهي ذات خبرة طويلة في عدد من البنوك العالمية- تقول هناك فروق جوهرية بين طبيعة عمل البنوك الاسلامية والتقليدية. فالبنوك التقليدية تعتمد في نشاطها علي اقراض المال بفائدة وقبول الودائع بفائدة محددة النسبة مسبقا بغض النظر عن نتائج النشاط، فالعميل بالنسبة لها أما مقترض أو مودع .. أما البنوك الاسلامية فيعتمد دورها علي ممارسة العمل الفعال من خلال كونها شريكا ومضاربا وتاجرا ووكيلا، وبالتالي فإن علاقة عملائها بها تعتمد صيغة الاتفاق المبرم ووفق قاعدة الربح والخسارة.. وعلي جانب الودائع يتم توظيف الاموال في اوجه شرعية ولا يقتصر الفرق بين البنوك الاسلامية والبنوك التقليدية علي طبيعة واّلية العمل، وانما يمتد الي تطبيق مبادئ اخري كمتطلبات شرعية تدخل ضمن مجموعة القيم المعتمدة للبنك الإسلامي مثل الشفافية والوضوح الواجب تطبيقها بشكل كامل غير منقوص في تعاملاتها. الاثار الاقتصادية الفارق بين النوعين كبير هذا ما يؤكده د. محمد عبد الحليم عمر الرئيس السابق لمركزصالح كامل للاقتصاد الاسلامي بجامعة الازهر، ومستشار أحد البنوك يقول ان الفرق بين نوعي الخدمات يظهر بوضوح في المنتجات المصرفية المقدمة للعملاء، فلو أخذنا القروض في البنوك التقليدية ونظم التمويل الاسلامية -علي سبيل المثال- سنجد أن الفرق يبدأ من التطبيق العملي في أرض الواقع و يمتد إلي تأثير كل من الأسلوبين علي الاقتصاد في المستقبل، فمن أهم ما يميز نظام المعاملات الاسلامية أنه لا يحرك نقودا إلا بوجود سلعة حقيقية أو خدمة مقابلها، لأنه لا يتعامل إلا في اطار الاقتصاد الحقيقي، وهذه الصفة تحمي اقتصاد الدولة من الآثار التضخمية ، فالتضخم ينتج عن وجود نقود كثيرة تطارد سلعا قليلة، وهو ما قد يحدث نتيجة القروض التقليدية التي تتيح الأموال بغض النظر عن وجود سلع أو خدمات توجه لها.. هذا من ناحية الاثر العام علي الاقتصاد، ولكن الفرق لايقف عند هذا الحد- والكلام لا يزال علي لسان د. محمد عبد الحليم فهناك فرق في مهام البنك في كلا الحالتين، فالبنك في النظام التقليدي يلعب دور الممول فقط، وما يعنيه هو التأكد من قدرة العميل علي رد الاموال التي أخذها، أما في نظام المعاملات الاسلامية فان البنك يجب أن يقوم بثلاثة أدوار هامة فهو يتحمل مخاطر الشراء، لأنه لا يقدم مالا وانما يشتري السلعة او الخدمة ثم يتيحها للعميل، وهذا الدور تظهر أهميته بوضوح في عمليات التجارة الخارجية، فالبضائع المستوردة تواجه الكثير من مخاطر الضياع والتلف أو الاستيلاء عليها، هذه المخاطر لا يتحملها البنك في النظام التقليدي فهو يوفر للعميل التمويل ( الاعتماد المستندي ) ويتوقف عند هذا الحد، ولكن في النظام الاسلامي البنك يتحمل المخاطربين الشراء الأول و هو هنا الشراء من الخارج والشراء الثاني الذي يتيح فيه السلعة للعميل. و يقوم البنك الاسلامي أيضا بدور خبير الشراء وهذا الدور يظهر بوضوح في تمويل عمليات شراء السلع محليا.. فالبنك هنا يتولي الشراء نيابة عن العميل، ومن ثم عليه أن يتأكد من الحصول علي سعر جيد لصالح العميل، وقد يكون هذا الدور غير مطبق بالكامل لدينا ولكن هذا هو ما يفترض أن يتم. و أخيرا يقوم البنك بدور الممول.ويؤكد د. محمد عبد الحليم ان الدخول التفصيلي في كل صورة من صور التمويل الاسلامية قد يصعب شرحه في سطور جريدة، ولكن الواقع العملي يؤكد ان البنوك التقليدية في العالم بدأت تتجه لتطبيق قواعد التعامل في المعاملات الاسلامية حتي وان لم تعطها هذا المسمي بشكل صريح، ولو أخذنا علي سبيل المثال تمويل الشركات سنجد أن البنوك أصبحت حريصة علي توثيق صلتها بالعميل ومتابعته عن قرب للتأكد من حسن استخدام التمويل المتاح وهي بذلك تقترب من اسلوب التمويل الاسلامي الذي يقوم علي الشراكة. ورغم تأييد د. محمد عبد الحليم للتوسع في خدمات التمويل الاسلامية، إلا أنه يؤكد أن تحويل النظام المصرفي بالكامل لنظام اسلامي يحتاج إلي سنوات من العمل الجاد، ولا يمكن ان يتم بقرار مفاجيء