إجراءات حازمة للحد من الغش بالامتحانات    الذهب يحقق أفضل أداء سنوى منذ 46 عامًا والفضة تقفز 150% فى 2025    إعداد اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع قطر    أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية تتجه إلى انخفاض سنوي حاد رغم تراجع المخزونات    محافظ الغربية: طريق مصرف الزهار هدية طال انتظارها لأهالي مركز قطور    محافظ الجيزة: افتتاح سوق اليوم الواحد فى حى إمبابة الأسبوع المقبل    العملة الإيرانية تهوي إلى أدنى مستوى تاريخي وتفاقم الضغوط على الأسواق    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين قرارَ الاحتلال منعَ المنظماتِ الإنسانية من العمل في غزّة    منتخب السودان يخسر ضد بوركينا فاسو بثنائية ويواجه السنغال فى دور ال16    منتخب مصر يبدأ استعداداته لمواجهة بنين في ثمن نهائي كأس أمم أفريقيا.. صور    حصاد 2025.. عام استثنائي من العمل والنجاحات بمديرية الشباب والرياضة بالجيزة    2025 عام الإنجازات الكبرى.. ميداليات عالمية ومناصب دولية تؤكد ريادة مصر في رياضات الإعاقات الذهنية    العثور على جثة شاب أمام مسجد سيدى عبد الرحيم القنائى    كنوز| مصطفى أمين الشاهد الأمين على كرم «صاحبة العصمة»    «هنو» يتابع تنفيذ توصيات لجنة الدراما مع «عبد الرحيم»    معتز التوني: أذهب للجيم للكلام فقط.. ومهنة المذيع أصعب من الإخراج    كنوز| «الضاحك الباكي» يغرد في حفل تكريم كوكب الشرق    الجمهور يغنى بحماس مع تامر عاشور بحفل العاصمة الجديدة    ماس كهربائي.. التحريات الأولية تكشف أسباب حريق مخزن أوراق بالقاهرة    رئيس تايوان: التدريبات العسكرية الصينية تهدد الاستقرار الإقليمي    حريق يلتهم شقة سكنية في دار السلام    نجاح جراحة دقيقة لسيدة سبعينية بمستشفى قنا العام لاستخراج دعامة مرارية مهاجرة    تشكيل زد لمواجهة حرس الحدود في كأس عاصمة مصر    إكسترا نيوز: التصويت بانتخابات النواب يسير بسلاسة ويسر    السجن المشدد 15 سنة للمتهمة الأولى وتغريمها 2 مليون جنيه في قضية سرقة «إسورة المتحف المصري»    ظهور مميز ل رامز جلال من داخل الحرم المكي    هل يجوز الحرمان من الميراث بسبب الجحود أو شهادة الزور؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير «الصحة» يتابع تنفيذ خطة التأمين الطبي لإحتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد    "التعليم الفلسطينية": 7486 طالبًا استشهدوا في غزة والضفة الغربية منذ بداية 2025    خالد الجندي: الله يُكلم كل عبد بلغته يوم القيامة.. فيديو    مدافع جنوب إفريقيا: علينا تصحيح بعض الأمور حتى نواصل المشوار إلى أبعد حد ممكن    وزير الصحة يتابع تنفيذ خطة التأمين الطبي لاحتفالات رأس السنة وأعياد الميلاد المجيد    الدبلوماسية الثقافية.. أحد الركائز الرئيسية للقوة الناعمة المصرية خلال عام 2025    الداخلية تضبط تشكيلًا عصابيًا للنصب بانتحال صفة موظفي بنوك    بشرى سارة لأهالي أبو المطامير: بدء تنفيذ مستشفي مركزي على مساحة 5 أفدنة    حصاد جامعة العاصمة لعام 2025    «التضامن»: تسليم 567 طفلًا لأسر بديلة وتطبيق حوكمة صارمة لإجراءات الكفالة    ضبط 5 أشخاص بالإسماعيلية بعد نشر فيديو لإحداث ضوضاء أسفل منزل    دون أي مجاملات.. السيسي: انتقاء أفضل العناصر للالتحاق بدورات الأكاديمية العسكرية المصرية    ذات يوم 31 ديسمبر 1915.. السلطان حسين كامل يستقبل الطالب طه حسين.. اتهامات لخطيب الجمعة بالكفر لإساءة استخدامه سورة "عبس وتولى" نفاقا للسلطان الذى قابل "الأعمى"    حصاد 2025| منتخب مصر يتأهل للمونديال ويتألق في أمم أفريقيا.. ووداع كأس العرب النقطة السلبية    دينيس براون: الأوضاع الإنسانية الراهنة في السودان صادمة للغاية    إيمري يوضح سبب عدم مصافحته أرتيتا بعد رباعية أرسنال    انطلاق مبادرة «أمان ورحمة» بتعليم قنا    وزارة الصحة: صرف الألبان العلاجية للمصابين بأمراض التمثيل الغذائى بالمجان    مواعيد مباريات الأربعاء 31 ديسمبر - الجزائر وكوت ديفوار والسودان في أمم إفريقيا.. وكأس عاصمة مصر    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى المنيا    "القومي للمسرح" يطلق مبادرة"2026.. عامًا للاحتفاء بالفنانين المعاصرين"    رابط التقديم للطلاب في المدارس المصرية اليابانية للعام الدراسي 2026/2027.. يبدأ غدا    إصابة 8 عاملات في حادث انقلاب ميكروباص بالطريق الصحراوي القاهرة–الإسكندرية بالبحيرة    الدفاع عن الوطن.. مسئولية وشرف    محافظ أسيوط: عام 2025 شهد تقديم أكثر من 14 مليون خدمة طبية للمواطنين بالمحافظة    التضامن: إلزام الأسر المستفيدة بالمشروطية التعليمية ضمن برنامج تكافل وكرامة    شوارع وميادين الأقصر تعلن جاهزيتها لاستقبال احتفالا رأس السنة الجديدة    قصف وإطلاق نار اسرائيلي يستهدف مناطق بقطاع غزة    انقطاع واسع للكهرباء في ضواحي موسكو عقب هجوم بطائرات مسيرة أوكرانية    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود الورداني يكتب عن‏:‏ ليلي تكلا‏..‏ كاتبة كبيرة تعرف قيمة الوطن

‏..‏ كل هذا لا ينفي أنه وجدت فترات وقعت خلالها أحداث شغب وصدام بين المسلمين والمسيحيين أو غيرهم‏,‏ لكنها لم تستمر طويلا‏,‏ والملاحظ أنها ارتبطت بفترات التخلف والكساد والتسلط من الحكام أو السلطة الدينية‏,‏ أما حالات الازدهار
أو خلال تعرض الوطن لما يضيره من هجمات او استعمار أو كوارث‏,‏ فإن المصري دائما يرتبط بوطنه ومواطنيه قبل كل شيء‏,‏ فهو يذهب للحرب والدفاع ويموت ليس لأنه مسلم أومسيحي‏..‏ ولكن لأنه مصري‏.‏
السطور السابقة اجتزأتها من الصفحات الأخيرة من كتاب‏..‏ التراث المسيحي الإسلامي للدكتورة ليلي تكلا الصادر أخيرا عن دار الشروق‏,‏ وهو كتاب جاء في وقته تماما‏,‏ ليس فقط بسبب استمرار المناخ المعادي لتقاليد الوحدة الراسخة بين أقباط مصر ومسلميها‏,‏ بل أيضا لأن المؤلفة وضعت في اعتبارها عدة قضايا رئيسية بدونها سيكون الحوار حوار طرشان كما يقول الشوام‏.‏ وفي مقدمة هذه القضايا ان الحوار المشترك ليس من شأنه اقناع أحد الطرفين بمعتقدات الطرف الآخر‏,‏ بل تقبل واحترام تلك المعتقدات‏,‏ وقبول التنوع‏,‏ لأن الإيمان قضية خاصة جدا بين الإنسان وخالقه‏.