كلية التجارة بجامعة أسيوط تنظم حفل تخرج الدارسين في برامج الماجستير المهني    أحمد عز: تعيين خبير صلب في وزارات الصناعة العربية وإطلاق طاقات البناء من أهم سبل النمو    نائب محافظ القاهرة تتابع تطبيق قانون التصالح بحي شرق مدينة نصر    ترامب يتحدث مع بوتين لدى دراسته ضغط أوكرانيا للحصول على صواريخ توماهوك    الحوثيون يعلنون تعيين المداني رئيسا لهيئة الأركان خلفا للغماري    جائزة نوبل للحرب    بالصور.. بعثة نهضة بركان تصل القاهرة استعدادا لمواجهة بيراميدز    محمود الخطيب: "لأول مرة أفكر في نفسي قبل الأهلي.. وهذا سر التراجع"    سيف زاهر: فخور بثقة الرئيس السيسي باختياري عضوًا بمجلس الشيوخ(فيديو)    حسن مصطفى: كنت أتمنى التنسيق بين حسام حسن وحلمي طولان في اختيارات اللاعبين    ماس كهربائي السبب.. السيطرة على حريق اندلع في منزل بالفيوم دون إصابات    حسين فهمي: مهرجان القاهرة السينمائي في موعده.. ولا ننافس الجونة بل نتعاون وفزنا معا بجائزة في كان    أول ظهور ل محمود العسيلي مع زوجته في مهرجان الجونة السينمائي    عاجل- رئيس الوزراء يطمئن ميدانيا على الانتهاء من أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير والطرق المؤدية إليه    قافلة «مسرح المواجهة والتجوال» تصل رفح دعمًا لأطفال غزة    قائد القوات المسلحة النرويجية: قادرون مع أوروبا على ردع روسيا    سكك حديد مصر تعلن موعد تطبيق التوقيت الشتوي على الخطوط    حجز قضية اتهام عامل بمحل دواجن بالخانكة بقتل شخص بسكين لحكم الشهر المقبل    حركة فتح ل"القاهرة الإخبارية": إسرائيل تراوغ وتتنصل من فتح معبر رفح    يرتدي جلبابا أحمر ويدخن سيجارة.. تصرفات زائر ل مولد السيد البدوي تثير جدلًا (فيديو)    أبوقير للأسمدة يفوز على الداخلية.. وخسارة طنطا أمام مالية كفر الزيات بدوري المحترفين    سيدات يد الأهلي يهزمن فلاورز البنيني في ربع نهائي بطولة أفريقيا    نائب رئيس مهرجان الموسيقى العربية: آمال ماهر تبرعت بأجرها ورفضت تقاضيه    مسرح المواجهة والتجوال يصل رفح دعمًا لأطفال غزة    حسام زكى: العودة الكاملة للسلطة الفلسطينية السبيل الوحيد لهدوء الأوضاع فى غزة    بعد ظهورها كإعلامية.. دنيا صلاح عبد الله توجه الشكر لطاقم عمل مسلسل وتر حساس 2    هل الصلوات الخمس تحفظ الإنسان من الحسد؟.. أمين الفتوى يوضح    هل يجوز المزاح بلفظ «أنت طالق» مع الزوجة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندى: رأينا بأعيننا عواقب مخالفة ولى الأمر (فيديو)    قافلة طبية مجانية بقرية سنرو بالفيوم والكشف على 1362 حالة وتحويل 33 للعمليات    نائب رئيس جامعة الأزهر بأسيوط يشهد انطلاق المؤتمر العلمي الخامس لقسم المخ والأعصاب بالأقصر    قائمة بأسماء ال 72 مرشحًا بالقوائم الأولية لانتخابات مجلس النواب 2025 بالقليوبية    وعظ كفرالشيخ يشارك في ندوة توعوية بكلية التربية النوعية    علاء عبدالنبي بعد تعيينه بالشيوخ: ملف الصناعة على رأس أولوياتي    جامعة قناة السويس تطلق فعاليات«منحة أدوات النجاح»لتأهيل طلابها وتنمية مهاراتهم    ضبط معمل تحاليل غير مرخص بإحدى قرى سوهاج    إصابة 3 أشخاص من أسرة واحدة فى حادث انقلاب ملاكى بقنا    محافظ كفر الشيخ يناقش موقف تنفيذ مشروعات مبادرة «حياة كريمة»    محافظ الجيزة يوجه بسرعة تجهيز مبنى سكن أطباء مستشفى الواحات البحرية    سحر نصر: نبدأ مسيرة عطاء جديدة في صرح تشريعي يعكس