هذا عصر الشعوب ما عاد لحكام ولا زعامات فهذا تاريخ وانطوي عندما كان يؤرخ من حاكم لحاكم واليوم التاريخ هو الشعوب، فحكام هذا العصر مارة علي طريق الزمن، والاستبداد والسلطوية والاستئثار بالحكم ولت عهودها بغير رجعة وفي هذا محط الاجماع وائتلاف رأي الامة بكل اطيافها، واما في غير ذلك فلتختلفوا ما شاء لكم ... بغصة قرأت التعليق التالي لصحيفة نيويورك تايمز علي رد الفعل القوي والغضبة الشديدة للرأي العام في مصرعلي ما اقترفته اسرائيل من قتل رجال الامن المصريين بداخل حدودنا في سيناء، علقت الصحيفة بهذا النص: "بازاحة الحكم المستبد موثوق الولاء " dependably loyal the تكون الثورة في مصر قد أزالت "حصنا" لاسرائيل في المنطقة bulwark وانما الذي يحز في نفوسنا نحن يا مصريين كلمة "الولاء" هذه.. ولاء لمن ؟ للأسف الشديد تعني ما لا يحتاج لتفسير .. ثم وذكرت الصحيفة الامريكية الكبري أن موجة الغضب العارم امام السفارة الاسرائيلية في القاهرة ادت الي صدور هذا "البيان النادر" الذي يعبر عن "الاسف" لما وقع بتعبير الصحيفة .. لعل القاريء يلاحظ أن تعبير ( البيان النادر) يفهم منه أن اسرائيل ما اعتادت ان تواجه بمثل هذا النحو الذي يضطرها الاعلان عن الأسف ناهيك عن الاعتذار! واقع الامر، لا الولاياتالمتحدة ولا اسرائيل بالطبع أرادا او استهدفا قيام ديموقراطية حقيقية في مصرو لا في اي دولة من هذه المنطقة، بما يعني ان الدفع الثوري بالمنطقة هو ما جعل الادارات الامريكية تتخلي عن الحكام المستبدين الذين تولت حمايتهم و دعمهم علي مدي عقود حتي أجبرها الواقع وأحداثه أن تتحول بتأييدها من الحكام المستبدين الي الشعوب الثائرة ... حدث ذلك بدءا من صدام حسين الي بن علي الي مبارك الي صالح الي القذافي و هذا حتي الآن و ... وبيقين لابد واجهزة عدة مخابرات تنظر الآن نظرة الريبة والتوجس الي مقدرات الديموقراطية البازغة في المنطقة وعلي اي نحو ترسو وفي أي شط تركن بل ربما تتحسر علي عهود ما كان من "ولاء موثوق به " علي حد تعبير الصحيفة الامريكية . اعتادت اسرائيل ان تتعامل بجبروت عندما يكون لها ضحايا بأي نحو، فبئس العالم والبشرية أجمعين والجاني الاثيم يذهب علي يديها الي الجحيم في هذه الدنيا دون انتظار للآخرة، ولابد ويدفع الثمن مضاعفا ... انما ماذا يحدث عندما تكون الدولة العبرية هي الجاني والمعتدي الاثيم لنروي هنا واقعتين لهما أكبر دلالة ويشهدان بأفصح لسان. عندما تجرم هذه واحدة ..وعندما تكون صاحبة حق فهذه نقرة أخري ! في نحو منتصف التسعينيات انكشف الغطاء عن واقعة في منتهي الخسة و الدناءة بل تعتبر سبة وتهمة شنعاء ما بعدها من مثيل في سجل الدول ربما لم يحدث لها مثيل في تاريخ العسكرية في العصر الحديث، وهذا عندما عرف لأول مرة عن واقعة حدثت بعد حرب يونيو عام 1967 .. واقعة قتل أسري مصريين من كتيبة عسكرية بأوامر قيادات عسكرية اسرائيلية فقتلوا بدم بارد وهم عزل من السلاح ودفنوا في صحراء سيناء... هذا الفعل يعتبر في العرف العسكري جرما شائنا بل وأندل موقف يمكن