استعادت مصر علاقتها النشطة بجنوب إفريقيا بتحرك مثالي يحسب للدبلوماسية الرئاسية المصرية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي فبعد سنوات من المنافسة، أصبح للتعاون والتنسيق المشترك مكان في تحرك الدولتين من أجل مستقبل أفضل للقارة السمراء.. لدي مصر وجنوب إفريقيا مساحات ورصيد مشترك من العلاقات الوطيدة يمكن البناء عليه في مد محور وشريان جديد للتنمية يربط بين القاهرة وكيب تاون وهو المشروع الذي تتطلع إفريقيا لتنفيذه كما يعمل علي تنمية مستدامة يمكن توطينها علي جانبي الطريق الرابط بين شمال وجنوب إفريقيا. من المقرر أن يحضر الرئيس السيسي احتفالية تنصيب رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا مايو الجاري وهي الاحتفالية التي يحضرها عدد من رؤساء دول القارة، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، ورؤساء دول تجمع تنمية الجنوب الإفريقي »سادك»، ورؤساء التجمعات الاقتصادية الاقليمية في القارة الإفريقية، وسكرتير عام الأممالمتحدة. مرت العلاقات السياسية بين مصر وجنوب إفريقيا بعدة مراحل علي مدي التاريخ الحديث، اتسمت خلالها العلاقات بالتنافس بين اكبر دولتين افريقيتين. والحقيقة أن العلاقات بين مصر وجنوب افريقيا لم تمض علي وتيرة واحدة منذ بدء العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1942 . وبينما شكل الطابع البروتوكولي الملمح الاساسي في العلاقات بين البلدين حتي قيام ثورة يوليو عام 1952 سرعان ما تحولت بعدها العلاقات لتصل الي مرحلة القطيعة بسبب النظام العنصري القائم في جنوب افريقيا وقتها. أما كلمة السر وراء عودة العلاقات الي مجاريها بين الدولتين مرة اخري فكانت بعد تحرر جنوب افريقيا من النظام العنصري وصولا الي إعلان الخارجية المصرية استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين في أكتوبر 1993 ثم تلا ذلك مرحلة الرئيس نيلسون مانديلا بانتخابه رئيسا لجنوب افريقيا عام 1994 حيث تميزت العلاقات خلال هذه الفترة بين البلدين بالدفء. ولكن يمكن القول إن عام 2008 كان هو ضربة البداية في تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بأول زيارة رئاسية مصرية الي جنوب افريقيا وهي الزيارة التي بدأت معها العلاقات تتخذ بعدا اخر يتسم بالجدية والتشاور والتنسيق في مواجهة مع معظم القضايا الثنائية والإقليمية والدولية وعلي مختلف المسارات سواء السياسية أو الاقتصادية. في عام 2008 بدأ البلدان بالتصدي للقضايا العاجلة والملحة بينهما، ومن الموضوعات التي كانت محل بحث مكثف في هذه المرحلة التباحث والتشاور حول إصلاح الأممالمتحدة، وتبادل وجهات النظر حول موضوع توسيع عضوية مجلس الأمن الدولي والموقف الإفريقي إزاء هذه المسألة، خاصة مع وجود تفاهم وتشاور مستمر بين مصر وجنوب إفريقيا حول هذه القضية. وقد جرت نقاشات مطولة بين القادة والمسئولين في كل من القاهرة وبريتوريا حول اهمية الضغط علي الدول الكبري من اجل القبول بتوسيع عضوية مجلس الامن ليشمل انضمام دول افريقية وكانت مصر وجنوب افريقيا في صدارة الدول المرشحة للانضمام لعضوية مجلس الامن الدولي لمكانتهما الكبيرة سياسيا واقتصاديا في القارة السمراء. ويحسب لكل من القاهرة وبريتوريا عدم ادخارهما اي جهد في سبيل حصول افريقيا علي حقوقها خاصة في نيل عضوية المجالس والمنظمات الدولية وعلي رأسها منظمة الاممالمتحدة