‏ وتنقل د‏.‏ تكلا‏,‏ وهي القبطية المصرية عن د‏.‏ احمد الطيب شيخ الأزهر دعوته الي ضرورة اقصاء العقائد الدينية اقصاء كليا من مجال الحوار أو المصالحة أو الإصلاح‏,‏ ويحدد العقائد الدينية بأنها تلك التي يختلف بها هذا الدين عن ذاك‏,‏ وتجعل من المؤمنين بها إما يهودا أو مسيحيين أو مسلمين‏.‏ هذه العقائد دوائر مغلقة علي أصحابها المؤمنين بها‏,‏ ويجب أن تكون محل احترام متبادل بين الجميع‏,‏ وهي لن تكون أبدا محل إيمان أو اعتراف متبادل بين أتباع الأديان‏,‏ أو تعديل لمصالحة طرف آخر ويضيف‏:‏ الأمر الوحيد المقبول في الحوار هو وجوب أن يحترم كل طرف عقيدة الآخر‏,‏ ويسلمها له‏,‏ وإن لم يؤمن بها الطرف المقابل‏.‏
والحال أن الجهد المخلص الذي قدمته د‏.‏ تكلا في كتابها كما أكدت مرارا وتكرارا ليس مناظرة بين جانبين‏,‏ إنه ببساطة دعوة للفهم المشترك والاحترام المتبادل‏,‏ ولكل الحق في التمسك بما يؤمن به مع احترام إيمان الآخر وحقه في الاختلاف‏.‏
وقبل أن أواصل عرض القضايا التي أولتها د‏.‏ تكلا عنايتها‏,‏ أود أن أشير الي أنه من بين مآثر هذا الكتاب انه مكتوب للقاريء العام لا المتخصص‏,‏ وهو ما نحتاجه بشدة‏,‏ ولن أضيف جديدا عندما أقول إن قسما لا يستهان به من الرأي العام قد تم الاستيلاء عليه من المتطرفين من الجانبين‏,‏ وما نحتاجه حقا هو استعادة القاريء العام‏.‏
ومن بين مآثره أيضا إدراك الكاتبة ان القضية سياسية وليست دينية‏,‏ وهو ما أكدت عليه طوال صفحات الكتاب تقريبا‏,‏ ليس هناك خلاف ديني‏,‏ ولم يعرف التاريخ حروبا دينية الا في عصور الهمجية والتوحش‏,‏ وحتي الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد القاعدة واحتلت بسببها افغانستان ليست حربا دينية‏,‏ بل حرب سياسية‏,‏ وهي حقيقة لا تحتاج لإثبات‏.‏ فالصليبيون علي سبيل المثال‏,‏ الذين حاربوا تحت راية الصليب‏,‏ كانوا يحاربون لأهداف سياسية مهما ادعوا بغير ذلك‏,‏ ويمكن باطمئنان شديد تأكيد هذه الحقيقة من خلال عشرات الأمثلة والحروب القديمة والجديدة علي السواء‏.‏
اختارت د‏.‏ تكلا أن تناقش قضاياها من خلال جزءين رئيسيين‏,‏ الأول في مسألة السلام والصدام‏.‏ والثاني التراث المسيحي الإسلامي المشترك فضلا عن ستة ملاحق في آخر الكتاب‏.‏ وفيما يتعلق بالجزء الأول تؤكد الكاتبة أنه في أعقاب انفراد الولايات المتحدة بالسيادة العسكرية علي العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي‏,‏ اندلعت القلاقل والحروب والفوضي‏,‏ وخرجت نظريات جديدة تبشر بالصراع الديني وتحديدا بين الإسلام والمسيحيين‏.‏
وفي هذا السياق تناقش ما يثار حول الثقافة اليهودية والمسيحية مشيرة بوضوح لا لبس فيه إلي أن ذلك التعاطف الذي يبديه بعض المسيحيين في الغرب للصهيونية جاء وانتشر من أجل قيام واستمرار دولة اسرائيل‏,‏ أي لأسباب سياسية واستراتيجية واستغل ما تعرض له بعض اليهود مع غيرهم علي يد النازية وتضيف إنه اتجاه سياسي بحت يستخدم لدعم ومساندة اسرائيل‏.‏
