د. فوزى فهمى هل يوجد مجتمع مدني في مصر؟ كان ذلك عنوان ما نشر بمجلة »أحوال مصرية« عام 5002، للباحث »ميلاد سامي«، الذي ألحق التساؤل المطروح باستدراك تجلي في عنوان إضافي يشير إلي المقاربة الدقيقة التي يتأسس عليها بحثه، وهي: »دراسة للعلاقات بين منظمات المجتمع المدني والدولة«. صحيح أن تلك العلاقة تشكل احدي أمهات القضايا الخلافية المتباينة، التي تؤثر في شبكة الوجود الاجتماعي علي المستويين السياسي والاجتماعي، بوصفهما المجالين الرئيسيين لنشاط المجتمع المدني، وصحيح أيضا أن التساؤل في سياق ذلك الاستدراك، يأتي كإجراء لتشخيص حالة المجتمع المدني المصري، استقراء للظروف المنتجة لوجوده، بمعني هل وجود المجتمع المدني المصري رهين لشروط خارجية عن كيانه، كالدولة تحديدا، أم انه رهين لشرطه الذاتي، أم انه رهين لتوافر امكانية الوفاق والتآلف بينهما؟ وذلك استهدافا للوصول إلي البرهنة الموضوعية، العاكسة لخصائص منظومة القرائن الاستدلالية، سواء أكانت تؤكد وجود المجتمع المدني وفعاليته، أم تكشف عن عجزه، أم ترصد أسباب نفي وجوده، وذلك ما يسهم في بناء تصور يرتكز إلي مسببات يقينية، لكن الصحيح كذلك أن الباحث قد تناول المجال الاجتماعي، ولم يتناول في دراسته المجال السياسي للمجتمع المدني المصري، الذي تتحدد أهدافه الأساسية في تعزيز الحرية، واحترام حقوق الإنسان، وذلك من خلال مؤسسات غير حكومية تكرس لنظام ديمقراطي حر، يتأسس علي تداول السلطة، مبني علي مبادئ المواطنة، وسيادة القانون. لقد برر الباحث موقفه بأن المجالين متداخلان في استخدامهما في الحياة اليومية، ويصعب الفصل بينهما. ويعكس ذلك فهما للمجالين السياسي والاجتماعي بوصفهما جناحي المجتمع المدني، حيث في سياق هذا الفهم يمكن لوظيفتين أن تشتبكا، وأن تتداخل احداهما مع الأخري، اذ يجمعهما هدف واحد منشود، والأهم انه تحكمهما مرجعية واحدة، تؤكد ان دور المجتمع المدني يكمن في كونه مصدرا للتوازن المجتمعي بين الدولة وقوي السوق. طرح الباحث آراء استكشافية متفرقة، عن الاطار النظري لعلاقة الدولة بمنظمات المجتمع المدني عالميا، إذ تبدت هذه العلاقة في أنماط مختلفة، فقد تتجلي العلاقة بوصفها مكملة للدولة، أو بديلا لها، أو زائدا عليها، أو مجرد حارس لمصالحها، أو واجهة لها أمام المجتمع الدولي. ومن المهم أن نشير إلي أن الفكرة التي تري في المجتمع المدني بديلا عن الدولة، قد طرحت بقوة في أواخر التسعينيات، اذ حددت ارتباط الحالات التي يتجلي فيها ظهور المجتمع المدني، بالحالة التي تكون فيها الدولة قد شارف مصيرها علي الانتهاء. وقد قابل المنظرون والنقاد ذلك الرأي بالدهشة، كما فسروه بتوجهات وكالات التمويل الغربية التي تتخذ من المجتمع المدني مشروعا تروج له في بعض بلدان العالم الثالث لأسباب تهمها. صحيح ان غياب المجتمع المدني يعني غياب الديمقراطية، وصحيح أيضا أن يكون المجتمع المدني ضد الدولة، وذلك عندما تكون سلطة الدولة غاشمة، لكن ليس صحيحا أن يكون المجتمع المدني بديلا للدولة، إذ ان منطق أحدهما يشكل الآخر. لقد رصد الباحث نماذج من تدابير الدولة التي حصرها الباحثون في تعاملها مع المجتمع المدني، وتمثلت في تبني الدولة لسياسة »اتركهم يعملوا«، سواء أكان ذلك محمولا علي السلب، أم مصحوبا بسياسات محفزة، أم محاولة الدولة خلق نزاعات، أم ائتلافات بين مجموعات من المجتمع المدني، حتي لا تنشأ قاعدة عريضة منهم قادرة علي الدخول في مواجهة مع الدولة، أو تلجأ الدولة إلي سياسة القمع لمنع نشاط بعض منظماته، أو تسعي الدولة إلي استقطابه، سواء بالدعم المالي، أو العيني، أو تبادل المنفعة، أو أن تدخل الدولة في علاقة تعاون حقيقية معه، أو أن تستخدم الدولة بعض الشعارات لتوحي بوجود تعاون مشترك لمجرد التقرب من المجتمع المدني. وفي هذا السياق شخص الباحث خصائص العلاقة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني في مصر، حيث يري أنها تتسم بالتذبذب والتعقيد، وتتأرجح بين التعاون والصراع، فالمجتمع المدني يجد نفسه منزوع القوي في مواجهة ظواهر ثلاث، تمثل الأركان التي تتأسس عليها علاقة الدولة به، وهي: الاشراف والرقابة الحكومية عليه، ثم انتداب موظفي الدولة للعمل بمنظماته، وأخيرا التمويل الحكومي لبعض منظماته. ويؤكد الباحث ان الدولة تتمترس متوارية خلف تلك الظواهر الثلاث المترابطة، بوصفها أداة للتسلط علي كيانات منظمات المجتمع المدني، وكأنها توفر لها الأموال، والطاقة البشرية، بمشروطية تنفيذ الأنشطة التي تحددها الدولة، وذلك ما يشكل عبئا، وعائقا أمام حرية العمل المدني واستقلاله، لذا يعلن الرجل عجزه عن إجابة سؤاله عن وجود مجتمع مدني في مصر، سواء بالإيجاب أو النفي، حيث هناك آلاف المنظمات العاملة، لكن دورها منقوص بسبب العلاقة غير السوية مع أجهزة الدولة، والاستقلالية المطلوبة، وهي استقلالية نسبية، لكنها غير متوافرة. ويطرح الباحث تساؤلا جديدا: ألا تجب مراجعة الأوضاع وتقويمها، حتي يتاح للمجتمع المدني القيام بدوره؟ وانطلاقا من أن المجتمع المدني يمثل الصوت الذي يحمي المجتمع من الصمت وعيا بحقوقه، ويحميه أيضا من الوهم انتباها لضلالات السلوك وجموح الأهواء، لذا نؤيد مراجعة الأوضاع في ظل »دليل القوانين المؤثرة في منظمات المجتمع المدني«، المنشور عام 7991، اذ لا ديمقراطية دون شفافية، ومساءلة، ومحاسبة، ومصداقية.