نريد أن نجلس على طاولة الحوار، كل منا مُسلح ومُحصن بفكره وقلمه وعقله، وحُجته الفكرية والأدبية والعلمية، ولا نحتاج غير ذلك من الأدوات، فلا نحتاج للتجاوز فى حق بعضنا البعض ولا فى حق الآخرين، ولا نحتاج للرمى بالتهم على الغير، سواء بعدم الوطنية أو بعدم الانتماء للثورة والثوار، أو حتى عدم الانتماء للبلد، فجميعناً مصريون. ما الفيس بوك؟ وما البرامج الحوارية؟ وما المقالات؟ فالقاسم المشترك بينهم هو التعرف على مبادئ الحوار، ونشر المعلومة، وبث الثقافة والفكر فى نفوس الجميع كمحاولة للبناء والعمل على ترسيخ الحوار البناء والمفيد للجميع، ولكن للأسف، ففى الفترة الأخيرة ظهرت حرب الاختلافات بمنتهى التجاوز كل فى حق الآخر، والتعدى على حق الآخرين فى إبداء الرأى، وإلقاءهم بالتهم، والرمى بالكلام غير اللائق، وفقدان الاحترام بين الجميع، فمثلاً موقع التواصل الاجتماعى (الفيس بوك) الذى يجمع بين شباب مصر وشباتها وغيرهم من جميع الأعمار والأجناس والأديان والانتماءات الفكرية والسياسية، فعلى الرغم مما يحتويه من مناقشات فعالة ومحترمة بين ذوى الخبرة والعلم والخلق، إلا أنه لم يخلو من العديد من التجاوزات غير المُبررة، والتى لا يعرف أصحابها أن طبيعة الأشياء هى الاختلاف، كما اتسمت الحوارات المقدمة على شاشة التلفاز، وغيره بالصراع بين طرفى الحوار بشكل لم يدع مجالاً لكى نطلق عليه حواراً من الأساس، كما ظهرت التجاوزات فى حق من يكتب مقالاً يحاول فيه إظهار وجهة نظره التى لابد من احترامها، ولكن للأسف نجد الآخرين ممن يقوموا بالهجوم الحاد والعنيف على مقال كُتب من العقل، ولابد من الرد عليه بالعقل بل بالعنف والشتائم والتهم غير اللائقة. فالسؤال هو: هل نحن جميعاً نمتلك نفس الرأى ووجهة النظر؟ بالطبع لا، هل نمتلك نفس الفكر؟ بالطبع لا، هل نمتلك نفس المستوى العلمى؟ بالطبع لا، هل نمتلك نفس القدر من الخلق والتهذب؟ بالطبع لا، هل نمتلك نفس درجة الصبر وتحمل الآخر؟ بالطبع لا، هل نمتلك نفس القدرة على الحوار والنقاش الهادئ المتزن؟ بالطبع لا، هل نمتلك نفس الحُجة فى الدفاع عن آرائنا التى قد تكون صائبة أو خاطئة؟ بالطبع لا، فطبيعة الأشياء هى الاختلاف، ونحن أيضاً على قدر كبير من الاختلاف، ونصارع الحكومات وننتقضها ونعارضها حتى تسمح بالتعدد والاختلاف سواء فى الآراء أو التعدد فى الأحزاب أو غيرها، من أشكال التعدد التى هى أساس الديمقراطية والحرية. إذن لماذا نطالب الحكومات بتطبيق الديمقراطية واحترام الحرية، ونحن نحجرعلى آراء بعضنا البعض، ولا نعترف بحرية الآخر فى إبداء الرأى؟ لماذا نطالب الحكومات بالحرية، ونحن نمارس القهر على أنفسنا وعلى غيرها من ابن وطننا أو حتى الأوطان الأخرى؟ ولا نسمع لبعضنا البعض، ولا نحترم بعضنا البعض، وننسى دائماً أننا جميعاً مصريون، وأن الوطن واحد، والهدف واحد، والخطر الذى يواجهنا أيضاً واحد، كيف نطالب بسماعنا ونحن لا نريد أن نسمع رأى الآخر، ولم نتعود على سماعه ولم نؤمن به، ولم نعطيه الفرصة للحديث، بل والأدهى من ذلك، عندما نسمع رأى مخالف لرأينا، كمن يتحدث عن أو يؤيد مسئول لم نؤيده نحن، فنقوم على الفور بمهاجمته هجوماً حاداً وكأن صاحب هذا الرأى كافر أو ملحد ويستحق الإعدام شنقاً فى ميدان التحرير. إنها حقاً كارثة تواجه هذا البلد، ففى رأيى، الشعب الذى لا يجيد استخدام الحرية والديمقراطية بحدود عقلانية وأخلاقية متزنة، لا يجد طريقة إلى النور أبداً مهما حاول، بل يُدخل نفسه فى نفق مظلم ودائرة مغلقة لا يمكن الخروج منها. دعوتى فقط أتوجه بها لى ولكم للحوار البناء، دعوة لتقبل الآخر مهما اختلف معك، لاحترام الآخر مهما اختلفت معه، وللاستماع، ولعدم العنف، وعدم الحدة، وعدم التجاوز فى حق الآخر، فأنت مع الثورة أو ضد الثورة، أنت مع النظام السابق أو مع النظام القادم، أنت مع هذا المسئول أو ذاك المسئول، فكل هذا لا يهم، فالأهم أن نتذكر جميعناً أننا مصريون وأننا مع مصر فقط لا غير.