كل محب للوطن مدرك واع لابد أن يجزع لمحاولات اثارة الفتنة التي هي أشد من القتل وتتربص بهذا البلد الامين وبالشعب ذي العنصر الواحد الذي هضم الوافدين اليه جميعه منذ الأزل وبشهادة التاريخ ... الفتنة التي تطل من حين لحين ولو كان بعضها عن جهل فهي في كل الاحوال لا تقل عن الخيانة الوطنية ... لا ينكر احد أن الطبيعي اعتزاز كل شخص بعقيدته فيشعر بانها الأصح والأفضل، لكن ما ليس من حق أي شخص وبتاتا ان يحرم غيره من اتباع عقيدة أجداده ويحمل ذات المشاعر تجاه عقيدته.. هذا هو مقياس التحضر ومعيار الادراك بصحيح الدين ايا كان ولمجرد حقوق الانسان في هذا العصر.. من هنا مبلغ القيمة والتوقيت الصحيح لهذا الكتاب المتفرد من نوعه الذي بذلت له مؤلفته »د.ليلي تكلا« من جهدها ووقتها الكثير بل وتتصدي فيه بالحجة والبرهان لكل دعاوي الفتنة والترويج للفرقة بين الاسلام والمسيحية سواء بداخل اراضينا او في الخارج بأوروبا وامريكا.. فان للكتاب رسالتين طرحتهما بكل امعان وتؤدة وتركيز ايضا: احداهما تأملات واعية لما بين المسيحية والاسلام .. والرسالة الأخري تفند فيها ما يروج له منذ مدة في الغرب ويعرف (بصراع الحضارات) وهو لون من فكر يحاول تهيئة العقول لصراع يعدون له بين المسيحية والاسلام ومن أبرز هؤلاء المروجين لتلك الأفكار برنارد لويس هنتنجتون وفوكوياما وغيرهم، ويكشفهم أكثر ذلك الترويج الخبيث الذي يواكب افتعال الازمة بين الديانتين ويسمونه (بالمسيحية الصهيونية) اوالمسيحيين اليهود بادعاء وجود تراث مشترك ، فكان لابد من وضع حد لتلك الفوضي الفكرية وخصوصا أن مروجيها لا يكفون عن ترديدها لأسباب لا تخفي ... هذا الكتاب يبرهن بالآيات المنزلة والدلائل القاطعة أن الفروق بين الاسلام والمسيحية لأقل بكثير من الوجهة السطحية ، فالاسلام والمسيحية يقومان علي(التوحيد) بدون شرك وأهم آية في الانجيل قول المسيح (الرب اله واحد) وصلاة الايمان تبدأ بعبارة (أومن باله واحد) اي العقيدتين السماويتين تؤمنان بالله الأحد الصمد خالق السماوات والأرض وما يري ومالا يري مهما تعددت الاسماء والاوصاف .. نعم يوجد خلاف حول بعض تفسيرات وعبارة الاب والابن والروح القدس انما تتلوها عبارة (اله واحد) فلا تعني التعدد ، فان أوجه التشابه والتلاقي أكثر من اوجه الاختلاف وهذا ما تم تجاهله طويلا، فالاسلام يجل المسيحية ويحترم رموزها وكتبها ويؤمن بمعجزة ميلاد المسيح ورفعه للسماء تبقي أن اوجه الاختلاف لا تبرر صداما ولا عداوة ناهيك عن التكفير ولكنا انشغلنا بالفروق والاختلافات واهملنا اوجه التشابه.. ثم ان الحضارات لا ديانة لها، وحضارة الغرب ليست مسيحية بل حضارة مادية تفصل تماما بين الدولة والدين والاحداث تثبت ان العالم لم ينقسم يوما حسب الاديان بل لاعتبارات المصالح الاقتصادية والمطامع فحسب.. ولو كان اختلاف الاديان مدعاة للصراع والحرب لما تكاملت الحضارات ولا تفاعلت وتقدمت بها البشرية وانبعث منها التنوير.. فالدوافع الحقيقية للحروب والصراعات دوما هي الاطماع والسياسية الاقتصادية فحسب وما الأديان سوي ذريعة لما لها من حساسية خاصة وتأثير في النفوس. من هنا الخلط والمغالطات علي مدي التاريخ كمثل المغالطة او الخلط والتعميم بين الارهاب والاسلام.. وكما حدث بين الصليب والفرنجة التي أطلق عليها الحروب الصليبية وهو خطأ آخر لأن المقاتلين رسموا الصليب علي ملابسهم تمويها علي شعوبهم المقهورة، بينما وثائق التاريخ تثبت أنهم عجزوا عن ايجاد آية واحدة في الانجيل تبرر حملتهم فادعوا أنها لحماية المقدسات المسيحية بينما الأسباب كانت اطماعا اقتصادية بحتة، فقتل الفرنجة نحو 600 مسيحي ممن تصدوا لهم دفاعا عن أرضهم في فلسطين.. وغيرها من حقائق تاريخية كثيرة علي مدي العصور لا يعرفها الكثيرون خصوصا في أمريكا والغرب. أما الجهاد الذي يستشهد به الغربيون علي انه دعوة متأصلة في الاسلام للحرب والدمار مع أن للجهاد قيودا في الزمان المكان والاسلوب وله من المعاني ثلاثا : مجاهدة العدو الظاهر، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس و... حقائق ناصعة كثيرة جدا ومآثر وأصول عن الاسلام لا يعرفها المسيحيون في الغرب والاكثر غرابة ألا يعرفها بعض من المسلمين ممن يظنون أن قتل المسيحي أوايذاءه هو الجهاد والطريق المؤدي بهم للجنة! بحثت د. ليلي تكلا في الجذور وهل الصراعات تقوم لمجرد اختلافات دينية فتبين لها بالبراهين انها مواقف ونتائج وتداعيات سياسية دولية واقتصادية وأمنية.. هذا الكتاب قيمة وطنية دينية تاريخية وعاطفية ورحلة فكرية تغذي العقل والروح، واضح أنه اقتضي أبحاثا ودراسات عميقة واستغرق زمنا، وتوقيت الكتاب حاليا لا يقل أهمية، غير أنها قدمته بتركيز وتناولت آراء المتطرفين سواء في الاسلام او المسيحية في بلادنا أو في بلاد الغرب وردت عليها بوضوح مدعن بالاسانيد وبدون فزلكة ولا اسهاب بدون دواع. هذا الكتاب »التراث المسيحي الاسلامي« هو لكل مسيحي لا يعرف حقيقة الاسلام تجاه المسيحية، ولكل مسلم يرفض المسيحية أو يعاديها دون أن يعرفها .. ومفيد لكل مشتغل بامور السياسة والحياة ومهتم بأمور الوطن والعالم ايضا.. انما أخشي ما يخشي فيما لو تركت تلك الدعاوي والاباطيل بدون رد وتفنيد، أن تستقر نهائيا في وجدان الشعوب في الغرب، وتتحول الي ما يشبه الحقائق، فنكون قد فرطنا في حقنا وسلمنا أمرنا لخصومنا وأعدائنا، وتركنا لهم العنان ليشكلوا المستقبل وفق ما يشاءون ولهذا: أري وجوب ترجمة هذا الكتاب الموجز اذ لا يزيد علي مائتي صفحة من القطع المتوسط ليصل الي الطرف الآخر عبر البحر والاطلنطي.