يؤكد استطلاع الرأي العام الذي نشرت نتائجه مجلة " ريدرز دايجست" قبل أيام تدهور مكانة السياسيين في عيون مواطنيهم رغم كل مايحيط بهم من شهرة وأضواء. أوضح هذا الاستطلاع أن الغالبية العظمي من الناس لاتثق في رجال السياسة الذين احتلوا ذيل قائمة من يتمتعون بثقة الجماهير وبنسبة لاتتجاوز 9 في المائة فقط.. وجاءت هذه المكانة المتأخرة للسياسيين بعد فئات كثيرة مثل الممرضات والأطباء والمدرسين والصيادلة وحتي رجال الشرطة. الفئة الوحيدة التي شاركت السياسيين في افتقاد ثقة الناس، وجاءت في المركز قبل الاخير، هي القساوسة ورجال الدين، وربما يرجع ذلك الي تأثير فضائح التحرش الجنسي بالأطفال في المؤسسات الدينية الأوروبية والتي أعترف بها الفاتيكان عام 2010. ويعيد هذا الجمع بين السياسيين والقساوسة الي الاذهان احد الشعارات الغريبة خلال الثورة الفرنسية وهو " سنشنق آخر السياسيين الارستقراط بأمعاء آخر رجال الدين" . . والحقيقة أن هذه الرؤية السلبية للسياسيين ليست جديدة، والدليل علي ذلك ماقاله الإمام محمد عبده في بدايات القرن الماضي " أعوذ بالله من السياسة ومن كل حرف في كلمة السياسة ومن كل أرض تذكر فيها السياسة ومن أي شخص يتكلم أو يتعلم السياسة"! ورئيس الوزراء البريطاني الشهير ونستون تشرشل يقول إنه مر ذات يوم قرب إحدي المقابر فرأي ضريحا كتب علي شاهده " هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الفاضل" فلان الفلاني . فتعجب كيف يدفن رجلان في تابوت واحد! بمعني أن السياسي والرجل الفاضل يستحيل أن يجتمعا في رجل واحد. ونظرة سريعة لما يجري علي الساحة السياسية المصرية هذه الأيام ربما تؤكد أسباب انعدام ثقة الجماهير في السياسيين المحترفين. ففي موسم اختيار الجمعية التأسيسية لوضع بنود الدستور الجديد، ومع بدء سباق الانتخابات الرئاسية في مصر، تتعدد المؤامرات والأكاذيب التي يلجأ إليها السياسيون لتحقيق الفوز حتي ولو تم ذلك بوسائل غير مشروعة .. وتكفي الدسائس والخدع التي يلجأ اليها البعض للسيطرة علي لجنة وضع الدستور لكي توضح أن الغاية لديهم لاتبرر الوسيلة فقط بل تدعمها وتحاول أن تضفي عليها نوعا من الحصانة والقداسة مهما بلغت قذارتها!! هذا المفهوم الانتهازي يبرر للسياسيين تزوير التوكيلات لمرشحي الرئاسة وشراء التأييد وعقد التحالفات المشبوهه وكأن المسألة مجرد صفقة وليست عملية إعادة بناء الأمة بعد ثورة عظيمة، مثل ثورة 25 يناير. حتي السياسيون الذين يرفعون شعارات التدين والمثالية لايجدون حرجا في ممارسة أسوأ أنماط السلوك الانساني مثل الكذب والتلفيق والخداع .. وحكاية أنف النائب البلكيمي وتطورات المرحلة الانتقالية في مصر خير دليل علي ذلك. كل هذه التلاعبات التي لاحظها الجميع ، منذ استفتاء اجراء الانتخابات قبل الدستور وحتي الآن، تؤكد حتمية أن يستوعب الرأي العام خطورة ما يأخذنا إليه هؤلاء السياسيون وحتمية أن يدرك الجميع أن السياسة أكثر خطورة وأهمية من تركها للسياسيين المحترفين.