* * زهقت من الكلام عن معارك الإسلاميين ومشاجرات أنصار التيارات الدينية في مصر والتي تحولت إلي بلطجة تفوق بلطجة المسجلين خطر والقتلة واللصوص في الشوارع.. فلم يعد هؤلاء يستمعون إلي نصيحة ولا يطبقون مبدأ واحدا من مباديء التسامح والحوار والتعايش التي جاء بها الإسلام.. ولذلك عزمت علي الكتابة فيما يفيد الناس وأن أقدم النصيحة للبسطاء الذين يستجيبون لنداء الحق وأن أصرف النظر عن هؤلاء مع دعوات صادقة لهم بالهداية. * * * داخل أحد المراكز التجارية الكبري وقف الأب ¢ الشيك ¢ يصفع طفلته الصغيرة علي وجهها بكل قسوة وسط دهشة المتسوقين واستنكارهم خاصة وأن زوجته المرافقة له اكتفت بدور المتفرج وربما تكون هي المحرض ولم يرق قلبها لصرخات طفلتها !! صرخات الطفلة البريئة التي لا يتجاوز عمرها الأعوام الأربعة دفعت بعض المتواجدين في المكان إلي التدخل لحماية البنت المسكينة من أنياب هذا الفك المفترس الذي يحمل زورا وبهتانا لقب ¢ أب ¢.. فما كان منه إلا أن نهرهم ووبخ سيدة وزوجها لمجرد سؤاله عن سبب ضربه طفلته بهذه القسوة ولولا تدخل أولاد الحلال لتحول الموقف برمته إلي مشاجرة نال فيها هذا الرجل المتغطرس ما يناله حيوان نجس داخل مسجد. هذا الموقف المستفز من الرجل تجاه طفلته والذي اتضح أن الدافع إليه هو تلويث فستانها بالعصير الذي تشربه. ليس سلوكا شاذا في حياتنا بل هو يكشف عن ثقافة العنف التي تربينا عليها والتي نربي صغارنا من خلالها والتي أصبحت سمة غالبة في كل مظاهر حياتنا اليومية. فالعنف الذي يمارس داخل البيوت المصرية بين الأزواج والزوجات وبين الآباء والأبناء وبين الأشقاء والأقارب ليس له مثيل في أي مجتمع آخر.. والعنف السائد والمتفشي داخل مدارسنا بين التلاميذ بعضهم البعض وبين المدرسين والطلاب لم نقرأ أو نسمع عن مثيل له في أي مجتمع آخر حتي أكثر المجتمعات بدوية وتخلفا.. والعنف السائد بين الشباب في النوادي الرياضية المصرية والوباء الجديد الذي يسمي ¢ الألتراس ¢ الذي يخرب ويدمر ويقتل تأثرا بنتيجة مباراة رياضية.هو في حقيقة الأمر شباب ضائع تربي علي العنف منذ صغره في البيت وفي المدرسة وفي الشارع وفي الاعلام الرياضي الذي يغزي العنف بكل أشكاله بين الصغار !! لابد أن نعترف في شجاعة بأن قسوة الكبار في التعامل مع الصغار أصبحت ظاهرة مزعجة في حياتنا.. في كل مكان تذهب إليه تري نماذج وصوراً لهذه القسوة المفرطة.. في البيت.. والمدرسة.. والنادي.. والشارع.ربما كان للظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي نعيشها دخل في ذلك فالهموم الكثيرة التي تسيطر علي الكبار تدفعهم أحياناً إلي ارتكاب حماقات ضد صغارهم يرفضها الدين ولا يستريح لها ضمير. وقد يكون نمط التربية الخاطيء الذي تربينا عليه هو الدافع إلي عنف الكبار ضد الصغار.. فمازال كثير من الآباء يعتقدون أن القسوة هي طريق التربية الصحيحة. وهي التي تضبط سلوك الصغار وتجعل منهم أعضاء صالحين في المستقبل وهذا - كما يؤكد كل خبراء التربية وعلم النفس والاجتماع - اعتقاد خاطيء وثقافة بالية.. فالقسوة تخلق أجيالا جبانة لا تفكر ولا تبدع ولا تعيش حياة مستقرة. المشهد المأساوي الذي شاهدته مع العشرات داخل المركز التجاري يؤكد أن هذا الأب العنيف قد قضي تماما علي شخصية ابنته المسكينة. قسوة هذا الأب مع ابنته ذكرتني علي الفور بما شاهدته مع زملائي الأعزاء من صحفيي ¢ الجمهورية ¢ منذ سنوات. وما شاهده معنا أوائل الشهادة الثانوية في رحلتهم الأوروبية داخل مدينة الترفيه الفرنسية الشهيرة ¢ديزني لاند¢.شاهدنا في هذه المدينة الجميلة كيف يتعامل الأوروبيون مع أطفالهم.. رأينا كل مشاعر العطف والرحمة في سلوكيات الكبار مع الصغار.. وشاهدنا في المقابل أطفالاً أسوياء يتعاملون بشياكة مع كل ما يحيط بهم من خضرة وجمال ومرافق وممتلكات للآخرين. لم نشاهد أباً ينهر ابنه. أو يعتدي عليه بالقول أو الضرب. ولم نر أما تعامل أطفالها بقسوة.. بل شاهدنا سيمفونية رائعة في كيفية التعامل مع الطفل واحترام رأيه والاستجابة لرغباته المشروعة. وتوجيهه بلطف وحنان وأبوة تربي فيه احترامه لذاته. وتوجهه إلي الطريق الصحيح في الوقت نفسه.وفي المقابل لم نشاهد في ¢ديزني لاند¢ ولا في شوارع باريس المليئة بلوحات الجمال الطبيعية طفلاً يقطف وردة أو تمتد يده البريئة لتضر بأي مرفق من المرافق العامة.. بل شاهدنا الأطفال يلعبون ويمرحون ويمارسون كل هواياتهم. ويتحركون كيفما يشاءون دون أن تمتد أياديهم للعبث بأي شيء مما يحيط بهم. هذا السلوك البريء والمنضبط من الأطفال الأوروبيين لم يولدوا به.. بل تربوا عليه وشاهدوه في حياة الكبار. لذلك نحن نجني علي أطفالنا ونرتكب في حقهم أبشع الجرائم عندما نعاقبهم بقسوة علي سلوكياتهم وتجاوزاتهم.. نجني عليهم عندما نعاقبهم علي أخطاء وتجاوزات سلوكية طبيعية كل الأطفال يرتكبونها بحكم طفولتهم.. ونجني عليهم عندما نغرس فيهم عدم احترام البيئة التي يعيشون فيها وعدم احترام المال العام. عندما يشاهدوننا كل يوم ونحن نعتدي علي الممتلكات العامة للدولة. لقد جاء الإسلام بمنظومة تربوية كاملة كفيلة في حال تطبيقها بتنشئة جيل قوي وواع يتصرف بنبل وشجاعة ويستطيع أن يتحمل المسئولية في المستقبل.. فهل نعود إلي رشدنا ونتخلي عن القسوة والإهمال معاً ونربي أبناءنا تربية سليمة تغرس فيهم الولاء والانتماء للدين والوطن فضلاً عن احترام قيم العمل والعلم والنظافة واحترام الآخرين؟!