كان محمد إبراهيم الجزيري شيخا تخرج من مدرسة القضاء الشرعي، ورئيسا لتحرير مجلة القضاء الشرعي وفي ذات الوقت سكرتيرا خاصا لزعيم الامة وقائد ثورتها سعد زغلول باشا. وعندما نشبت المعركة الفكرية الكبري التي اثارها كتاب الشيخ علي عبدالرازق عام 5291 وانحاز العلمانيون والمتغربون الي هذا الكتاب الذي حاول علمنة الاسلام والتكريس لالغاء أتاتورك الخلافة الاسلامية وتصدي الازهر ورموز الفكر الاسلامي لدعاوي العلمنة والعلمانية،. انحاز سعد زغلول الي صف المدافعين عن أن الاسلام دين ودولة، وانه صاحب شريعة افرزت نظاما مدنيا في الحكم والقانون، حقق السعادة للشعوب التي حكمت به ولا يزال يصنع ذلك في العصر الحديث. ولقد كتب محمد إبراهيم الجزيري- في كتابه »سعد زغلول: ذكريات تاريخية« عن النقد الشديد الذي وجهه سعد زغلول لكتاب علي عبدالرازق وكيف وصفه »بالجاهل« الذي يسعي الي هدم اركان الاسلام.. وكيف حذر الشباب الذين لم تقو مداركهم في العلم القومي - من الخلط بين حرية الفكر وبين هد« الاركان التي قام عليها الاسلام. كتب الجزيري عن رأسي سعد زغلول هذا الذي وصفه بأنه »عصبية إسلامية شديدة ورأي جميل في الاسلام واحكامه ومدنيته« وذكر كيف انتقد سعد زغلول الذين يؤيدون كتاب علي عبدالرازق وطلب من الجزيري الا تنشر مجلة »القضاء الشرعي« اي تأييد لهذا الكتاب.. وكيف اعتدل سعد زغلول في جلسته كما يستعد الحاضر لالقاء محاضرة أو الخطيب لالقاء خطبة ثم قال »لقد قرأت الكتاب بامعان لأعرف مبلغ الحملات عليه من الخطأ أو الصواب«. فعجبت أولا كيف يكتب عالم دين بهذا الاسلوب في مثل هذا الموضوع؟ لقد قرأت كثيرا للمستشرقين ولسواهم، فما وجدت ممن طعن منهم في الاسلام حدة كهذه الحدة والتعبير علي نحو ما كتب الشيخ علي عبدالرازق، لقد عرفت انه جاهل بقواعد دينه بل بالبسيط من نظرياته عن نظرياته، والا فكيف يفتي ان الاسلام ليس مدنيا، ولا هو بنظام يصلح للحكم؟ فأية ناحية مدنية من نواحي الحياة لم ينص عليها الاسلام، هل البيع أو الاجارة أو الهبة أو أي نوع آخر من المعاملات؟. ألم يدرس شيئا من هذا في الازهر؟ أولم يقرأ أن امما كثيرة حكمت بقواعد الاسلام فقط عهودا طويلة كانت انقي العصور؟.. وان امما لا تزال تحكم بهذه القواعد وهي آمنة مطمئنة فكيف لا يكون الاسلام مدنيا ودين حكم؟. وأعجب من هذا ما ذكره في كتابه عن الزكاة فأين كان هذا الشيخ من الدراسة الدينية الازهرية؟ انني لا افهم معني للحملة المتميزة التي تثيرها جريدة السياسة حول هذا الموضوع.. وما قرار »هيئة كبار العلماء« بإخراج الشيخ علي من زمرتهم إلا قرار صحيح لا عيب فيه، لان لهم حقا صريحا بمقتضي القانون أو مقتضي المنطق والعقل ان يخرجوا من يخرج علي انظمتهم من حظيرتهم. فذلك أمر لا علاقة له مطلقا بحرية الرأي التي تتبعها »السياسة«. ان العلماء فعلوا ما هو واجب وحق، وما لا يجوز أن توجه اليهم أدني ملامة فيه.. والذي يؤلمني حقا ان كثيرا من الشبان الذين لم تقو مداركهم في العلم القومي والذين تحملهم ثقافتهم الغربية علي الاعجاب بكل جديد سيتحيزون لمثل هذه الافكار خطأ كانت أو صوابا دون تمحيص ولا درس ويجدون تشجيعا علي هذا التميز فيما تكتبه جريدة »السياسة« وامثالها من الثناء العظيم علي الشيخ علي عبدالرازق ومن تسميتها له بالعالم المدقق والمصلح الاسلامي والاستاذ الكبير ودون ان يفرق المدافعون عن الشيخ بين حرية الرأي وبين القواعد الاسلامية الراسخة.. هكذا تحدث سعد زغلول الذي ظلموه ووضعوه في زمرة العلمانيين!..