ويقول ان عملية تحويل بنك تقليدي الي بنك اسلامي تستغرق في المتوسط أربع سنوات فما بالك بتحويل نظام كامل، عملية التحويل تحتاج تدريب الافراد علي تقديم هذا النوع من الخدمات المصرفية كما تحتاج الي توافر قناعة كاملة في المجتمع بهذا النشاط ومبادئه وتحتاج أيضا الي اجراء بعض التعديلات علي قانون البنوك والقانون التجاري، ولو قمنا بتحويل مفاجئ سنربك الاقتصاد ونضيع الأموال وهذا أمر لا يقبله الدين. آلية التطبيق د. محمد البلتاجي الخبير المصرفي في أحد البنوك العامة، ورئيس جمعية التمويل الاسلامي يقول ان الاختلاف بين نوعي المعاملات ليس فارقا شكليا و لا في المسميات، فالفارق كبير في منهجية العمل و آلية التطبيق و نوعية المنتجات، و طريقة المعالجة المحسابية و في صيغ التمويل...الاختلاف يبدأ من لحظة قيام العميل بفتح حساب لدي البنك، فالبنوك التقليدية تكون العلاقة فيها علاقة دائن ومدين، فالمودع يقرض أمواله للبنك لأجل محدد وبعائد متفق عليه، أما العلاقة في ظل المعاملات الاسلامية فتكون نوعا من الشراكة من خلال عقد مضاربة حيث يقوم المودع باتاحة أمواله للبنك لتشغيلها ويتم الاتفاق علي نصيب المودع من الارباح المتوقعة وبالتالي فان العائد يكون عرضة للتغير وفقا للارباح المحققة فعليا، ويتحمل المودع والبنك الربح والخسارة ويشترط في عقد الايداع ان تكون طبيعة هذه المشاركة واضحة للطرفين وكذلك الربح المتوقع، و يضيف قائلا الاختلاف يمتد أيضا إلي صيغ التمويل المختلفة، فالبنوك التقليدية لا تملك صيغا لمشاركة عملائها في نشاطهم، وانما تعتمد علي الاقراض لأجل محدد وبعائد محدد متفق عليه،و هذا قد ينتج عنه كثير من الظلم لكلا الطرفين، ولدينا مثال حي في السوق وهو شركات الاتصالات التي حصلت علي تمويل من البنوك يعادل 80٪ من رأسمالها وهي تدفع عنه فوائد لا تتجاوز سعر السوق العادي الذي كان يقدر بحوالي 16٪ بينما تحقق تلك الشركات أرباحا خيالية وتستمتع هي بالأرباح و في المقابل يحصل أصحاب المال علي الفتات، واذا كان الظلم في هذا المثال يقع علي البنك وصاحب المال( المودع )، فهناك حالات أخري يقع فيها الظلم علي العميل المقترض الذي يلتزم بدفع الفوائد وسداد القرض كاملا حتي لو تعرض لخسائر... هذه الحالة من الظلم المتبادل تتفاداها نظم التمويل المتاحة للبنوك الاسلامية، فالبنك يكون شريكا للمستثمر في الربح والخسارة، كما ان هذه الشراكة تجعل البنك حريصا علي التأكد من الجدوي الاقتصادية للمشروع. عقبات علي الطريق يؤكد د.البلتاجي أن أكثر عقبة تواجه نشاط هذه البنوك في مصر، هو نقص الموارد البشرية المدربة وهو ما جعل البنوك الاسلامية لدينا متأخرة في أدائها مقارنة بالدول الأخري بما فيها بعض الدول الغربية مثل انجلترا، فهناك صيغ تمويل لا يعرفها السوق المحلي لعدم توافر كفاءات تتمكن من تطبيقها، كذلك هناك نقص في الادوات المتاحة للبنوك فعلي سبيل المثال الصكوك تعتبر أحد الآليات التي يمكن للبنوك الاسلامية أن تشارك من خلالها في تمويل مشروعات الدولة الكبري، لكن عدم توافر هذه الآلية يدفع البنوك الي البعد تماما عن تمويل انشطة الحكومة، وقد يضطرها في بعض الحالات إلي الدخول في معاملات غير شرعية (الاكتتاب في أذون وسندات الحكومة).. وهو ما قد يأخذه البعض حجة ضدها، إلا ان هذه الحالات محدودة جدا، وتكون للضرورة القصوي وقد تلجأ لها البنوك الاسلامية مضطرة لعدم وجود بديل، ويضيف قائلا هناك ايضا اختلاف اخر له أهمية كبيرة هو ان البنوك التقليدية تتعامل في النقود فقط فتركز علي الاقتصاد الورقي، أما البنوك الاسلامية فهي تتعامل في سلع وخدمات حقيقية وتشترط الوضوح التام في كل المعاملات، ويعود د. محمد البلتاجي فيقول ان ذلك لا يعني ان كل ما تقدمه البنوك التقليدية مخالف للشرع، فهناك معاملات تتفق مع الشريعة حتي وان لم تحمل المسمي الشرعي و لكن الاختلاف الحقيقي يتركز في علاقة المودع بالبنك وعلاقة البنك بمن يمولهم وهذه تمثل 80٪ من نشاط البنوك.