تكليفات رئاسية حاسمة للحكومة ورسائل قوية للمصريين    توافد أطباء الأسنان للإدلاء بأصواتهم في انتخابات النقابة الفرعية بالقليوبية    تمريض الإسكندرية تعقد مؤتمرها الطلابي الأول    كيلو البلطي ب64 جنيها.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية بسوق العبور الجمعة    بلومبرج: ثروة إيلون ماسك تتجاوز مارك زوكربيرج ب 23 مليار دولار    طلاب هندسة الجامعة الألمانية بالعاصمة الإدارية يزورون العلمين الجديدة    ملفات ساخنة على طاولة مباحثات بلينكن في الصين.. المنافسة الاقتصادية "الأبرز".. وواشنطن تهدد بكين بورقة تايوان    مشهد مروع لاعتقال الشرطة الأمريكية أستاذة اقتصاد بجامعة إيموري بسبب غزة (فيديو)    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا    فرنسا: قوة التدخل السريع الأوروبية سترى النور العام المقبل    اليونان:لا يمكننا إرسال منظومات إس-300 إس أو باتريوت إلى أوكرانيا    اليوم، مد فترة تشغيل المترو ساعة لتشجيع النادي الأهلي    تحرير 1410 مخالفات ملصق إلكتروني ورفع 43 سيارة ودراجة نارية متروكة    حبس 3 أشخاص كونوا تشكيلا عصابيا تخصص في تجارة المخدرات    بدلا من بيعه، الشركة الصينية المالكة ل تيك توك ترضخ للضغوط الأمريكية    مايا مرسي تشيد بالمسلسل الإذاعي "يوميات صفصف" لصفاء أبو السعود    فحوصات يجب إجراؤها عقب ولادة الطفل حفاظا على صحته    ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن.. 7 أهداف ضمن الحوار الوطني    رمضان صبحي: الأهلي والزمالك الأقرب دائما للفوز بلقب الدوري    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. الأهلي ضد مازيمبي    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للاسكواش    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    خبير: أمطار غزيرة على منابع النيل فى المنطقة الإستوائية    خزنوا الميه.. إعلان ب قطع المياه ل12 ساعة عن هذه المناطق    حصول 4 معاهد أزهرية على الاعتماد والجودة رسمياً بالإسكندرية    بدون إصابات.. إنهيار أجزاء من عقار بحي الخليفة    حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد الجيش الإسرائيلي يوم الخميس    القناة الأولى تبرز انطلاق مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة    فضل قراءة سورة الكهف ووقت تلاوتها وسر «اللاءات العشر»    تؤجج باستمرار التوترات الإقليمية.. هجوم قاس من الصين على الولايات المتحدة    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور في 20% من عينات الألبان في الولايات المتحدة    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    استقرار أسعار الدولار اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    واعظ بالأزهر: الإسلام دعا إلى صلة الأرحام والتواصل مع الآخرين بالحسنى    أماكن الاحتفال بعيد شم النسيم 2024    اعرف الآن".. التوقيت الصيفي وعدد ساعات اليوم    «إكسترا نيوز» ترصد جهود جهاز تنمية المشروعات بمناسبة احتفالات عيد تحرير سيناء    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    الزمالك يزف بشرى سارة لجمهوره بشأن المبارة القادمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    «جريمة عابرة للحدود».. نص تحقيقات النيابة مع المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    عاجل - محمد موسى يهاجم "الموسيقيين" بسبب بيكا وشاكوش (فيديو)    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبارك وهيكل وأنا ثلاث ورقات ساخنة على مائدة الصحافة.. صفحات من مذكرات عادل حمودة (20)
نشر في الفجر يوم 25 - 05 - 2018

منعت الرئاسة هيكل من لقاء جمهور معرض الكتاب ففتحت له صفحات روزاليوسف
ماذا لو نجحت محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا؟ مانشيت وصفته وكالة رويترز بالأجرأ منذ ثورو يوليو 1952
عوقب هيكل بفسخ عقود كتبه مع الأهرام وعوقبت بإخراجى من روزاليوسف فقد كنا حسب وصفه رفقاء مشاكل مازالت تجرجر أذيالها
كأننا كنا فى شوق جارف للحرية وما إن وصلت إلينا حتى مارسناها بجنون وبلا توقف خشية أن يأتى يوم نتوقعه نحرم فيه منها.
