نحن بالفعل احوج ما نكون الآن الي قليل من الصبر لتحقيق كل الاهداف النبيلة التي سعت ثورة 52 يناير لتحقيقها، فقد بات واضحا للعيان ان هناك نوعا من العجلة والتسرع نحو تحقيق هذه الاهداف دون ان نمتلك الادوات التي تساعدنا علي ذلك. ويأتي علي رأسها الموارد اللازمة ووضوح الفكرة والهدف بشكل مباشر وصريح يضمن استمرارها، ويضمن ايضا قدرتها علي التجاوب مع كل المتغيرات المتلاحقة الان ومستقبلا. ليس هناك ادني شك في ان استفحال بعض المشاكل وطول معاناة الناس واحساسهم المستمر بالظلم ساهم في تراكمها، والتسرع في ايجاد حلول لها دون التوقف نهائيا امام التحديات والصعوبات التي قد تواجهنا علي طريق تحقيق هذه المطالب والاماني. دعونا نقول بكل وضوح ان بعض المسئولين في حكومة »التحرير« السابقة لجأوا الي سياسات خاطئة تدغدغ مشاعر المواطنين، فيما يتعلق بالاجور وتحسين مستويات المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية. وذلك باللجوء الي الانفاق غير الرشيد من الاحتياطي النقدي. جاء هذا الانفاق في صورة زيادات غير محسوبة في الاجور والحوافز لقطاعات من العاملين دون قطاعات اخري، وهو ما ادي لتفاقم ظاهرة المطالب الفئوية. مطالب امتدت لتشمل كل ربوع مصر علي حين توقفت عجلة الانتاج والعمل تماما. كما تعالت صيحات بعض الوزراء عن عشرات المليارات القادمة من الخارج في صورة قروض ومنح ومساعدات، تبين انها كانت كما نقول في امثالنا الشعبية »عزومة مراكبية« ولنرجع لتصريحات رئيس الوزراء السابق عقب جولته ببعض الدول الغربية وبعض الدول الخليجية، والتي لم نخرج منها سوي ببعض الصور التذكارية!. وجاء اختيار الدكتور كمال الجنزوري رئيسا للوزراء في تلك الحقبة ليؤكد ان هناك بالفعل خطأ تحول الي خطر، ويحتاج الي منقذ يملك أداته ووسائله وحنكته وخبرته الطويلة. لقد بدأ الرجل منذ اللحظات الاولي سلسلة من الخطوات لافاقة الاقتصاد المصري من حالة الغيبوبة التي بدأ يعاني سكراتها. تزامنت معها ايضا خطوات اخري لتحقيق العدالة الاجتماعية الرشيدة والتي تتطلب تجاوبا وقناعة منا جميعا باننا بالفعل نسير علي الطريق الصحيح، والذي يحتاج الي نوع من الصبر والرؤية الواضحة، ان الحكم علي نجاح اي حكومة من الحكومات ربما يحتاج لعدة سنوات، لكن وجود فكر رشيد لاي حكومة قد يحمل ايضا دلالات النجاح او القصور. اتجه الدكتور كمال الجنزوري الي حزمة من الاصلاحات بدأت باعادة الهيبة لمنظومة الامن الداخلي بعد ان عاشت مصر شهورا طويلة تعاني غيابا امنيا كاملا، افرز نوعية جديدة من جرائم البلطجة والانفلات والاعتداء علي الممتلكات سواء العامة أو الخاصة. وسرعان ما امتد اثرها الي مناخ الاستثمار وتزايد مخاوف المستثمرين والذي يشكل الامن اول العناصر الجاذبة لهم. كما امتد اثرها ليضرب في مقتل منظومة السياحة والسفر والتي شهدت ركودا لم تشهده من قبل. لا أبالغ عندما أقول أن عشرات القرارات التي اتخذها الدكتور كمال الجنزوري ربما كانت تحتاج إلي عدة سنوات. لكنها جاءت في إطار محاولات مستميتة يقوم بها الرجل من أجل العبور بمصر من النفق المظلم. تم ذلك من خلال تيسيرات للمزارعين، ورفع لمعاشات الضمان، ودفع حركة الاسكان لمحدودي الدخل، وصرف مستحقات متأخرة للمقاولين، وإنشاء جهاز خاص لتلبية مطالب المصابين وأسر الشهداء ورفع معاشاتهم، وإحياء بعض المشروعات المتوقفة، وحل مشاكل المستثمرين دون إغفال حق الدولة. كما قام باتخاذ مجموعة من الاجراءات لترشيد الانفاق وإعادة ترتيب الأولويات دون الإخلال باحتياجات محدودي الدخل. وأوقف بعض مشروعات القوانين الجديدة مثل التأمينات الاجتماعية والضريبة العقارية، وحتي يتم مناقشتها في مجلس الشعب الجديد، وذلك لشعوره بأنها تحمل نوعاً من الظلم والإجحاف لبعض المواطنين. نعم الحكومة تسابق الزمن وسط ظروف وتحديات صعبة، تجعل من الحصول علي قروض خارجية امرا صعبا. لكني اثق ثقة كاملة في خبرات ومهارات الدكتور الجنزوري. واعتقد ان عقد اتفاق مع صندوق النقد سوف يشجع كثيرا في حصول مصر علي قروض عربية وغربية، تأثرت كثيرا بحالة اللغط السياسي الكبير وعدم وجود خارطة طريق واضحة فيما يتعلق بالاصلاح السياسي والاقتصادي. تنشيط الاقتصاد المصري يحتاج بالفعل الي تضافر جهود كل المصريين للخروج من نفق مظلم كنا قد اوشكنا علي الدخول اليه.. وأثق ثقة كاملة في ان تحقيق ذلك يتطلب مرحلة من الهدوء السياسي بعيدا عن التناحرات السياسية، هدوء سياسي يأخذنا لمرحلة من الاصلاح تحقق مصالح كل المصريين، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية او انتماءاتهم الايدلوجية والدينية. الحكومة لن تصفق بيد واحدة.. وقد آن الاوان لأن نتضامن جميعا معها لاجتياز مرحلة خطيرة ودقيقة في تاريخ مصر.