طموحات أبناء الوطن    مقتل 40 مدنيا قبل الهدنة فى الاشتباكات على الحدود بين أفغانستان وباكستان    فيريرا يكشف حقيقة رحيل أوشينج وجهاد عن الزمالك وموقفه من المعد النفسي    في يوم الأغذية العالمي| أطعمة تعيد لشعركِ الحياة والطول والقوة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-10-2025 في محافظة الأقصر    قرار جمهوري بترقية اسم الشهيد اللواء حازم مشعل استثنائيا إلى رتبة لواء مساعد وزير الداخلية    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    نبيلة مكرم تشارك في انطلاق قافلة دعم غزة رقم 12 ضمن جهود التحالف الوطني    كامل الوزير: تجميع قطارات مترو الإسكندرية بنسبة 40% تصنيع محلى    الداخلية تكثف حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    وكيل النواب يستعرض تقرير اللجنة الخاصة بشأن اعتراض الرئيس على الإجراءات الجنائية    وزارة العمل تشارك في احتفالية اليوم العالمي للمكفوفين والعصا البيضاء بالقاهرة    350 مليون دولار استثمارات هندية بمصر.. و«UFLEX» تخطط لإنشاء مصنع جديد بالعين السخنة    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    الأهلي: لا ديون على النادي وجميع أقساط الأراضي تم سدادها.. والرعاية ستكون بالدولار    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    الصحة تنصح بتلقي لقاح الإنفلونزا سنويًا    قوات الاحتلال تعتقل شابًا خلال مداهمة في بلدة علار شمال طولكرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اخبار اليوم تنشر صفحات من مذكرات عادل حموده «20»
مبارك وهيكل وأنا..ثلاث ورقات ساخنة علي مائدة الصحافة ٫٫٫ الرئاسة منعت هيكل من لقاء جمهور معرض الكتاب ففتحت له صفحات روز اليوسف
نشر في أخبار اليوم يوم 18 - 05 - 2018

كأننا كنا في شوق جارف للحرية وما أن وصلت إلينا حتي مارسناها بجنون وبلا توقف خشية أن يأتي يوم نتوقعه نحرم فيه منها .
كأننا مثل خاطفي طائرة نسافر بها حيث نشاء ونحقق من ورائها ما نحلم به وإن كنا نعرف مسبقا أنها ستهبط ستهبط مهما طال تحليقها في السماء إما لنفاد الوقود أوبصاروخ أرض جو تطلقه السلطة فصنعنا بها ما يحلو من أكروبات صحفية .
لكن تلك المشاعر لم تأت إلا بعد أن تجاوزنا مرحلة البداية الصعبة التي كنا فيها كمن يصلح سيارة خربة وعليه في الوقت نفسه قيادتها فلا يمكن إيقاف مجلة مثل روز اليوسف لبعض الوقت بحجة تطويرها وتحديثها وتغييرها .
في تلك الفترة من سبعينات القرن العشرين كان المناخ السياسي متفجرا بالعنف المغطي بفتاوي جهادية استجابت إليها تنظيمات إسلامية مسلحة انتشت زهوا بعد أن اغتالت رئيس الجمهورية وعرابها أنور السادات قنابل تنفجر .. سيارات مفخخة .. رجال شرطة يقتلون .. رصاص يلعلع .. مسابح تلمع .. أموال خفية تتسرب من تحت أسلاك الحدود تدعم وتمول .. وشخصيات سياسية تتفاوض سرا مع السفارة الأمريكية لتسليم البلاد إلي حكومة دينية تمهيدا لإعلان دولة الخلافة .
أما المناخ الصحفي فكان مخنوقا بصحف حكومية يسيطر عليها رؤساء تحرير صادروا نسمات الهواء وتمتعوا بترف المميزات .. سيارات وبدلات وعمولات رفعت أرصدتهم إلي خانة الملايين .. وكان محرما عليهم الاقتراب من كلمات بعينها مثل »الفساد»‬ و »‬التعذيب» و»‬النهب».. ولم يجرؤ علي انتقاد وزير أومحافظ أوحتي مذيعة تلفزيون .. وفي الوقت نفسه عجزوا عن مواجهة ضربات الصحف الحزبية التي كانت في ذروة تألقها السياسي والمهني .
