هذه القصة يمكن أن تقتلك إذا قرأتها .. ولكنه نوعُ ُ من القتل غير المجرَّم .. أو " القتل المبرر "، أو فلتسمها كما تشاء .. إنها عنوانُ ُ كبير لضرب مصر اقتصاديا وفي مقتل، ومصادرة ثرواتها لاسترضاء الفساد، والنزول علي إرادة المفسدين . بدأت القصة بتمكن حكومة الدكتور كمال الجنزوري من إعداد دراسة جدوي ناجحة تؤكد وجود الحديد بكميات وفيرة، وعلي مسافات قريبة من سطح الأرض في أسوان .وزف الرجل النبأ لرئيسه مبارك، الذي دعا وعلي الملأ المستثمرين من شتي أنحاء العالم للمجيء لمصر، واستخراج الحديد من أسوان . دراسة جدوي الجنزوري أكدت أن مصر ستدخل عصرا جديدا .. صناعات ثقيلة .. أسعار محلية معقولة .. صادرات تغطي الشرق الأوسط .. صادرات أخري للعالم .. عملات أجنبية تُضخ لخزينة الدولة .. يعني مشروعا استراتيجيا عملاقا بكل ما تعنيه الكلمة . دراسات حكومة الجنزوري أكدت وجود احتياطيات لخام الحديد في منطقة العلاقي، جنوب شرق مدينة أسوان، تقدر بنحو 420 مليون طن لمدة تزيد علي 20 عاما. ليتهم ما جاءوا !! وجاء المستثمرون، وكانت هناك عدة عروض محلية وأجنبية، ووقع الاختيار علي مصريين عاشا نصف عمرهما في العالم، وجمعا ثروتيهما في الخارج، ثم أرادا العودة بأموالهما إلي مصر .. الدكتور محمد شيمي الذي انتقل إلي رحاب الله منذ أيام وصهره محمد بهجت، وقبل أي شيء، فرضت حكومة الجنزوري علي الرجلين دفع 12 مليون جنيه لهيئة المساحة الجيولوجية ومعهد الفلزات بالتبين كمقابل ما قامت به الحكومة بدراسات جدوي وأبحاث تم من خلالها تأكيد وجود الحديد . ورضخ الرجلان، ثم أسسا شركة "حديد أسوان " في عام 1998بعد أن حصلا علي حق الانتفاع، وبدأت الشركة في عمل دراسة جدوي أخري، وتعاقدا ومن خلال موافقات رسمية حكومية مع شركة " مانزمان ديماج " الألمانية علي توريد المصنع، وشرعا في بناء مدينة سكنية للعمال، ومزرعة لتوفير الغذاء الحيواني والنباتي لهم، ودفعا مقدم تعاقد للشركة الألمانية قدره 28 مليون مارك ألماني وبتحويل مصرفي رسمي وتصديق من الغرفة التجارية الألمانية علي العقود الموثقة بين الشركتين . بعد ذلك، افتتح مبارك المصنع، وأُلتقطت له الصور وهو يركب عربة صغيرة متطورة، تنقل بها بين أرجاء المصنع . علي فكرة دفع المستثمران 4 ملايين جنيه مقابل رصف طريق فُرِضَ عليهم قبيل الزيارة، ولم يستخدمه مبارك . واعتبرت اللجنة الوزارية للمشروعات القومية برئاسة د. كمال الجنزوري - آنذاك - ان هذا المشروع يجب ان يكون نموذجا لتشجيع مشروعات القطاع الخاص العملاقة فجاءت الموافقات سريعة ومشجعة . وتم منح الشركة مساحة امتياز قدرها 0482 كيلومترا مربعا مع الالتزام باستخراج وتصنيع الحديد من جنوباسوان لمدة 52 عاما علي ان تحصل وزارة الصناعة علي نسبة 05٪ من الانتاج لطرحها بالأسواق المحلية.. وتبلغ تكلفة انشاء المصانع والمستعمرة والمزرعة حوالي 3 مليارات، ستضخ من خلال انضمام المزيد من المستثمرين للشركة المؤسسة التي حصلت علي حق الانتفاع . وبالفعل فبعد أن تأكدت من الجدوي الاقتصادية للمشروع من كبريات المؤسسات المالية التي تمثل شراكة عالمية تكونت بين القطاع الخاص المصري ممثلا في شركة أسوان للحديد والصلب ومستثمرين دوليين من بينهم شركات:" يو اس ستيل " الأمريكية، و" مانزمان " الألمانية، و »بوميني« الإيطالية، و" واس جليك " الفرنسية . وتسابقت4 بنوك عالمية علي تمويل مشروع الحديد واستقر الاختيار وتم