أحمد الله ان من سماتي الصفح والتجاوز عن الاساءة، فقلبي لا يحمل حقدا لأحد، وليس عندي أي اصرار علي الانتقام من المسيء أبدا، فقط أجتنبه وأضعه علي هامش حياتي، لا أتحدث إليه ولا أتعامل معه، وأعاتب في حالات محددة، إذا كان المخطئ في حقي قد أخطأ بحسن نية، أو له عندي رصيد من الحب يسمح له بالتجاوز والغفران، أو أن معدنه أصيل والعتاب معه سيكون درسا لعدم تكرار الخطأ، أما ما دون ذلك فلا أتحدث معه، وأتجنبه تماما، فلا كلام مع أحمق ولا شرير ولا حاقد، ولا قاسي القلب، ولا من لا يعرف الواجب، لكنني في نفس الوقت لا أنتقم من أحد، وأتركه للأيام والزمن، فهي كفيلة بكشفه أمام غيري من الناس حتي يدرك موقفه، فإما ان يصحح سلوكه، أو يصر علي الاساءة والخطأ فيصبح »منبوذا« من الجميع لا يحترمه أحد. لقد وصف الله سبحانه وتعالي نفسه بالعفو، فقال عز من قائل: »فتاب عليكم وعفا عنكم«، بل ويمدح »سبحانه وتعالي« ويثني علي المتصفين بالعفو المتحلين به، فيقول »جل شأنه«: »والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس«.. وفي تقديري أيضا ان الذين يجب أن تنطبق عليهم شروط العفو ان يكونوا أهلا لذلك، فلا أحب ان أكون »مغفلا« وأصنع المعروف في غير أهله، فذلك يزيد الأشرار والحاقدين والحمقي اصرارا علي تكرار الاساءة لأنهم لم يجدوا من يردعهم، وإذا كان الله سبحانه وتعالي عفوا كريما علي عباده، بل وأمر رسوله الكريم »صلي الله عليه وسلم« ان يتحلي بهما: »خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين«، فمعني ذلك ان هؤلاء الجاهلين الذين لا يعرفون الواجب تجاه الآخرين يجب ان تكون لنا وقفة معهم، حتي لا يظنوا ان الإنسان الطيب يمكن ان يكون لقمة سائغة في أفواههم! ويحضرني هنا قول الشاعر: إذا أكرمت »الكريم« ملكته.. وإذا أكرمت »اللئيم« تمردا، فلقد كرم الله »سبحانه وتعالي« الإنسان وفضله علي سائر المخلوقات، وخلقه طيبا علي فطرته، ولكن البيئة والتربية تلعبان دورا كبيرا في تشكيل سلوك الإنسان، ومن المحزن فعلا ان نري آخرين يعيشون بيننا، لكنهم مصابون بكل الأمراض الاجتماعية من غش وكذب وجفاء وخداع وخبث، وحقوق الآخرين من ضحاياهم يجب ألا تضيع أبدا، نتجاهلهم نعم، ننتقم منهم ونخطط لإيذائهم والغدر بهم لا وألف لا، وإلا كنا مثلهم متآمرين وأشرارا وذلك يمثل أيضا سلوكا غير حضاري.