كأننا مثل خاطفى طائرة نسافر بها حيث نشاء ونحقق من ورائها ما نحلم به وإن كنا نعرف مسبقا أنها ستهبط ستهبط مهما طال تحليقها فى السماء، إما لنفاد الوقود أو بصاروخ أرض جو تطلقه السلطة فصنعنا بها ما يحلو من أكروبات صحفية.
لكن تلك المشاعر لم تأت إلا بعد أن تجاوزنا مرحلة البداية الصعبة التى كنا فيها كمن يصلح سيارة خربة وعليه فى الوقت نفسه قيادتها فلا يمكن إيقاف مجلة مثل روزاليوسف لبعض الوقت بحجة تطويرها وتحديثها وتغييرها.
فى تلك الفترة من سبعينيات القرن العشرين كان المناخ السياسى متفجرا بالعنف المغطى بفتاوى جهادية استجابت إليها تنظيمات إسلامية مسلحة انتشت زهوا بعد أن اغتالت رئيس الجمهورية وعرابها أنور السادات.
قنابل تنفجر.. سيارات مفخخة.. رجال شرطة يقتلون.. رصاص يلعلع.. مسابح تلمع.. أموال خفية تتسرب من تحت أسلاك الحدود تدعم وتمول.. وشخصيات سياسية تتفاوض سرا مع السفارة الأمريكية لتسليم البلاد إلى حكومة دينية تمهيدا لإعلان دولة الخلافة.
أما المناخ الصحفى فكان مخنوقا بصحف حكومية يسيطر عليها رؤساء تحرير صادروا نسمات الهواء وتمتعوا بترف المميزات.. سيارات وبدلات وعمولات رفعت أرصدتهم إلى خانة الملايين.. وكان محرما عليهم الاقتراب من كلمات بعينها مثل الفساد و التعذيب و النهب.. ولم يجرؤ على انتقاد وزير أو محافظ أو حتى مذيعة تليفزيون.. وفى الوقت نفسه عجزوا عن مواجهة ضربات الصحف الحزبية التى كانت فى ذروة تألقها السياسى والمهنى.
كانت هناك تجارب صحفية حزبية مميزة جسدها محمود عوض فى الأحرار وإن لم تستمر طويلا أما تجربة صلاح عيسى وحسين عبدالرازق فى الأهالى فحققت نجاحا مدويا رغم المضايقات والمصادرات التى تعرضت لها ووضع جمال بدوى الوفد فى مكانة مؤثرة وبصبغة الشعب بصبغة إسلامية حاول عادل حسين لأن يحرك توزيعها الجامد فى مكانه ولكن غياب الخبرة المهنية والجاذبية الصحفية أعجزه عن النجاح.
ومنذ اللحظة التى تسلمت فيها المسئولية أعلنت أن روزاليوسف ستعبر عن المجتمع لا عن النظام وكان الشعار الذى طرحناه علنا: ضد الإرهاب وضد الفساد وهما معا وجهان لعملة واحدة.
ولم يك موقفى من الإرهاب مفاجأة فرصيدى من المؤلفات التى سبقت بنشرها أربعة كتب حققت نجاحا وأثارت نقاشا وخلقت تيارا متناميا من المقاومة المدنية والعلمانية ساهم فى دفع مصر إلى بر الأمان وإن وضعنا فى خانة الاغتيالات حسب ما رصدت كثير من المستندات التى ضبطت فى حوزة التنظيمات الإرهابية المسلحة التى قبض عليها.
وكنت متأكدا أن النظام سيحتملنا فى كشف الفساد طالما لم يقض على الإرهاب بعد فرحنا ننشر بحرية متناهية ما يصل إلينا من قضايا الرشوة والمحسوبية ونهب المال العام دون مراعاة الشخصيات المتهمة فيها بما فى ذلك الوزراء وأبناؤهم.
وكان ما قدرنا صحيحا فما إن انتهت موجة الإرهاب بعد حادث الأقصر (فى 19 نوفمبر 1997) حتى بدأ العد التنازلى للتخلص منا ولم يمر سوى شهور قليلة حتى كان ما كان.
