لاأعرف من لديه المصلحة في إخفاء فساد ما يحدث بقطاع الأعمال العام، وبالتحديد في القومية للأسمنت. ولكن يبدو أن هناك أطرافا تفضل التغاضي عن محاسبة من آتي بالمخالفات الجسيمة التي قادت لتصفية آخر شركة أسمنت في قطاع الأعمال. مخالفات فضحتها تقارير جهاز المحاسبات سنة بعد أخري، ووافق علي ماجاء فيها وزير قطاع أعمال بعد آخر، وأعلن بعدها كل منهما أن الأمر أمام النيابة. بل وتجاسرت قيادات باتحاد العمال (كمحاولة لإبراء الذمة فقط) وقدمت بلاغا للنائب العام لمحاسبة المخالفين. وبين هذا وذاك أكد رئيس الشركة القابضة للكيماويات أنه حول مخالفات الشركة للنيابة. وانتظر الجميع (دون جدوي) أي نتائج للتحقيقات تبشر بأنه ثمة محاسبة لمن تسبب في إغلاق شركة كانت تربح 93 مليون جنيه حتي 2012/2013 . قبل أن يبدأ مسلسل الخسائر، بفضل عقد تطوير للشركة، بلغت تكلفته 1.1 مليار جنيه. وقاد تنفيذه إلي كل المصائب التي حلت بالشركة، وانتهي الأمر بوقف الإنتاج. مصائب يتحملها كل من وقع علي عقد التطوير. وكان أحد الموقعين وزير قطاع الأعمال السابق خالد بدوي والذي كان مديرا ماليا في الشركة الخاصة التي فازت بالمناقصة. ويتحمل المسئولية أيضا الذين أشرفوا علي التنفيذ، والذين استمروا في دفع الأتعاب سنويا، بل وزيادتها بدون أن يفي الطرف الآخر بالتزاماته. والأدهي الموافقة علي الاستعانة بمقاول استقدم عمالا مؤقتين للعمل، ونحي جانبا معظم عمال الشركة ومهندسيها والكيميائيين فيها، وهم يتقاضون رواتبهم. ولا يستثني من المسئولية من دفع الملايين من أموال القومية للمقاول بعد توقف الشركة، بدعوي تعويض المقاول عن الأموال التي صرفها للعمالة المؤقتة، دون التأكد من صحة ما يدعيه. والأعجب أن الشركة في ردها علي تقارير جهاز المحاسبات أكدت أنه »ليس هناك تكافؤ بين حقوق الطرفين في التعاقد المبرم في 2012 وأنه تم إبلاغ النيابة» ومع ذلك تذكر »إنها تلتزم بالعقد المعيب الذي تغاضي عن حقوق الشركة». ولكن الذي يجعلني أطرح الآن تساؤلا حول من وراء وقف المحاسبة، هو ما سوف يتم بعد غد. حيث ستعقد جمعية عمومية غير عادية دعا إليها رئيس الشركة القابضة »للموافقة علي إنهاء الخلافات بين القومية للأسمنت وشركة أسيك، تنفيذا لما انتهت إليه اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار» طبقا لما نشر بالدعوة. أي تحول الفساد لمجرد خلافات بين طرفين. وليس إهدارا للمال العام، وسرقة عرق 2000 عامل ومهندس، أصبحوا عاطلين بفعل فاعل مطلق السراح. بطالة لن تداويها تعويضات، حتي لو وصلت إلي 550 ألف جنيه لأكبرهم سنا. لأنها لاتعدو أن تكون راتبا لرئيس الشركة القابضة في 11 شهرا، بدون بدلات حضور جلسات مجلس الإدارة، ومكافأة العضوية. أو تزيد قليلا إذا عقدنا المقارنة براتب نائب رئيس الشركة. والحقيقة أن وقف محاسبة الفاسدين دعوة مستترة لتفشي الفساد.