الفوز الكبير لحركة النهضة التونسية ربما يكون مقدمة لتكرار نتائج الانتخابات التونسية في البلدان التي عاشت ربيع الثورات العربية، التصريحات الصادرة عن قيادات القوي الإسلامية بعد نتائجهم المبهرة التي أسفر عنها فرز صناديق الانتخابات تؤكد أنهم تعلموا الدرس جيدا، من تجربة جبهة الإنقاذ في الجزائر، التي انتهت بعودة الحكم العسكري للسلطة، تصريحات التوانسة حملت الطمأنينة للداخل والخارج ، قالوا إنهم يتمسكون بالوسطية والاعتدال، والمساواة بين الرجل والمرأة والدفاع عن حقوق المواطنة، كما قاموا قبل وبعد الانتخابات بالانفتاح علي بقية الأحزاب والتيارات السياسية، ويعملون حاليا علي إقامة حكومة شراكة وطنية، علي اعتبار استحالة أن يستطيع حزب أو تيار بمفرده التصدي للمشاكل والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، قاموا أيضا بالتحاور مع القوي الأخري، والتوافق علي القضايا الخلافية، أهم إنجازات التجربة التونسية التأكيد علي إمكانية إيجاد قواسم مشتركة بين الإسلام والحداثة، وأن ثورات الربيع العربي تقدم لأول مرة فرصة تاريخية ربما لن تتكرر ، لبناء أنظمة تجمع بين الإسلام والديمقراطية، جريدة لوموند الفرنسية تساءلت لماذا نفصل بين الديمقراطية والإسلام؟ نظرة الغرب تغيرت ، أصبح بمقدورهم القبول بأنظمة يسيطر عليها الإسلاميون ، والاتصالات العلنية والسرية بين معظم القوي الجديدة والصاعدة في دول الربيع العربي تؤكد أن مصلحة الغرب تحتم عليهم التعامل من خلال منطلقات جديدة، تستبعد فزاعة القوي الدينية التي صنعتها الأنظمة الاستبدادية لضمان انفرادهم بالحكم ، وتفهم عدم قبول الشعوب العربية للسيادة المنقوصة ، وسياسات الهيمنة، لكن هل تستمر حالة التفاؤل بالربيع الإسلامي التي أفرزتها التجربة التونسية؟ ربما يحسم الإجابة المشهد المصري، عندما تنتهي مرحلته الانتقالية، ويتم انتخاب مجلسي الشعب والشوري ووضع الدستور ، وهو مشهد ملبد بالغيوم والضباب، لدرجة يستحيل معها التنبؤ بمستقبل المنطقة بالكامل، الشيء المؤكد أن التجربة المصرية لم تعد تحتمل سوي أمرين، بناء دولة ديمقراطية حديثة ذات مرجعية إسلامية ، أو تحول قوي الثورة والتغيير وغيرهم ممن يتصدرون المشهد الحالي إلي أدوات تستخدمها القوي المعادية للتخريب والتفتيت ونهاية مشروع الدولة القوية الحديثة التي بدأت بثورة الشعب المصري وتنصيب محمد علي ، وبعد سنوات طويلة من النضال والكفاح والبناء ، تقف هذه الدولة في مفترق طرق ، إما أن تكون ، أو لاتكون.