شعب في خصام مع نفسه وبلده.. اختفت لغة الحوار ..تسابق الجميع في تبادل الاتهامات.. زادت حدة الانقسامات.. ..نعيش حالة من التآمر علي الوطن ونقدمه علي طبق من ذهب لكل من يريد افتراسه.. وطن ضحية أبنائه يستغيث بهم.. دون مجيب.. واحسرتاه إذا أفقنا بعد فوات الأوان.. الكل شريك في الحالة، ثائرا ومسئولا.. زعيما سياسيا أو مواطنا عاديا.. ضاقت صدورنا نسعي لقتل أنفسنا بدلا من الفخر بثورة جاءت لإحياء شعب ووطن.. أصبحنا نتصيد لبعضنا الأقوال والأفعال، لم يعد يوقظنا شعر حافظ إبراهيم وشجن أم كلثوم »أنا إن قدر الإله مماتي.. لا تري الشرق يرفع الرأس بعدي«.. وكأن كلا منا في واد.. وتحزب الشعب، شيعا وطوائف.. هذا يؤيد المجلس العسكري، وذاك يعارضه، هذا يرفض الجنزوري، وآخر يؤيده.. نصنف أنفسنا، يرفض بعضنا الآخر.. هذا ثائر وغيره بلطجي.. من يزج بالشعب المصري في أتون معركة ليست من سماحته ووطنيته وعشقه لبلده.. غاب العقل، وتحركنا الأهواء.. وتعددت وتنوعت الولاءات.. لابد أن نفيق.. انتبهوا.. احذروا، ألا تستحق مصر منا كل الحب والفداء، أيا كان موقف كل منا أو رأيه.. عد إلي مشاعر الحزن عليها في أوقات انتكاستها.. عد إلي إحساس دموع انسابت شوقا إليها وأنت في غربة.. تذكر دماء شهداء ثورتها.. أنين جريح برصاص الغدر في أوج ثورة 52 يناير الطاهرة. في كل منتديات الحوار.. لقاءات النخبة.. جلسات النميمة.. دروس المسجد والكنيسة.. في العمل والمنزل.. في الصحف والفضائيات.. مقالات وتعليقات وشرح وتحليل.. أحاديث الشعب المصري كله.. من يسكن القبور أو القصور.. الفقير والمليونير.. الغفير والوزير.. المفكرون وعامة الناس.. لا مناقشات ولا حوارات، إلا ماذا يحدث في مصر.. ما السبب.. من المسئول.. ولمصلحة من؟!.. دائما الرأي ونقيضه يحتدم النقاش ولكن الجميع يتفق أن الوطن في خطر والقانون هو الفيصل.. ولكن الوطن يستغيث والقانون لا يطبق، ونحن في حالة من الإصرار الغريب علي أن ننجو من كارثة، لنقدم علي أخري، والعقل غائب والعاطفة المزيفة لا تدفعنا إلي الحكمة. ماذا نريد بعد أن ظهرت الرشاشات الإسرائيلية في ميدان التحرير وشوارع القاهرة التاريخية من محمد محمود إلي بيت الأمة؟. ماذا نريد بعد أن رفض العالم أن يقرضنا و»عايرنا« العرب ورفضوا مساعدتنا؟. هل هذه هي مصر التي تريدونها؟.. هل هذه هي مصر الثورة، العلم والنور والحرية والديمقراطية والعدل والكرامة.. هل هذه هي مصر الجديدة؟. هل نسينا شعار »ارفع رأسك انت مصري«؟. متي ننحي الخلافات وننبذ الفرقة ونصد الفتنة ونحكم العقل وننطلق إلي الأمان والإنتاج..؟!.. متي نثق في أنفسنا بدلا من فقدان الثقة المتبادل وسوء النية عند كل أزمة؟. لماذا يتلون كلامنا بادعاءات بطولة وكأننا في سباق من يسيطر علي عقول الناس؟.. من الصح ومن الغلط.. من الأبكم ومن الفصيح.. من الخبير ومن الجاهل.. من الوطني ومن الخائن.. من الثائر ومن الخانع؟!.. هل المهم ان نتحزب وننقسم ويضيع الوطن.. أم نتحد ونتفق وننقذ مصر؟. مصر كلها مجروحة اليوم.. الكل حزين معارضاً كان أو مؤيداً.. الكل وطنيون والكل قلبهم يوجعهم علي بلدهم. من يتربص بنا شعباً وبلداً.. الفترة القريبة الماضية عشنا أياما من الأمل والتفاؤل.. انطلقت انتخابات مجلس الشعب لترسم أول خطوة في دولة المؤسسات.. وغمرتنا الفرحة بظواهر عودة الأمن إلي الشارع.. وبدأت حكومة إنقاذ تسير بخطي وئيدة ولكنها وطيدة نحو الانطلاق من الكبوة.. وإذا بالحال ينقلب فجأة إلي موت وخراب ودمار بأحداث شارع مجلس الوزراء وفضيحة حرق المجمع العلمي.. الأصابع الخفية مهما كانت قوتها ومهما كانت قدرتها علي المخططات الإجرامية، ليست بخفية لأننا الأداة التي تنفذ لها ما تريد.. هم ونحن.. هم كلهم.. ونحن جميعا مخطئون في حق أنفسنا وبلدنا.. لا نعفي أحدا من المسئولية، ساسة وإعلاميين وسلطة. ولكن لن نيأس.. لن يتلاشي الأمل وسط الظلام والخوف والتردد والفوضي.. فقدان الأمل يعني انتهاء الحياة، ولن تموت مصر.. سوف نتمسك بالأمل في العبور مهما تلاطمت الأمواج.. قلاع مصر أقوي من أن تنكسر وستصل إلي شاطئ الأمان، مهما تحالف عليها عدو.. أو أخطأ أبناؤها، البعض بسوء إدارة أزمة من أهل السلطة.. البعض بسوء نوايا.. وآخرون بطيبة غابت عنها الفطنة، والبعض بالخلط بين الثورة والفوضي والبعض بالبحث عن بطولات شخصية.. أبداً.. لن تنكسر مصر.. سوف تخذل كل من يتربص بها ومن يقف منتظراً لحظة الانكسار أو السقوط إلي الهاوية. بيان المجلس العسكري عن مؤامرات تحاك وتخطط لمؤامرات ليس بجديد.. تحذير رئيس الوزراء من حالنا الاقتصادي ليس هو الآخر بجديد ودعوته للوحدة والحوار حبا في مصر والخوف عليها، بُحَ صوت الجميع فيه.. ماذا إذن؟!.. اعلنوا تفاصيل وبراهين كل المخططات، وطبقوا بحسم القانون علي الجميع.. احموا الثورة من العدو أو من حبيب غافل.. تصالحوا مع أنفسكم.. مع بلدكم.. قبل أن يجرفنا الطوفان.