وتضيف أيضا أن هذا الاتجاه يتصل في المقام الأول بمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية والانتخابية‏,‏ وهذه المصالح قد يدور حولها صراع بل صراعات‏,‏ أما المعتقدات الدينية فهي في جوهرها دعوة للسلام وللتعايش واحترام التعدد‏.‏ وعندما تتعرض لنظرية هنتنجتون التي تقوم علي ثنائية الصراع بين حضارات الشرق والغرب‏,‏ وبين المسيحية والاسلام‏,‏ تؤكد ان الحضارات لا ديانة لها‏,‏ وحضارة الغرب ليست مسيحية كما يحاول البعض الترويج دون سند من الحقيقة‏,‏ بل هي حضارة مادية قامت علي أسس الرأسمالية‏,‏ والمسيحية ليست غربية فقط‏,‏ وهناك مسيحيون عرب يعتزون بالهوية العربية‏,‏ وكان لهم دور في اثراء الحضارة العربية حتي قبل الإسلام مثل حاتم الطائي وامرؤ القيس وقيس بن ثعلبة وزهير بن أبي سلمي والمهلهل بن ربيعة وطرفة بن العبد‏,‏ كما أن الأخطل ويحيي بن عدي العباسي كانا شاعرين مسيحيين‏.‏
وفي هذا السياق تنقل عن البابا شنودة قوله إن الغرب له مصالح في العالم الإسلامي‏..‏ أرض البترول الذي تعتمد عليه الحضارة الغربية‏..‏ هي السوق الواسعة للمنتجات الغربية التي تنقل ثروات العالم الاسلامي الي الغرب والتاريخ القديم والحديث حلقات من تاريخ الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي‏,‏ ليس صراع عقائد وليس صراع ديانات وليس صراع حضارات ولا ثقافات ولكنه صراع مصالح‏..‏ مصالح الغرب مرتبطة ببقاء العالم الإسلامي منقسما وجاهلا ومنشغلا بصراعاته الداخلية ومرفوضا‏..‏ وعندما تأتي الكلمات السابقة من رجل دين‏,‏ ومن البابا شنودة تحديدا‏,‏ فهذا يعني أن الحوار بين الأقباط والمسلمين‏,‏ وبين الغرب والعالم الإسلامي‏,‏ يجب أن ينتقل الي مستوي جديد‏,‏ يتناقض تماما مع الأفكار السطحية والشائعة حول الصراع الديني‏.‏
واذا كانت المؤلفة بحثت في الجزء الأول مدي صحة مقولات التراث اليهودي المسيحي ونظريات صراع الحضارات وصدام الأديان‏,‏ فإنها سعت في الجزء الثاني الي التصدي لهدم دعاوي الفرقة ودعم نداء التعايش والسلام من واقع ما بين المسيحية والاسلام من توافق وتقارب‏,‏ بل ورغم ما قد يكون بينهما من اختلاف حسب تعبيرها‏.‏ غني عن البيان أن مظاهر الفتنة التي تطل برأسها بين الحين والآخر تعكس مناخا من سوء الفهم المتبادل والمتعمد جانبا‏,‏ وليس أمام أقباط مصر ومسلميها إلا التمسك بتقاليد الوحدة الراسخة والتي تم اختبارها في عشرات المعارك التي خاضها الطرفان ضد العدوان الخارجي‏,‏ والخطوة الأولي في هذا الأمر‏,‏ تتمثل أولا وقبل كل شيء في التسليم بأن لكل معتقده الديني‏,‏ وقبول ان الإيمان قضية خاصة بين الإنسان وخالقه‏,‏ والمعتقدات الدينية حسبما ذكر شيخ الأزهر د‏.‏ احمد الطيب يجب أن تكون محل احترام متبادل بين اتباع الأديان وهو مايستدعي بطبيعة الحال‏..‏ في نظر كاتب هذه السطور التمسك بالدولة المدنية حسبما نص الدستور‏,‏ وتنقية القانون من كل ما يتناقض مع الدولة المدنية‏,‏ فالكارثة أقرب مما نتصور‏,‏ والخطر محدق بالوطن‏.‏ وفي النهاية‏,‏ هذا الكتاب اسهام كبير من كاتبة كبيرة مصرية قبل أن تكون قبطية أو مسلمة‏,‏ تعرف جيدا قيمة الوطن‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.