كانت هناك تجارب صحفية حزبية مميزة جسدها محمود عوض في »‬الأحرار» وإن لم تستمر طويلا أما تجربة صلاح عيسي وحسين عبد الرازق في »‬ الأهالي »‬ فحققت نجاحا مدويا رغم المضايقات والمصادرات التي تعرضت لها ووضع جمال بدوي »‬الوفد» في مكانة مؤثرة وبصبغة »‬الشعب» بصبغة إسلامية حاول عادل حسين لأن يحرك توزيعها الجامد في مكانه ولكن غياب الخبرة المهنية والجاذبية الصحفية أعجزه عن النجاح .
ومنذ اللحظة التي تسلمت فيها المسئولية أعلنت أن روز اليوسف ستعبر عن المجتمع لا عن النظام وكان الشعار الذي طرحناه علنا : »‬ ضد الإرهاب وضد الفساد وهما معا وجهان لعملة واحدة ».
ولم يكن موقفي من الإرهاب مفاجاة فرصيدي من المؤلفات التي سبقت بنشرها أربع كتب حققت نجاحا واثارت نقاشا وخلقت تيارا متناميا من المقاومة المدنية والعلمانية ساهم في دفع مصر إلي بر الأمان وإن وضعنا في خانة الاغتيالات حسب ما رصدت كثير من المستندات التي ضبطت في حوزة التنظيمات الإرهابية المسلحة التي قبض عليها .
وكنت متأكدا ان النظام سيحتملنا في كشف الفساد طالما لم يقض علي الإرهاب بعد فرحنا ننشر بحرية متناهية ما يصل إلينا من قضايا الرشوة والمحسوبية ونهب المال العام دون مراعاة الشخصيات المتهمة فيها بما في ذلك الوزراء وأبناؤهم .
وكان ما قدرنا صحيحا فما أن انتهت موجة الإرهاب بعد حادث الأقصر ( في 19 نوفمبر 1997 ) حتي بدأ العد التنازلي للتخلص منا ولم يمر سوي شهور قليلة حتي كان ما كان .
وأعترف أن مبارك كان صبورا معنا وتحمل ضغوط أهل السلطة وأهل الثروة وأهل المهنة الذين ضغطوا عليه للقضاء علينا ولكنه لم يكن ليعلق علي ما يسمع منهم وترك التجربة تصل إلي مداها بجرأة مذهلة بما لا أتصور حدوثه من قبل لصحيفة أومجلة حكومية منذ ثورة يوليو1952 وربما بقيت تجربة روز اليوسف تجربة فريدة من نوعها .. أن تقود مجلة حكومية صغيرة المهنة إلي الحرية وتفتح طرقها المسدودة لها ولغيرها .
وهنا يجب أن نسجل أن تاثير التجربة تجاوز حدود روز اليوسف إلي الصحف والمجلات الأخري التي أخذت منها أفكارا للتحرير وأسلوبا للتنفيذ واتجاها مختلفا في إبراز ما لديها من أخبار موضوعات دون أن ينسي أحد مرة أخري أن تلك التجربة كانت في مجلة حكومية .
وأتصور أن المراقب المنصف سيصدق أن روز اليوسف تجاوزت الصحف الحزبية وخفضت من تأثيرها وبظهور الصحف المستقلة تضاعفت أزمة الصحف الحزبية ولم ينج منها سوي القليل.
ومثل كل الذين يمهدون طرقا وعرة عانينا مشقة نفسية أكثر منها جسدية وتعرضنا إلي حملات تشهير وتكفير وتدمير أوجعتنا لكننا تحملنا سوء الظن وسوء التأويل لتصل الحرية التي آمنا بها إلي أجيال جديدة علي طبق من كريستال بمعاناة أقل مما عشناها وإن شارك بعضها في الحفلات الهمجية التي نصبت لالتهامنا دون أن تدرك أن الحرية التي تتمتع بها نحن من دفع ثمنها .