أن يلحق بشرف الجيوش يمرمط بسمعتها الارض، ذلك وفق الاعراف والتقاليد العسكرية والقوانين الدولية سواء... الكارثة الاكبر ان الاسرائيليين لم ينكروا، فمن كشف الستار عن هذه الجريمة الخسيسة كانوا اسرائيليين وبعدها تناثرت تفاصيل شتي حول تلك العملية البشعة وتوالت منذ ذلك الحين، من بينها ما خرج من دائرة البحرية الامريكية ممن نجوا في حادث اغراق الاسرائيليين للبارجة العسكرية ليبرتي في البحر الأبيض خلال تلك المرحلة من حرب 67 .. البارجة تنصتت وسجلت بين ما سجلته عملية قتل الاسري المصريين.. للعلم الكونجرس الامريكي منع نشر وثائق التحقيقات في هذا الحادث حتي الآن رغم مرور أكثر من أربعين عاما بينما الوثائق يفرج عنها بعد خمسة وعشرين عاما. فماذا فعلنا نحن عندما انكشف الامر؟ زمجرت المقالات واشتعلنا غضبا وحماسا وربما طالبناهم بالتحقيق ثم؟ لاشيء.. نام الموضوع منذ انكشافه في منتصف التسعينيات ... أذكر أن شيمون بيريز عقد في نحو تلك الفترة من منتصف التسعينيات مؤتمرا صحفيا بواشنطون وكان رئيسا للوزراء، فوجهت اليه سؤالا عما تم في الموضوع.. كان وازعي من السؤال أنه بالقليل سيؤدي ان يعرف الحضور جانبا يجهلونه اذ لم ينشر عن تلك الواقعة شيء في الصحف الامريكية...أجابني الثعلب بكل نعومة وثقة مؤكدا أمام الجميع انه امر بتشكيل لجنة عسكرية برئاسة الجنرال فلان ومن أعضائها علان وترتان وسيقدمون اليه تقريرهم بعد انتهاء التحقيق.. هل تابعنا ذلك التحقيق أو بلغنا بنتيجته ؟ .. تري ماذا عساه يكون لو كنا نحن يا مصريين من قام بقتل أسري اسرائيليين عزل ؟ بالقليل كانوا يمرمطوا بسمعتنا الارض ويجعلوا منها فضيحة مدوية ورواية مزرية وتحكي بين العالمين. لا تظنوا ان مرورالسنين يطوي ضمن ما يطويه حقوق الشعوب، وأن ما فات قد مات والحق قد ولي - فكلما تابعنا همة اسرائيل التي لا تكل ولا تمل ولا تزول عندما تطارد بلا هوادة ما تري انه حقها أو لتنال القصاص، سندرك عندئذ ما يفرق بين الغضب الذي يخمد بعد حين والحماس الذي يتبخرمع الوقت، وبين الاصرار والمثابرة وصولا الي هدف في صميم ثم ... فارق آخر بين من يتحرك بنحو أهوج بدافع تنفيس عن غضب عارم بلا تمعن أو تفكيربما قد يؤدي الي هدية تقع في حجر عدو، وبين من يتحرك بتدبير وتأن وتخطيط وهدف فيحقق غرضه في صميم.. في النصف الثاني من التسعينيات صدر حكم دولي لصالح اسرائيل في قضية تعود وقائعها الي الاربعينيات ، رفعتها اسرائيل ضد الحكومة السويسرية متهمة اياها برفض استقبال لاجئين يهود هاربين من الحكم النازي .. وبضغط من الرأي العام العالمي بقيادة أمريكا تشكلت لجنة دولية ظلت تزاول أبحاثها مدة ثلاث سنوات اكتشفت خلالها مئات الأرصدة المالية ليهود نايمة منذ ذلك الحين في البنوك السويسرية ... هذه السطور لمجرد العبرة والتذكرة بأننا أيضا لا ننسي ولا نغفر بدون قصاص عادل ونيل الحقوق بالطرق المشروعة حتي لا نقع في المحظور .. نرجوكم التخطيط قبل الفعل ثم ومثابرة مع تصميم هذا هو المطلوب الآن. نرجوكم التفكير بعقل بارد وبالحسابات.