وأعترف أن مبارك كان صبورا معنا وتحمل ضغوط أهل السلطة وأهل الثروة وأهل المهنة الذين ضغطوا عليه للقضاء علينا ولكنه لم يكن ليعلق على ما يسمع منهم وترك التجربة تصل إلى مداها بجرأة مذهلة بما لا أتصور حدوثه من قبل لصحيفة أو مجلة حكومية منذ ثورة يوليو 1952 وربما بقيت تجربة روزاليوسف تجربة فريدة من نوعها.. أن تقود مجلة حكومية صغيرة المهنة إلى الحرية وتفتح طرقها المسدودة لها ولغيرها.
وهنا يجب أن نسجل أن تأثير التجربة تجاوز حدود روزاليوسف إلى الصحف والمجلات الأخرى التى أخذت منها أفكارا للتحرير وأسلوبا للتنفيذ واتجاها مختلفا فى إبراز ما لديها من أخبار موضوعات دون أن ينسى أحد مرة أخرى أن تلك التجربة كانت فى مجلة حكومية.
وأتصور أن المراقب المنصف سيصدق على أن روزاليوسف تجاوزت الصحف الحزبية وخفضت من تأثيرها وبظهور الصحف المستقلة تضاعفت أزمة الصحف الحزبية ولم ينج منها سوى القليل.
ومثل كل الذين يمهدون طرقا وعرة عانينا مشقة نفسية أكثر منها جسدية وتعرضنا إلى حملات تشهير وتكفير وتدمير أوجعتنا لكننا تحملنا سوء الظن وسوء التأويل لتصل الحرية التى آمنا بها إلى أجيال جديدة على طبق من كريستال بمعاناة أقل مما عشناها وإن شارك بعضها فى الحفلات الهمجية التى نصبت لالتهامنا دون أن تدرك أن الحرية التى تتمتع بها نحن من دفع ثمنها.
لكنه فى الحقيقة داء شهير بليت به صاحبة الجلالة.. تنكر اللاحق للسابق.. حدث ذلك فى أخبار اليوم بعد القبض على مصطفى أمين متهما فى قضية تجسس وحدث فى روزاليوسف بعد خروج إحسان عبد القدوس منها وحدث فى الأهرام بعد إقالة هيكل ولا تبرير لتلك الحالة الشائعة سوى أن أمراض النرجسية كثيرا ما تنقلب إلى سادية.
بدأت تجربتى فى روزاليوسف رسميا يوم الاثنين 17 فبراير 1992 وإن لم يوضع اسمى على ترويسة المجلة إلا فى العدد التالى نائبا لرئيس التحرير.
كان الغلاف صورة أبيض وأسود للسادات وهو يقرأ القرآن وتحتها عنوان أيام السادات الأخيرة وعنوان آخر: الموساد والجهاد يتجسسان على مصر وعنوان ثالث: صراع على تركة عثمان أحمد عثمان حيا بعد إصابته بالزهايمر.
وكتب فتحى غانم: المساجد والصراع على السلطة، وكتب محمود المراغى: الحكومة واللعب خارج الملعب، وكتب أحمد حمروش: لماذا ساءت العلاقة بين الوفد والثورة؟ وكتب فيليب جلاب: حزبان فى أمريكا الأهلى والزمالك مما يعنى أننى حافظت على الأسماء الكبيرة التى تملك شيئا تكتبه دون إغفال حق الأجيال الجديدة مثل إبراهيم عيسى وأسامة سلامة وعبد الله كمال الذين كتبوا فى نفس العدد.
وتألقت الصفحة الأخيرة برؤية عاصم حنفى الذى أكمل مسيرة محمود السعدنى فى السخرية التى تنقد ولا تذبح وكان متحمسا للتجربة التى أنفذها ليس فقط لأننى من جيله وإنما لأنها ترد لروزاليوسف التى وقع فى غرامها اعتبارها.