لكنه في الحقيقة داء شهير بليت به صاحبة الجلالة .. تنكر اللاحق للسابق .. حدث ذلك في أخبار اليوم بعد القبض علي مصطفي أمين متهما في قضية تجسس وحدث في روز اليوسف بعد خروج إحسان عبد القدوس منها وحدث في الأهرام بعد إقالة هيكل ولا تبرير لتلك الحالة الشائعة سوي أن أمراض النرجسية كثيرا ما تنقلب إلي سادية .
بدأت تجربتي في روز اليوسف رسميا يوم الاثنين 17 فبراير 1992 وإن لم يوضع اسمي علي ترويسة المجلة إلا في العدد التالي نائبا لرئيس التحرير .
كان الغلاف صورة أبيض وأسود للسادات وجو يقرأ القرآن وتحتها عنوان »‬ أيام السادات الأخيرة » وعنوان آخر : »‬الموساد والجهاد يتجسسان علي مصر »‬ وعنوان ثالث : » صراع علي تركة عثمان أحمد عثمان حيا بعد إصابته بالزهايمر .
وكتب فتحي غانم : »‬المساجد والصراع علي السلطة» وكتب محمود المراغي : »‬الحكومة واللعب خارج الملعب » وكتب أحمد حمروش : »‬لماذا ساءت العلاقة بين الوفد والثورة ؟ » وكتب فيليب جلاب : »‬ حزبان في أمريكا الأهلي والزمالك » مما يعني أنني حافظت علي الأسماء الكبيرة التي تملك شيئا تكتبه دون إغفال حق الأجيال الجديدة مثل إبراهيم عيسي واسامة سلامة وعبد الله كمال الذين كتبوا في نفس العدد .
وتألقت الصفحة الأخيرة برؤية عاصم حنفي الذي أكمل مسيرة محمود السعدني في السخرية التي تنقد ولا تذبح وكان متحمسا للتجربة التي أنفذها ليس فقط لأنني من جيله وإنما لأنها ترد لروز اليوسف التي وقع في غرامها اعتبارها .
ولم يمر علينا سوي أسبوعين حتي توفي صلاح حافظ ورحنا بقلوب حزينة نكتب عنه وتألمت أكثر من غيري لغيابه عن التجربة التي دفعنا لخوضها وتمنيت أن يطول به العمر ليشارك فيها بخبرته الهائلة موفرا علينا كثيرا من الجهد متحملا معا ما تليقنا من ضربات وطعنات .
وفي العدد نفسه نجحت فايزة سعد في إجراء حوار مع الرئيس الجزائري محمد بوضياف بعد أيام قليلة من توليه المنصب في 16 يناير 1992 وجاء الحوار قبل إغتياله في 29 يونيو بشهور قليلة كما أنها كشفت فيما بعد عن جريمة قتل الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين بسم »‬ والدتسستروم »‬ يوم 27 ديسمبر 1978 فقد كانت فايزة سعد أقوي محررة في الشأن الجزائري وسبق أن أجرينا معا حوارا مع الرئيس الشاذلي بن جديد نشر قبل سنوات في روز اليوسف .
ونجح وائل الأبراشي الذي ظهر اسمه أول مرة في إجراء حوار مع الفريق سعد الدين الشاذلي الذي كان ينتظر محاكمة عسكرية متهما بإذاعة أسرار عسكرية عليا خلال وجوده خارج البلاد ولم يكن نشر ما يقوله رئيس الأركان الأسبق مرحبا به بالقطع فخصمه في الدعوي كان الرئيس مبارك شخصيا وكان يسعي لإعدامه ثمنا لوصفه بالخيانة .
وبسبب عدم قدرة محرر واحد منفردا علي تحقيق قضية أوتغطية حادث ما لعدم كفاية التدريب عهدت بجمع مادة التحقيق الواحد لعدد كبير من المحررين قد يصل عددهم إلي 12 محررا مثلما حدث في قضية فتاة العتبة التي تعرضت لاعتداء جنسي في أتوبيس عام وهوما أثار اهتمام الرأي العام بطريقة غير مسبوقة وكان بين المحررين من أصبح رئيسا للتحرير مثل حمدي رزق وجمال طايع وعصام عبد الجواد وإبراهيم خليل وعبد الله كمال .