ومجلس الامن وغيرها. وفي تأكيد علي ما تلعبه مصر وجنوب افريقيا من دور مؤثر علي صعيد القارة الافريقية فقد كان لافتا انه في الوقت الذي تتولي فيه مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي وذلك خلال العام الحالي فهو نفس العام الذي تبدأ فيه جنوب إفريقيا شغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي وهو ما يسمح بدور أكثر تأثيراً للدولتين علي الساحة الدولية عبر تعميق التعاون والتنسيق بينهما لتحقيق المصالح الإفريقية والسعي لتحقيق أهداف أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 ورؤيتها حول إفريقيا متكاملة مزدهرة وسلمية. ليس خافيا علي احد ايضا مساحات التنسيق والتشاور الكبيرة بين مصر وجنوب إفريقيا حول مسائل الانتقال السياسي للدول عقب الثورات والازمات. وفي هذا الاطار جاءت القمم التشاورية الافريقية الاخيرة التي استضافتها مصر خلال الفترة الماضية بخصوص الاوضاع في ليبيا والسودان بمشاركة رؤساء ومسئولين افارقة كان من بينهم رئيس جنوب إفريقيا الحالي سيريل رامافوزا الذي استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة ثنائية. وموخرا كان استقبال الرئيس السيسي لرئيس جنوب إفريقيا الأسبق ورئيس آلية الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوي المعنية بالسودان تابو مبيكي والذي أشاد بالدور المصري في دعم جهود صون السلم والأمن في إفريقيا والذي تعاظم مع رئاستها الحالية للاتحاد الإفريقي، مؤكداً أهمية مصر وثقلها كفاعل رئيسي في إرساء دعائم العمل الإفريقي المشترك، أخذاً في الاعتبار أن الرئاسة المصرية تأتي خلال مرحلة دقيقة من عمر الاتحاد والتي تشهد تحديات ضخمة. وريث مانديلا.. رئيسا لجنوب إفريقيا 5 سنوات جديدة أسفرت الانتخابات العامة بجنوب إفريقيا التي أعلنت نتيجتها 11 مايو الماضي عن فوز حزب المؤتمر الوطني الحاكم بأغلبية مقاعد البرلمان والمجالس الإقليمية.. وهو ما يمنح رئيس الحزب سيريل رامافوزا تفويضا جديدا للاستمرار في السلطة 5 أعوام مقبلة، وذلك بموجب الدستور الذي يمنح زعيم الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية الحق في تولي رئاسة البلاد.. سبق أن انتخب برلمان جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا البالغ من العمر 65 عاما، رئيسا للبلاد في فبراير 2018.. »رامافوزا» نقابي ورجل أعمال ناجح ويعد وريث نيلسون مانديلا. ولد رامافوزا في 17 نوفمبر 1952 في سويتو وعمل ناشطا طلابيا واعتقل في 1974 وأمضي 11 شهرا في الحبس الانفرادي، وحصل علي شهادة في الحقوق وأصبح نقابيا وأسس في 1982 النقابة الوطنية لعمال المناجم، وكان ناشطا في مكافحة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.. بأمر منه تحولت النقابة إلي آلة حرب ضمت 300 ألف عنصر، وساهم تورطه في الإضراب الكبير في 1987 الذي هز نظام الفصل العنصري، في بروزه أمام قادة المؤتمر الوطني الإفريقي، وعندما خرج مانديلا من السجن في 1990 قرر أن النقابي الشاب سيكون من الذين سيتفاوضون بشأن العملية الانتقالية السياسية مع السلطة التي كانت بأيدي البيض. وبعد أول انتخابات ديموقراطية في تاريخ البلاد في 1994 أصبح رئيس الجمعية التأسيسية وأشرف علي صياغة الدستور الجنوب إفريقي، وبعد فشله في خلافة مانديلا لرئاسة المؤتمر الوطني الإفريقي في 1999 قطع رامافوزا صلاته بالحزب ليدخل أوساط الأعمال.