فكر الوحدة أتذكر قصة تاريخية درستها أوائل سنوات دراستي في المدرسة وهي قصة الملك مينا موحد القطرين فيها مصر تحولت من دولة منقسمة شمالية وجنوبية إلى دولة واحدة لها حكومة مركزية واحدة تحكم شعبها، تذكرت هذه القصة وأنا أستمع لأصوات كثيرة من حولي كل يتحدث حسب ما يمليه عليه عقله مثلي تماماً، فعقلي يملي علي أفكاراً من كثرتها ينتابني الأرق ويغصني الحزن. أسمع آراء لمن يقولون أن مصر يجب أن تكون دولة إسلامية، وأسمع لآخرون يرونها دولة مدنية وعلمانية ومنهم من يراها في لباس الفوضى ويقول "مفيش فايدة ...البلد دي راحت ومافيش أمل" وهناك من يفكر لماذا لا تكون هناك أحزاب مسيحية "مادام في إخوان مسلمين"؟ تلك بعض الآراء التي أسمعها تطن في آذاني. ساورتني افكار عن الوحدة... ولماذا أفكر في الوحدة؟ أليست الوحدة أمراً جيداً، لماذا نشجع فكر الانقسام ولماذا نتحزب؟ أعلم أنه من الديمقراطية أن يعبر الكل عن رأيه بما فيهم أنا ولكن ما الذي يجمعنا إن كنا مشتتين، إن كنا نعلو بصوت الفُرقة فكيف نجتمع، ما هو عماد فكرنا المشترك إن كان كل منا يبحر بمفرده أو بصحبة من يتبعونه في بحر من صنعه أو من صنع الآخرين. إن كنا نفترق فكيف نُصلح؟ كيف نبني وكيف نضع الأهداف المشتركة لرخاء الأمة؟ كيف نقترب ونحن في ابتعاد؟ أحزن كثيراً كلما علت أصوات الفرقة على أصوات الوحدة. عندما ألمت بالأقباط ضيقة التفجيرات الهمجية بداية عام 2011 تعالت الهتافات بأننا شعب واحد ووطن واحد ولكن عندما ثار الشباب ضد نظام حكمٍ فاسد انقسمنا على أنفسنا فصار البعض يردد بفساده والبعض الآخر يسطر الغزل في رموزه والبعض لزم الصمت. ضد أي عدوٍ اتحدنا وضد أي عدوٍ انقسمنا؟ لقد كنا ذات الشعب الذي اتحد في وقفةٍ وانقسم في أخرى، ما الذي يجمعنا بحق؟ هل يجمعنا هدف واحد أم أن هدفنا صاروا أهدافاً عدة كل مجموعة استحسنت هدفاً منهم صار لها قضية وصارت تعتصم لأجله هل بحق نسعى للإصلاح؟ وكيف يكون الاصلاح ونحن في انقسام؟ كيف نتحد في مصريتنا وننقسم على بعضنا؟ هل الاصلاح صار معقداً فصرنا لا ندري أبعاده للدرجة التي توصلنا للإنقسام وتبعدنا عن الوحدة. لقد كنا منذ مئات السنين مسلمين ومسيحيين نعيش على أرض هذا الوطن ولم يكن هناك ما يدعو للتساؤل ما بين الناس وبعضهم "انت دينك ايه؟" لقد كنا مصريين فقط ومصريتنا كانت هي عمادنا وكانت هي نقطة انطلاقنا. لقد تسائلت كثيراً ولكني سأوجز في الإجابة. إن وحدة شعبنا ليست في وحدة الدين، وحدتنا ليست في وحدة الفكر، فقد نختلف في الأفكار وقد نختلف في المعتقد ولكن لا يجب أن نختلف في الهدف. إن كنا نبغي الاصلاح فعلينا أن نتحد وننبذ ما يفرقنا أن نعمل على التقارب لا التباعد وإن كنا نبغي الرخاء لبلدنا فعلينا التكاتف الحقيقي والعمل، علينا بالمشاركة، علينا أن نكون صادقين تجاه أنفسنا وأن لا نقبل المساومة في وحدتنا إن كنا نبغي مستقبلاً أفضل لنا ولمن يخلفوننا فعلينا التحلي بالإيجابية وعلينا نبذ التحزب والعنصرية إن كنا بحق نعلي صوت ضمائرنا فلنعلي صوت مصريتنا...