وبدأ إبراهيم عيسي بالتمرد علي المحرمات المفروضة علي الصحافة المصرية فنشر عن هيكل تقريرا بعنوان »‬ وقائع سيرة ذاتية ممنوعة» ونشر تقريرا عن »‬الجنس في الجنة » متوقفا عند كتاب لجلال كشك يحمل العنوان نفسه وتحدث فيه عن تمتع الرجال بالغلمان قبل الحور العين ورد عليه كشك في مجلة أكتوبر لتعود للصحافة معاركها الفكرية التي اشتهرت بها .
ورغم كراهية النظام لهيكل إلي حد منع ندواته في معرض الكتاب فإنني فتحت له صفحات روز اليوسف في حوارات اتسمت بالجرأة والحديث بلا قيود وكانت المنفذ الوحيد المتاح أمامه في الميديا المصرية كلها بل كانت التعليمات الرسمية بالهجوم عليه بمناسبة أوبدون مناسبة بل أكثر من ذلك دعوناه لندوة مفتوحة في روز اليوسف تكالب عليها أعداد هائلة من البشر هددت الزجاج الخارجي لواجهة المؤسسة بالتحطم من شدة الزحام والتدافع وتعطل المرور لبعض الوقت في شارع قصر العيني .
وجمعت حوارات هيكل في كتاب »‬لعبة السلطة في مصر» ليزيد من الغصة في حلق النظام ولكن رغم ذلك لم يتدخل مبارك لمنعها أو وجه لنا لوما بسببها وكل ما فعل هوالرد علي هيكل في حوارات يجريها معه إبراهيم نافع في الأهرام في حالة من الرقي الحضاري لم نعهدها في حكم مصر فيما قبل .
لم يمنع مبارك حوارات هيكل فقط بل أشهد علي أكثر من ذلك أن لا أحد من الكبار في الدولة تدخل ليملي علينا شيئا إلا مرة واحدة .
كان مبارك بعد نجاته من محاولة إغتياله في أديس أبابا ( يوم الاثنين 25 يونيو1995 ) قد استقبل وفدا نسائيا من الكويت للتهنئة بنجاته وفي اللقاء راح ينتقد بشدة الصحفيين المصريين ويتهمهم بفساد الذمة وتلقي الرشاوي وكان بين أعضاء الوفد صحفية اعترضت علي ما قال بل ودافعت عن الصحفيين المصريين : »‬الأساتذة الكبار الذين علمونا أصول المهنة» ونشرت ما حدث في صحيفتها .
التقط جمال بدوي الواقعة وكتب عنها افتتاحية ساخنة في »‬ الوفد» بعنوان : »‬ أصابت امرأة وأخطأ الرئيس » بدا واضحا من عنوانها ما فيها من لوم وعتاب.
لكن ما استفز رجال مبارك وأثار غضبهم هوكيف تصيب امرأة ويخطئ الرئيس ؟
واستيقظت في أعماقهم مشاعر التمييز التي تمنح الرجل ما لا تمنحه للمرأة فما بالك الرئيس وهوليس أي رجل في عرفهم.
- واتصل بي صفوت الشريف ( وكان وزيرا للإعلام ) متسائلا :
هل قرأت ما كتب جمال بدوي ؟.
نعم !.
وما رأيك فيه ؟.
مقالة موضوعية ترد الاعتبار للصحفيين الذين أهانهم الرئيس دون مبرر ! .
نريدك أن ترد عليها .
ليس لدي ما أرد به والمناسب أن تعبر بنفسك كوزير للإعلام عن ما تراه ونشره علي لسانك .
- واستوعب الشريف رفضي بذكاء ولكن لم يستوعب بعض رجال مبارك ما نشر وضرب جمال بدوي ليلا وهوعائد إلي بيته وكسرت نظارته الطبية وقيد الحادث ضد مجهول رغم أن المجهول معلوم .
- وكان حادث أديس أبابا أيضا سببا في تفجر أزمات أخري بيني وبين النظام انفجرت في كواليس الحكم بعد نشر حوار مع هيكل في ذلك الوقت .
استنكر هيكل في الحوار أن تتحول نجاة الرئيس إلي مولد تنحر فيه الذبائح وتنطلق إليه المسيرات وكان يري أن الأفضل أن يتحول ما حدث إلي مراجعة للسياسات والتصرفات التي دفعت البلاد إلي العنف وهددت حياة رأس الدولة مباشرة .
