الوقوف في طابور الانتخابات متعة حقيقية، شفت وسمعت الناس العاديين اللي أنا منهم وهم يتكلمون في السياسة وفي حقهم الانتخابي وحبهم لمصر بدون غرض رئاسي أو نيابي وما أسعدني الأدعية التي يكررها البعض لنصرة مصر بين الحين والآخر.... كانت تقف خلفي في ذلك الطابور الذي امتد الوقوف فيه لأكثر من ساعتين وهي تقول لاحدي صديقاتها: أعترف إنني واحدة من حزب الكنبة الذي لم يذهب للميدان لا في ثورة 25 يناير ولا في الثورة الثانية التي أطاحت بالوزارة كنت أجلس في البيت وانتقد ما يحدث من خلال مشاهدتي لما يحدث علي شاشة التليفزيون ولما جاء موعد الانتخاب قلت لنفسي : هذا هو التوقيت الحقيقي للتعبير عن رأيي، يجب أن يكون لي موقف ايجابي، ردت عليها صديقتها : لازم نكون ايجابيات نحو مصر وردت امرأة في الخمسينات مصر غالية قوي ولازم نختار من يستطيع تحمل المسئولية، وجاء صوت امرأة من طابور مجاور تسأل بكل عفوية : هل أحد منكن تستطيع أن تساعدني في الاختيار فأنا لا أعرف من انتخب؟! وأي حزب أختار؟ وجاءت أصوات متداخلة كل واحدة اقترحت حزب أو كتله شارحة أسباب اختيارها، ثم قطعت حوار هؤلاء النسوة امرأة ريفية ممسكة بورقة مكتوب عليها رقم لجنتها ورقم اسمها في كشف الانتخابات متسائله: هل يعرف أحد رقم لجنتي وأشارت برقمها الموجود في الورقة الملفوفة بين يديها ولمحت رموز مكتوبة في الورقة فأدركت أن هذه المرأة لا تعرف القراءة ورغم ذلك جاءت لتدلي بصوتها عن طريق الرموز، هذا الزحام والإصرار علي المشاركة في الانتخابات أثبت أن شعب مصر استطاع أن يمارس الديمقراطية في اصدق صورها دون أي شعارات،أو تلقين،أو شرح وتوضيح، تجربة الانتخابات التي عايشتها لأول مرة في حياتي، أضاءت نور جديد في حياة المصريين الذين استيقظ بداخلهم هذا الشعور بالانتماء الوطني الذي كان غائبا عنا لسنوات طويلة، ومن أجمل الأشياء عدم التحيز لتيار بعينه وكأن البعض يؤمن بداخله بحرية العقيدة بدون المناداة بالدولة المدنية، لقد عاشت مصر في تجربة انتخابية رائعة بعد الثورة، بممارسة ديمقراطية تلقائية في دولة مدنية دون شعارات ومسميات وصرخات من جانب أصحاب الأطماع في كرسي للرياسة أو مقعد تحت القبة.