واني لأعبر هنا عن اعجاب متوافر بالدبلوماسية التركية في السنوات الأخيرة والسطور التالية تركز علي هذا النهج من تحول قام علي مراجعة شاملة للعلاقات ثم اعادة الصياغة بنحو جيد قائم علي مد الجسور شمل مصالحات تاريخية فأطلق علي هذه الدبلوماسية بأزمات زيروا أو مشاكل بيوكا. السمة البارزة هي تعاون ربما يصل الي تحالف طالما لا يوجد تعارض في صميم، ومهارة هذه الهندسة الفريدة تتجلي في اتاحة مد الجسور مع كافة المتناقضات السياسية من كل اتجاه دونما ضرر عائد ولا فقدان توازن ولا اختلال أو خسائر . ابتداء، أي بنيان أيديولوجي حتي لو كان السيناريو الامريكي المبني عمليا علي الهيمنة لأجيال قادمة، هو عرضة لظهورعوامل خارج الحسبان وقد تكون قوي إقليمية ذات مصالح متناقضة، وهذا ما حدثت بوادره من مدة قريبة وتأكد الآن.. وما حدث لواشنطون من مصاعب بالغة في احتلالها للعراق كان دليلا في حد ذاته أسرع بادراك تلك القوي الاقليمية المستجدة أن الوقوف في وجه تيار القوة الاعظم ممكن بل الاهم ما عاد يكبد خسائر فادحة.. ولنبدأ من هذا الاتفاق الذي أبرم مع ايران بتعاون البرازيل الذي يجعل منهما تركيا أو ايران حليفين اقليميين من الوجهة الواقعية دونما تأثير ويا للعجب علي كون تركيا عضوا في حلف الاطلنطي، ولا يصيب علاقتها بواشنطون بالقليل كحليف في أفغانستان ... غير أن التحالف مع ايران يجيء دون شروط أو متطلبات تقيدها كأن تطلب منها مثلا قطع علاقتها مع اسرائيل. بمعني اوضح أنه اتفاق يجعل من تركيا حليفا لايران دونما تأثير بالسلب علي علاقات تركيا مع الغرب.. أما البرازيل التي تعاونت في تحقيق الاتفاق فكأنها تشهد العالم كله بمدي ثقل القوة البازغة التي تنتمي اليها كعضو مع دول BRIC مع روسيا والهند والصين.. هؤلاء الأربع قرروا معا تكوين مركز ثقل وقوة في مواجهة هيمنة التشكيل التقليدي القديم.. البرازيل القوة البازغة هذه قدمت لايران عدة صفقات تجارية ضاعفت من حجم التجارة بينهما لثلاثة أضعاف علي الاقل، انما المكسب الاكبر لتركيا التي بلغ مجمل تجارتها مع البرازيل حاليا عشرة مليارات دولار سنويا، غير تجارتها مع ايران وهذا ما يكشف أسباب استبسال تركيا للتوصل الي هذا الاتفاق لربما يتحاشي توقيع عقوبات تكون ضربة اقتصادية قاصمة لتركيا. أما احتمال أن يتهاوي هذا الاتفاق فهو وارد وكما حدث في السابق ولكن مجرد عقده مع ايران هذا في حد ذاته مؤشر علي بدء مرحلة في العلاقات الدولية وتحول ملحوظ وعلامة مبكرة علي تواجد مراكز قوة خارج المظلة القديمة وهذه ظاهرة طرأت علي الملعب الدولي لم يعرف منذ عهد تشكيل ما بعد الحرب العالمية الثانية. قد تكون العلاقة النامية هذه باطراد بين ايران و تركيا رغم الماضي الملبد بينهما محير بعض الشيء خصوصا مع تواجد استراتيجيته لكل منهما تقوم علي مد النفوذ والتأثير الي المنطقة ولكنهما علي الارجح وجدا في التعاون بينهما مزايا لا تحققها منافسات الشقاق والتنابذ وهذا في حد ذاته مكمن رئيسي في تشكيل هذه الدبلوماسية التركية الفريدة . القفزة الكبري الاخري للدبلوماسية التركية غير ايران هو ذلك التحالف الناشيء بين تركيا وروسيا ، والقائم علي مصالح حيوية متبادلة بالغة القيمة للطرفين. فأجواء الثقة والتفاهم بينهما تنظر اليه أوروبا نظرة لا تخلو من هلع ، حيث هذا الاعتماد الزائد من جانب دول الاتحاد الاوروبي علي الطاقة الواردة اليهم من روسيا، فهذه تصدر اليهم الثلث من احتياجات الغاز و يتم عبر أنابيب تخترق قلب الاناضول في تركيا .. أي الغاز هذا المورد الحيوي للاوروبيين بات الآن بين يدي حليفين اعلي ما يبدوب روسيا وتركيا.. هذا بينما تركيا ما تزال تقف علي باب الاتحاد الاوروبي ، طلبت وعاودت وكررت طلب الانضمام الي الاتحاد بلا طائل حتي الآن ... بمعني آخر ، كلا من روسيا وتركيا يدا في يد بسبيل ان يؤازرا احدهما الآخر و يكون لعامل الجغرافيا - السياسة ان يتبدي بكل تأكيد و.. هذا الكارت الآن بين يديها , يغير الموقف ووقوفها علي الباب بانتظار رد من الوكسمبورجب دون طائل أصبح مسألة تدعو الي اعادة نظر وأن يفكروا أكثر من مرة قبل أن تواجه بالرفض مرة أخري .. الملاحظ ان الرئيس الروسي ميدفيديف سافر الي أنقرة عن طريق دمشق ، وهي حليف آخر لتركيا ومن خلال الأسد قابل خالد مشعل قائد حماس وبعد المقابلة أعلن الرئيس الروسي ان الاحوال في غزة اكارثة انسانيةب وأن ضم حماس للمفاوضات ضرورة لتكون طرفا في عملية السلام .. ولا يستبعد في حالة فشل المفاوضات والمقد لها اربعة أشهر فقط أن تعاود موسكو الي رقعة شطرنج الشرق الاوسط وعوامل كثيرة ساهمت في هذه الدفعة القوية بين روسيا وتركيا منها تلك الصداقة الشخصية غير العادية التي نشأت بين رئيس الوزراء حاليا بوتين مع رجب طيب اردوغان ... هذا التحالف التركي الروسي الجديد يعتبر من حيث القيمة الدبلوماسية ضربة معلم للاتراك كما للروس .. فما من تحالف آخر يمكن أن يكون أكثر صراحة في مفهوم المصالح المشتركة بين غريمين تاريخيين: تركيا التي ذكرنا ما يحققه لها الكارت الروسي مع الاتحاد الاوروبي ، وروسيا التي تحقق هدفا عزيزا من هذا التحالف وهو ان تمنع تحول البحر الأسود الي بحيرة لحلف الاطلنطي .. وكل هذا لا بد و يستدعي مرة بعد اخري القول المأثور في السياسة أن ما من عداوة دائمة ولا صداقة قائمة انما المصالح هي الدائمة .