توقيع العقود لاستكمال التمويل بين شركة أسوان للحديد والصلب مع " بنك شنغهاي هونج كونج " وهو بنك انجليزي دولي، وبلغت قيمة عقد تمويل المشروع من خلال قرض قيمته 024 مليون دولار. مؤامرة عاطف عبيد !! وجاء تعيين عاطف عبيد، والذي كان قد تردد طلبه لأسهم مجانية في الشركة ورفضت إبان كان وزيرا لقطاع الأعمال، وأجبر الشركة علي قبول مشاركة المال العام بنسبة في المشروع، حاولوا الرفض، ولكنهم قبلوا علي مضض في النهاية، أو اضطروا . ومن ثم دخل بنك الاستثمار القومي ب 9٪ ومصر للتأمين ب 5 ٪ .ولم يدر المستثمران " الغلابة " أن دخول المال العام، كان وسيلة عبيد وبطانة السوء القريبة من مبارك، لنزع المشروع من أيديهما، باتهامهما فيما بعد بالاستيلاء علي المال العام . في البداية خرج وزير الصناعة مصطفي الرفاعي، وفي " أخبار اليوم " ليقول لا يوجد حديد في أسوان والمشروع وهمي، فاضطر بهجت وشيمي إلي نشر دراسات الجدوي بالصحف المستقلة . ثم ظهر مبارك في معرض الكتاب يتحدث مع الصحفيين حول الهاربين بأموال القروض " أزمة الساعة آنذاك " وقال من بين ما قاله : " وحتي الناس بتوع حديد أسوان عايزين ياخدوا قروض من البنوك المصرية .. هي الناس هتجيب ولا حتاخد " . وهنا بدأ بهجت وشيمي يشمان رائحة مؤامرة علي المشروع الذي كان قد وضعا فيه حتي ذلك الوقت 116 مليون جنيه، فأرادا توصيل رسالة للرئيس بأنهما لم يطلبا قروضا من أي بنوك مصرية، ونشرا النفي بصحيفة " العالم اليوم "، فذهب به عبيد لمبارك وقال له : بيكذبوك يا ريس " ! زوار الفجر وصلوا !! ولم يمض يومان، حتي فوجئ بهجت وشيمي بقوات أمنية هائلة تقتحم منزليهما، وتعتقلهما، وكل ما في المنزل من أوراق ومستندات، وكذلك مقر الشركة، ومصادرة كل ما فيها من أوراق ومستندات . ثم أحيل المتهمران " المستثمران " إلي محكمة أمن الدولة "دائرة 9 " عابدين، بتهمة اختلاس مبلغ 28 مليون مارك ألماني، لم تدفع كمقدمة عقد للشركة، رغم وجود مستندات البراءة أكثر من دامغة لم تلتفت إليها المحكمة، وحكم علي بهجت بالسجن 15 عاما، وشيمي 10 سنوات، والغرامة 116 مليون جنيه !! ثم نقض الحكم أمام النقض .. وأعيدت المحاكمة من جديد .. فصدر حكم بالبراءة .. وسجل رئيس المحكمة في حيثياته إدانته لمن قاموا بإعداد أو بتلفيق هذه القضية وما سببوه من خسارة للاقتصاد القومي .. ولكن لا حياة لمن تنادي .. وتم الافراج عن المتهمين بعد 3 سنوات أمضوها في السجن ظلماً .. بينما استمر ملفقو القضية في الحكم يمارسون سلطاتهم بلا حساب. وفي النقض تمت تبرئة المستثمرين، وجاء في الحيثيات أن المحكمة التي حبستهما " لم تلتفت إلي مستندات البراءة " . ولكن لم يعودا إلي المصنع الذي أُغلق ب " الضبة والمفتاح "، وراحت أموالهما، ولم يعد هناك أي حديث عن ثروات مصر المدفونة تحت أرض أسوان . محيي الدين وحديد عز !! وبعد سنوات طويلة، وبالتحديد في شهر أغسطس عام 2010 كشف اللواء مصطفي السيد محافظ أسوان، أن الدكتور محمود محيي الدين، وزير الاستثمار، طلب ملف مشروع مصنع حديد أسوان لدراسته وإعادة طرحه علي المستثمرين. وقال السيد: إن وزارة الاستثمار ستقوم بدراسة وتسويق المشروع علي المستثمرين المحليين والأجانب، مشيرا إلي " أن هناك مقترحين بشأن إعادة استغلال المشروع كمصنع أو كمنجم ". والآن هل آن الأوان لفتح ملف حديد أسوان حتي تستفيد مصر من ثرواتها التي صادرها الفساد طويلا. سؤال إلي شرفاء الوطن.