السؤال المطروح ويعرف المختصون إجابته لمن يتجه الخطاب السياسي التركي في هذا التوقيت تحديدا؟. قرارات بخفض التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل وتعليق العلاقات العسكرية والتجارية الرسمية معها. القرارات جاءت بعد إعلان تقرير بالمر ورفض إسرائيل الاعتذار عن مقتل أتراك في حادث سفينة الحرية. وجدت القرارات التركية صدي شعبيا إيجابيا لدي الشارع العربي , خاصة أنها تأتي في وقت تتوالي فيه الثورات العربية وتتجه مصائرها للتحديد بصورة أكبر، وفي نفس الوقت تزامنت قرارات تركيا مع الأزمة المصرية مع إسرائيل بعد استشهاد ضابط وأربعة جنود علي الحدود. فقد اختلف التعامل التركي عن التعامل المصري، ورغم اختلاف الظروف والمعطيات، إلا أن البسطاء من المواطنين في مصر والدول العربية عقدوا المقارنات بإيحاء أن رد الفعل التركي علي إسرائيل هو الرد الذي تفضله الجماهير باعتبارها تتعامل مع المسائل السياسية أكثر مما تعامل بمدارك احترافية.جاء رد الفعل التركي بعد حوالي سنة من حادث السفينة وبعد أن رفضت إسرائيل الاعتذار وهو ما اعتبرته تركيا غير مقبول . ولكن رد الفعل التركي كان مطلوبا في هذا التوقيت وبعده بناء علي مرتكزات السياسة التركية التي يصوغها وينفذها حزب أردوغان والتي تنطلق من »تصفير« المشاكل مع دول الجوار العربية واعتبارها المجال الحيوي للسياسة التركية التي تعوض من خلالها غياب دورها عن المنطقة لسنوات طويلة وفي نفس الوقت لتعويض تعطل جبهتها الغربية المتمثلة في محاولة انضمامها للاتحاد الأوروبي وهو الهدف التي فشلت تركيا طويلا في تحقيقه، فرغم ضم الاتحاد الأوروبي 27 دولة، إلا أن طلب تركيا كان دائما ما يرفض. تجد تركيا أمامها فرصة كبيرة في مجال حيوي يحيط بها ويتقبله تماما خاصة لو كان يرأس حكومتها شخص مثل أردوغان الذي يبدو أنه يعرف تماما سيكولوجية المواطن العربي التي تعشق العنترية، لذلك سرعان ما شغل أردوغان مكانة كبيرة لدي المواطن العربي الذي تمني لو أنه كان لديه زعيم مثل أردوغان. ولو تمعنا في السياسة التركية تجاه المنطقة العربية لوجدنا طموحا في عودة الدور التركي الذي يطلق عليه البعض الدور العثماني نظرا لاستمرار ذاك الدور لقرون طويلة حاكما للعالم العربي، وهو أمر لا ننكره علي الأتراك الذين يبحثون عن مصالح بلادهم بوعي، لكن التفسير السياسي والتوضيح للعامة أمر ضروري، فالبعض مؤخرا طالب مصر بإجراءات معينة تجاه إسرائيل - لا ننكرها عليهم - علي غرار الإجراءات التركية، وإذا كانت تركيا قد علقت الاتفاقات العسكرية والتجارية مع إسرائيل، إلا أنها لم تتدخل في الاتفاقات التي تعقدها شركات القطاع الخاص وهي بالمليارات!. كما أن تعليق الاتفاقيات لا يعني قطع العلاقات، فهو إجراء تكتيكي للأتراك في فترة يتجه فيها الدور التركي إلي الدول العربية فيخاطب عواطفهم وتوجهاتهم خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تضعف أمامها عواطف العرب. وأذكر هنا أن تركيا رغم الاجتياح الإسرائيلي الوحشي لغزة، فهي لم تعلق أو تقطع العلاقات مع إسرائيل، فعلاقات تركيا مع إسرائيل علاقات استراتيجية، ولكن المكاسب العربية الآن أفضل فبعد الثورات سيتجول أردوغان وأركان حكومته لعقد الاتفاقيات وتحقيق الاستثمارات وبعد ذلك يمكن النظر في عودة العلاقات مع إسرائيل، ويربح الأتراك الجولة كاملة.