استمرت العلاقة في توتر بين التوجهات السياسية الحديثة والتيارات التي ترفع شعار الإسلام ربما علي مدي القرن العشرين بكامله. خرجت التيارات الإسلامية التي تدعو إلي الإصلاح مع نهايات القرن التاسع عشر وتبلورت كأوضح ما يكون في جماعة الإخوان المسلمين التي كان تركيزها علي عودة الخلافة الإسلامية التي انتهت بنهاية أو سقوط حكم آل عثمان في تركيا. المفارقة أن سقوط الخلافة العثمانية ساهم فيه أصحاب التيارات السياسية الحديثة من قوميين واشتراكيين بتعاونهم مع الغرب الذي استهدف القضاء علي رجل أوروبا المريض. وكانت الغلبة للقوميين في المرحلة اللاحقة في النصف الثاني من القرن العشرين من خلال الثورات والانقلابات التي تمت في العديد من الدول العربية مما عرقل مسيرة الإسلام السياسي لتولي الحكم وجعل هذه التيارات في صدام مع أنظمة الحكم التي في الغالب كانت لعسكريين. وما بين الفريقين تيارات الإصلاح الديني وتيارات القومية والاشتراكية استنزفت الدول العربية وتأخرت كثيرا وأجهدت الشعوب في الصراعات بين الطرفين حتي جاءت الحركات الثورية الأخيرة لتقلب الأوضاع ويتصدر الإسلاميون المشهد في تجربة غير مسبوقة في عالمنا العربي الذي عاش عقودا علي نغمة القومية والوحدة العربية..الخلاف بين الجانبين واقع وملموس ،الإسلاميون يؤمنون بأن الإسلام هو جوهر وأصل وحدة الأمة العربية وغيرها من الأمم الإسلامية التي كانت جميعها تخضع للخلافة وهو ما يجب أن يعود مرة أخري بينما يري القوميون أن الإسلام هو نتاج العروبة . كان الخلاف بين الجانبين نظريا في البداية فلا مجال لتغيير الأنظمة وتولي أي منهما السلطة في ظل الخلافة وفي ظل النظم الملكية لكن الخلاف تحول إلي صراع دام بينهما بمجرد أن نجح طرف وهو القوميون الثوريون في تولي الحكم في عدد من الدول العربية وهو ما جعل الإسلاميين يتوارون من المشهد ومن المرجح أن مكانهم كان السجون. القومية تناسب توجهات وهوي الليبراليين والاشتراكيين ولكن يرفضها الإسلاميون ولما جاء عام 2011 بحركاته الثورية انقلبت الموازين وأطاحت الشعوب بحكامها من التيار الأول ليقر الجميع بمبدأ الاختيار الديمقراطي. في الأصل كان الإسلاميون يرفضون هذا المبدأ ولو من حيث الشكل أي أن الديمقراطية في نظرهم بدعة غربية لا يجب الأخذ بها وكذلك الانتخابات بينما توجد الشوري في الإسلام وهو ما يجب أن نتعامل به كمجتمع إسلامي. ولكن المجتمعات الحديثة التي تأخذ بالمدنية لا تقبل الكثير مما يسعي الإسلاميون لتطبيقه بما في ذلك المجتمع المصري لكن لهفة الإسلاميين علي الحكم جعلتهم يتنازلون عن كثير مما كانوا يتمسكون به .. وجود الإسلاميين علي كراسي الحكم ينفي عنهم القداسة والتنزيه الديني فهم مجرد نواب أو وزراء وهذا يعطي الفرصة للناس لمحاسبتهم بعيدا عن التوشح بعباءة الدين لكن: هل يعني حلول دور الإسلاميين في تولي الحكم , نهاية الإيمان بالقومية العربية؟ هل نشهد كتابة جديدة للتاريخ يلعن فيها ما يسمي بالقومية؟.