انخفاضات متتالية شهدها سعر الدولار خلال الفترة الماضية حيث وصل إلي أقل من 17 جنيها لأول مرة منذ عامين نهاية الاسبوع الماضي ليشكل بذلك انخفاضاً كبيراً عن أعلي سعر وصل له مقابل الجنيه بعد إجراءات التعويم.. وأرجع البعض هذا الانخفاض إلي إجراءات الاصلاح الاقتصادي، وزيادة المعروض من الدولار بسبب تراجع معدلات الاستيراد، وبالتالي قلة الطلب علي الدولار، وكذلك زيادة حجم تحويلات المصريين في الخارج.. بالإضافة إلي استلام الشريحة الخامسة من قرض صندوق النقد الدولي.. ولكن مع انخفاض الدولار ظهرت الكثير من التساؤلات» لماذا لم تنخفض الأسعار.. مثلما كان ارتفاع الدولار سببا في ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات ؟!. أحمد شيحة عضو شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية يقول إن نسبة الانخفاض في الدولار محدودة،وبالتالي نسبة مساهمته في تكلفة الإنتاج لا تتعدي 3% فقط، وبالطبع لن يكون له تأثير ملحوظ في انخفاض اسعار السلع والخدمات إلا بنسبة قليلة جدا لا تذكر، وتتراوح ما بين جنيه الي جنيهين فقط، ولكن يمكن أن يحدث انخفاض في الأسعار إذا تراجع سعر الدولار بنسبة كبيرة تتراوح ما بين 20 إلي 25%، ليعود إلي معدلاته ما قبل التعويم عند 7 جنيهات، وبالتالي ستكون تكلفة الإنتاج أقل بكثير خاصة في المنتجات التي تعتمد في تصنيعها علي بعض المواد الخام المستوردة فينخفض سعر تكلفة الانتاج وهو ما يؤدي إلي انخفاضها بسعرها النهائي للمستهلك. بينما يري د. هشام إبراهيم أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة أن انخفاض الدولار لم يقابله انخفاض في الأسعار بشكل سريع، لعدة أسباب منها: أن تكاليف الانتاج تختلف من سلعة إلي أخري فهناك بعض السلع التي لا يدخل في تصنيعها أو إنتاجها مواد خام يتم الحصول عليها أو شراؤها بالدولار، وبالتالي لم تتأثر تكلفة إنتاجها بانخفاض أو ارتفاع سعر الدولار، وهناك منتجات أخري يدخل في تصنيعها بعض المواد الخام التي يتم استيرادها من الخارج، وبالتالي تكلفة انتاجها تتأثر بصعود أو هبوط الدولار. ويضيف إن المُنتج لا يتم تحديد سعر انتاجه بشكل يومي، ولكن عملية التسعير تتم وفقًا لفترات زمنية محددة يمكن أن تكون شهرا أو شهرين علي حسب تكلفة الإنتاج، وبالتالي لا يمكن أن تنخفض أو ترتفع الأسعار بشكل يومي وفقًا لانخفاض أو ارتفاع سعر الدولار. ويري د. وليد جاب الله خبير التشريعات الاقتصادية وهو أن سوق التجارة الداخلية المصرية لاتزال تحتاج إلي إعادة هيكلة بصورة تجعلها تتقبل انخفاض الأسعار بقدر تقبلها زيادتها. وأشار جاب الله إلي أنه مع قيام الحكومة بالكثير من الإجراءات لدمج الاقتصاد غير الرسمي وتطوير آليات سوق التجارة الداخلية، ومع زيادة وعي المواطنين وظهور الكثير من حملات المُقاطعة فإنه من المتوقع أن تقوم السوق بتصحيح نفسها وأن تشهد تراجعا في الأسعار علي المدي المتوسط حال استمرار الأداء الجيد للجنيه في سوق الصرف بصورة تسمح للمستوردين بإعادة تسعير وارداتهم، وللمُنتجين المحليين بمراجعة أسعار مُنتجاتهم بفعل انخفاض في أسعار المواد الخام والآلات التي تشكل المكون المستورد للمنتج المحلي. وقال د. مصطفي ابو زيد مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية أن انخفاض الدولار نتيجة للإجراءات الإصلاحية التي قامت بها الدولة منذ تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي بداية من تحرير سعر الصرف والذي ساهم في ارتفاع الإحتياطي من العملة الاجنبية، بالإضافة إلي ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج والتي وصلت إلي 27 مليار دولار حتي الآن، وزيادة ايرادات قناة السويس، وهو ما ساهم بشكل كبير في وجود سيولة دولارية.وأضاف أن القطاعات الاخري في الدولة كالصناعة والسياحة والزراعة ساهمت أيضا من خلال اطلاق استراتيجية زيادة الصادرات مقابل خفض الواردات في خفض تكلفة فاتورة الاستيراد وتشجيع الصناعة الوطنية، وكل تلك العوامل ادت الي تراجع في سعر الدولار امام الجنيه والذي هبط في بعض البنوك الي 16.99 جنيه. وطالب أبو زيد بالعمل علي التحول الاقتصاد التشغيلي المعتمد علي زيادة الانتاج لضمان استمرار تراجع الدولار، اما فيما يتعلق بانخفاض الأسعار مع تراجع الدولار فقال أنه سيتم حاليا ثبات نسبي في الأسعار حتي يتم إستهلاك كافة المنتجات التي تم انتاجها وفقاً للأسعار المرتفعة، ثم يتم التراجع تدريجيا وهذا يتوقف علي استمرار تراجع الدولار. ومن جانبه قال د. فرج عبدالله أستاذ الاقتصاد بأكاديمية الثقافة والعلوم أنه رغم إنخفاض الدولار ولم تتراجع الأسعار بسبب عدم انضباط الأسواق، فضلا عن تصدير صورة تشاؤمية مع مطلع العام المالي المقبل وتناثر أخبار عن زيادة في أسعار الطاقة والمحروقات خاصة مع إلتزام الحكومة بتحرير أسعار المحروقات البترولية وفق بنود برنامج الاصلاح الاقتصادي. وأضاف أن الانتاج المحلي من السلع الإستهلاكية ما زال يعاني من أوجه قصور في تلبية إحتياجات السوق المحلية، ويتم بتغطيته عن طريق الواردات من السلع الاجنبية، ومن المتوقع أن يشهد الدولار تراجعا خلال الفترة المقبلة خاصة وأن سعر الصرف الحقيقي للدولار يقدر بنحو 16 جنيها، ولكن بسبب الضغوط الاستيرادية نتيجة تعطل عجلة الانتاج في الاعوام السابقة أدت لارتفاع سعر الصرف لنحو 18 جنيها عند تحريره في 2017. وأكد عبدالله، علي أن الإصلاح في سوق النقد وكذلك اصلاح منظومة الجمارك أدي إلي تحسن ملحوظ انعكس في تراجع حجم الطلب علي الدولار وهو ما يدفع بمزيد من تراجع سعره، وقال أن أهم العقبات أمام الاصلاح الاقتصادي خلال الفترة المقبلة تستوجب خطة عاجلة بتبني سياسات مالية تعزز من الإيرادات غير الضريبية والاقتصاد في الإنفاق العام علي النحو الذي يدفع بعدم الإستمالة للاستدانة المحلية والخارجية حتي يستمر الدولار في التراجع أمام الجنيه.