ترتفع بين الحين والآخر نغمة نشاز تشق نقاء الثورة وتكتم أنفاس الحرية، نغمة ترتفع من بين بعض التيارات السياسية المتعجلة لتولي الحكم والتي لا تطيق صبرا معتقدة أن السلطة دانت لها، نغمة تهديد وتخويف : إن لم تفصلوا لنا قانون الانتخابات بالقائمة النسبية: مستعدون لحشد الملايين وتقديم الشهداء.. إلخ. نغمة تثير الاشمئزاز في وقت يفترض فيه أن يتوافق الجميع وأن يقدر كل طرف ظروف الدولة وظروف الأطراف الأخري، لا أن يستقوي بالمليونيات التي في الواقع لا تزيد عن »الآلافات«. كنت أحسب أن العسكريين لا يطيقون الرأي الآخر ولا يعتنقون الديمقراطية، ولكني أحسدهم الآن لنفسهم الطويل وسعة صدرهم في مواجهة أطراف سياسية عديدة لا يهم أي منها إلا الحصول علي أكبر قدر من المكاسب الخاصة بغض النظر عن المصلحة العليا للوطن . تيارات وأحزاب تكرس كل طاقتها وجهودها لحصد المكاسب والمنافع بدون الالتفات لما قد يضر الآخرين، أنا ومن بعدي الطوفان، لا يقدرون أحوال الدولة وانهماك المجلس العسكري في العديد من القضايا من مظاهرات فئوية، لأحوال الاقتصاد السلبية، للانفلات الأمني وانتشار البلطجة، بخلاف العيون اليقظة علي حدود مصر في الوقت الذي تشتعل فيه المنطقة بكل ما هو متوقع وما هو غير متوقع. يشغل البال، الانتخابات البرلمانية القادمة، هل الفردي أو القائمة ؟ مطالب عديدة لأحزاب ما يسمي التحالف، كتلة تضم حوالي 35 حزبا تزمجر في وجه المجلس العسكري، تصدر تهديدات بالمليونيات وبالاستشهاد في سبيل البرلمان، يرون أن ذلك جهادا، صارت السياسة والمصالح جهادا في سبيل الله، علينا أن نفسح الطريق للقائمة الانتخابية أو تشهد مصر جهادا بالأرواح بجانب المال والرجال . تخويف المجلس العسكري لا يخوف أحدا فالمجلس عنوان الرجولة وصنيعة مصنع الرجال قواتنا المسلحة وليس المجلس العسكري الذي يخاف لو قال له الجماعة إياهم "بخ "، فالرجال الحقيقيون لا يخافون وإنما يتصدون للمهددين من أجل مصر، والذين يهددون هم الخائفون من الهزيمة ومن الانكشاف ومن تحديد حجمهم الحقيقي في الشارع السياسي في انتخابات حرة نزيهة، بل إن أطرافا سياسية عديدة تخشي من البلطجة التي سيتبعها المهددون الاستشهاديون، فإذا كانوا يجترئون علي المجلس العسكري صاحب الشرعية والسلطة والقوة، فكيف يكون سلوكهم مع مواطنين عزل يذهبون إلي صناديق الانتخابات؟!! . لقد ادعي بعض الأحزاب القديمة أنهم أصحاب الأغلبية في الشارع السياسي وأن تاريخهم يجعلهم بسهولة يتولون الحكم لو أن الحزب الوطني لم يكن موجودا، وهاهو الحزب الوطني اختفي من الوجود، ومع ذلك يخشي الجماعة والحزب القديم المشارك في الزعامة حاليا من أشباح الماضي وعفاريت الفلول ويتصرفون مثل التلميذ البليد، لا يجتهد للمشاركة الفعالة ولا يشارك في المناقشات وإنما حجته مسح التختة. لقد طالت حبال الصبر عند المجلس العسكري، ولا تقل لي إن واجبه أن يتحمل، لأننا جميعا يجب أن نتحمل ويجب أن نتعاون لتسيير وتعويم البلد لا أن ننتهز الفرص ونهدد المجلس الذي لم يطلب لنفسه أي شئ ودائما ما يؤكد رغبته في ترك السلطة في أقرب وقت. لقد استجاب المجلس كثيرا لمطالب القوي السياسية، فلماذا يطلب منه أن يستجيب لكل شئ، هل انتهازية القوي السياسية تجعلها تكرر وتلح في الطلب معتقدة أن علي رأسها ريشة ؟ ألا يوجد في البلد غيركم. إنني أطالب المجلس العسكري بأن يستضيف كل القوي والأحزاب الأخري، ولا يكتفي بالاستماع للتحالف والكتلة فهناك آخرون لهم نفس الحقوق.