وبالتحديد قال هيكل : »‬ ليس صحيحا أن الفزع من الحادث مبايعة لما هو كائن وإنما هوخوف مما سيكون » .. »‬ بعد عودة مبارك سالما وظفنا اللحظة العاطفية في استمرار الأوضاع القادمة» .. »‬ هناك ثلاث بؤر توتر تؤثر علي أمننا القومي : أفغانستان والسودان وإسرائيل » .
وخرج الجزء الأول من الحوار تحت عنوان رئيسي علي الغلاف : »‬ ماذا لونجحت محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا ؟ » واعتبرت وكالة رويترز التي اهتمت بالحوار العنوان أجرأ مانشت كتبته مطبوعة مصرية منذ ثورة يوليو1952 .
وبدأت ردود الفعل تتوالي بهجوم مضاد من سمير رجب ( الكاتب المفضل عند مبارك ) وكلف سمير سرحان ( رئيس هيئة الكتاب ) الدكتور عبد العظيم رمضان بجمع مقالاته التي كتبها عن هيكل في كتاب نشر تحت عنوان »‬ هيكل والكهف الناصري »‬ وانضم للزفة كتاب آخرون في الأهرام والأخبار .
أما تحت السطح فكان مبارك يشك في أن هيكل له تنظيم في الصحافة أتولي أنا قيادة اركانه علي حد قوله وعبثا حاول الدكتور أسامة الباز إقناعه بأن هيكل هوكبير الصحفيين الذين يستشيرونه في أمور مهنتهم ولكن الرئيس كان أقرب لتصديق تقارير الأمن أكثر من تفسيرات مستشاره السياسي .
وبسبب ذلك الحوارلم يتردد إبراهيم نافع في فسخ عقد الأهرام مع هيكل لنشر الطبعة العربية من كتاب »‬ المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل » وأبدي استعداده للتنازل عن العربون ولكن هيكل أعاد ما تقاضاه من مال ( ربع مليون جنيه ) مع رسالة أطلعني عليها سجل فيها كعادته الواقعة .
ونشرت دار الشروق الكتاب الذي حملت إحدي نسخه إهداء من هيكل يعكس شدة الأزمة : »‬إلي عادل حمودة زميلا وصديقا ورفيق مشاكل مازالت تجرجر أذيالها مع الود ».
وعندما جمعت حوارات هيكل في كتاب نشر تحت عنوان »‬ لعبة السلطة في مصر »‬كتب مقدمته بنفسه تحت عنوان »‬ السؤال »‬ واصفا السؤال بجوهر الفلسفة الباحثة عن الحقيقة مؤيداً أن المجتمعات تظل بخير طالما تمسكت بالسؤال »‬تسأل عن عالمها وزمانها وتسأل عن واقعها وظروفها وتسأل نفسها وغيرها ثم لا تفتر همتها أو ينثني عزمها عن التفكير في أسئلة جديدة بلا حدود أوقيود غير الحرص علي أن تبقي هذه الأسئلة موصولة بالحياة وغير معزولة عنها » علي حد ما أضاف .
ويستطرد : »‬وربما الميزة الأساسية في الشخصية المهنية للصديق عادل حمودة أنه رجل يحمل سؤاله معه أينما ذهب».
»‬والواقع أنه إذا كان السؤال هو جوهر الفلسلفة فهوأيضا صميم مهنة الصحافة في آخر طباعاتها فالصحافة خصوصا في الغرب أوروبا وأمريكا تتجه في معظمها الآن إلي ما يسمونه الصحافة السائلة أوإنفستجيشن جورناليزم وهي مدرسة تؤمن بأن الصحافة سؤال وهذا صحيح إلي أبعد مدي والصحيح أيضا ان الحياة سؤال وأن الحقيقة سؤال أما الإجابات فهي اجتهادات بعضها يصل إلي هدفه وبعضها سهام تطيش في الفضاء ».
وفيما بعد اعترف هيكل بأن أحد أسباب إخراجي من روز اليوسف كانت النافذة التي فتحتها له ليطل منها علي جمهوره في مصر .
وفيما بعد أيضا تباعدت بيننا السبل بعد أن خذلنا وراح يدعم الإخوان في الحكم باستقباله لمحمد مرسي في عزبته ببرقاش قبل أن يكون رئيسا وليرد له الزيارة في قصر الاتحادية بعد أن أصبح رئيسا والقصة كاملة نشرتها في كتاب »‬خريف هيكل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.