كل ليلة .. أغمض عيني وأنام، أبحر من فوق فراشي علي ظهر مركب خشبي صغير عابر للمحيطات، اسمع صوت تلاطم الأمواج. فأغمض عيني وأنام، تسبح أفكاري عائمة بين الحاضر والماضي وصورة باهتة لوجوه لا أعرفها، يطفو جسدي محلقا بعيدا عن الفراش، استيقظ لحظة،أتحسس جسدي، أجده خاليا من أي بلل، فأغمض عيني وأنام، يتكرر المشهد وسماع صوت الأمواج المتلاطمة فأجذب الغطاء من جديد فوق رأسي وأنام، وحين أشعر بالاختناق أنفض الغطاء عن جسدي وأغمض عيني وأنام، تهاجمني علي غفوة رعشة هواء هاربة من بين ضلفتي نافذتي غرفتي المواربة، فأجذب الغطاء مرة ثانية وأغمض عيني وأنام، تطفو في مخيلتي طفلة صغيرة تبحث عن ثدي أمها لصورة باهتة غير واضحة الملامح، أحدق في الظلام وأغمض عيني وأنام، اتحسس دورق المياه الكائن في صمت بجواري أبلل شفتي الجافة، فيهدأ اضطرابي، تسقط المياه في جوفي محدثة صوتا يوقظني من غفوة النوم، أنهض من فراشي وأجلس علي حافة السرير أتحسس جسدي المرتعش، أحدق في كل أركان الغرفة المظلمة فلا أري غير خيالات تتبدد رويدا رويدا هذه مرآتي وهذا دولاب ملابسي، وهذه حدود غرفتي لا يوجد بحر ولا أمواج، أتمدد علي فراشي وأغوص في بحر متلاطم الأمواج فأرتعش وأغمض عيني ولا أنام، تصمت كل الاصوات من حولي، فأنهض من فراشي متسللة إلي شرفة غرفتي فأراه ماثلا أمامي يسألني في دهشة العاشق: أين كنت؟ ولماذا تأخرت؟ وأقول بتثاؤب : أنا لا أكون وانت بعيد عني هكذا، فيقول غاضبا: كنت علي وشك الرحيل، أقول: هل تستطيع أن تتركني دون وداع؟ قال بغضب الحبيب : أراك في المرة القادمة، صرخت في وجهه: لا أستطيع النوم قبل أن تقبلني وتطوقني بضوئك الفضي كي أنام، قال بحدة : أرسلت لك ثلاثة مراسيل واحدا في نسمة هواء وثانيا مع هدير الأمواج وثالثا مع صوت قطرة المياه، ولكنك لم تلحظ وجودي. كان لونه الفضي المائل للون البرتقالي يخبرني بأنه علي وشك الرحيل، لم أكد أتحقق من وجوده حتي اختفي وراح إلي عالم غير عالمي. وأخذت أحدق في الفراغ، فلا أري شيئا،عدت إلي فراشي أستجدي النوم وأغمضت عيني لأنام، فرأيت وجوها لا أعرفها ونداءات لا أستوضحها وهمهمات غير مفهومة، وبدأ جسدي يترنح علي الفراش ويعود صوت تلاطم الأمواج وأنا نائمة فوق المركب الخشبي الصغير ورأسي المثقل ملقاه علي وسادة خالية باردة في ليلة شديدة الظلام. وأغمض عيني مستسلمة وأنام .