في قريتي الصغيرة بنجع حمادي في محافظة قنا تربينا علي احترام الصغير للكبير، فالابن منذ صغره وحتي شيخوخته يخشي أن يجلس ووالده واقفا، كما يستحي مهما كبر في العمر أو اعتلي منصبا أن يدخن أمام والده، وأحيانا يمتد هذا الاحترام للأخ الأكبر، كما تربينا علي احترام رجل الدين حتي لو كانت ديانته مختلفة، ولم أشاهد علي مدي سنوات طويلة في قريتي أو حتي مدينتي شخصا كبيرا أو صغيرا ينادي رجل دين مسيحي إلا مسبوقا بلقب » أبونا» كما ينادي رجل الدين المسلم ب»مولانا».. وكان التلميذ يغير خط سيره عندما يجد معلمه يسير في نفس الشارع اكراما واجلالا له. وأي صفة حسنة أو سيئة يتم غرسها في النفوس منذ الصغر، فقد تعلمنا ان التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر، لذلك أستغرب الهجوم الذي شنه البعض علي الموظفتين اللتين لم تقفا للبابا تواضروس الثاني اثناء قيامه بالتصويت في الاستفتاء علي تعديل الدستور منذ أيام، ونسي هؤلاء أن هناك صورا متداولة علي مواقع التواصل الاجتماعي لموظفين يجلسون أيضا في احدي لجان الانتخابات، بينما فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر د. أحمد الطيب يقف، فهذه بضاعتنا ردت إلينا، ولم تعد تفرق بين أحد وآخر، فقد اختفت ثقافة الاحترام للكبير، وأصبحنا نعيش في زمن أصبحت فيه البلطجة أسلوب حياة، وأصبح الفنان الذي يجسد في معظم أعماله دور البلطجي الأعلي أجرا والأكثر انتشارا وشعبية، وضاع زمن الفن الجميل، وبدلا مما كنا نشاهده من جمهور محترم يرتدي أفخر الملابس وأكثرها أناقة في حفلات قديمة لسيدة الغناء العربي أم كلثوم والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، وسلطان العود فريد الأطرش، أصبحنا نري جمهورا عشوائيا في حفلات مطربي اليوم، وأحيانا كثيرة تتعرض فيها بعض الفتيات للتحرش. بضاعتنا ردت إلينا لأننا لم نعد نربي أبناءنا علي احترام الكبير أو احترام اختلاف الثقافة والرأي والاختلاف، ولم نربيهم علي النقاش والجدال بالحسني، فكل منا يتعصب لرأيه ويري أنه صاحب الصواب المطلق، وغيره جهلاء وخطائين، ولذلك اصبح عاديا أن نري سلوكيات وممارسات سيئة في الشارع، مثل ان نجد شابا يتشاجر مع رجل عجوز أو يسبه بأفظع الألفاظ. ولن ينصلح الحال الا عندما نعود للثقافة والعادات والتقاليد التي تربي عليها آباؤنا، فكانوا مثالاً لاحترام الآخرين، وخاصة كبار السن.