ولم يمر علينا سوى أسبوعين حتى توفى صلاح حافظ ورحنا بقلوب حزينة نكتب عنه وتألمت أكثر من غيرى لغيابه عن التجربة التى دفعنا لخوضها وتمنيت أن يطول به العمر ليشارك فيها بخبرته الهائلة موفرا علينا كثيرا من الجهد متحملا معنا ما تلقينا من ضربات وطعنات.
وفى العدد نفسه نجحت فايزة سعد فى إجراء حوار مع الرئيس الجزائرى محمد بوضياف بعد أيام قليلة من توليه المنصب فى 16 يناير 1992 وجاء الحوار قبل اغتياله فى 29 يونيو بشهور قليلة كما أنها كشفت فيما بعد عن جريمة قتل الرئيس الجزائرى الأسبق هوارى بومدين بسم والدتسستروم يوم 27 ديسمبر 1978 فقد كانت فايزة سعد أقوى محررة فى الشأن الجزائرى وسبق أن أجرينا معا حوارا مع الرئيس الشاذلى بن جديد نشر قبل سنوات فى روزاليوسف.
ونجح وائل الإبراشى الذى ظهر اسمه أول مرة فى إجراء حوار مع الفريق سعد الشاذلى الذى كان ينتظر محاكمة عسكرية متهما بإذاعة أسرار عسكرية عليا خلال وجوده خارج البلاد ولم يكن نشر ما يقوله رئيس الأركان الأسبق مرحبا به بالقطع فخصمه فى الدعوى كان الرئيس مبارك شخصيا وكان يسعى لإعدامه ثمنا لوصفه بالخيانة.
وبسبب عدم قدرة محرر واحد منفردا على تحقيق قضية أو تغطية حادث ما لعدم كفاية التدريب عهدت بجمع مادة التحقيق الواحد لعدد كبير من المحررين قد يصل عددهم إلى 12 محررا مثلما حدث فى قضية فتاة العتبة التى تعرضت لاعتداء جنسى فى أتوبيس عام وهو ما أثار اهتمام الرأى العام بطريقة غير مسبوقة وكان بين المحررين من أصبح رئيسا للتحرير مثل حمدى رزق وجمال طايع وعصام عبد الجواد وإبراهيم خليل وعبد الله كمال.
وبدأ إبراهيم عيسى بالتمرد على المحرمات المفروضة على الصحافة المصرية فنشر عن هيكل تقريرا بعنوان وقائع سيرة ذاتية ممنوعة، ونشر تقريرا عن الجنس فى الجنة متوقفا عند كتاب لجلال كشك يحمل العنوان نفسه وتحدث فيه عن تمتع الرجال بالغلمان قبل الحور العين ورد عليه كشك فى مجلة أكتوبر لتعود للصحافة معاركها الفكرية التى اشتهرت بها.
ورغم كراهية النظام لهيكل إلى حد منع ندواته فى معرض الكتاب، فإننى فتحت له صفحات روزاليوسف فى حوارات اتسمت بالجرأة والحديث بلا قيود وكانت المنفذ الوحيد المتاح أمامه فى الميديا المصرية كلها بل كانت التعليمات الرسمية بالهجوم عليه بمناسبة أو بدون مناسبة بل أكثر من ذلك دعوناه لندوة مفتوحة فى روزاليوسف تكالب عليها أعداد هائلة من البشر هددت الزجاج الخارجى لواجهة المؤسسة بالتحطم من شدة الزحام والتدافع وتعطل المرور لبعض الوقت فى شارع قصر العينى.
وجمعت حوارات هيكل فى كتاب لعبة السلطة فى مصر ليزيد من الغصة فى حلق النظام، ولكن رغم ذلك لم يتدخل مبارك لمنعها أو وجه لنا لوما بسببها وكل ما فعل هو الرد على هيكل فى حوارات يجريها معه إبراهيم نافع فى الأهرام فى حالة من الرقى الحضارى لم نعهدها فى حكم مصر فيما قبل.
لم يمنع مبارك حوارات هيكل فقط بل أشهد على أكثر من ذلك أن لا أحد من الكبار فى الدولة تدخل ليملى علينا شيئا إلا مرة واحدة.
كان مبارك بعد نجاته من محاولة اغتياله فى أديس أبابا (يوم الاثنين 25 يونيو 1995) قد استقبل وفدا نسائيا من الكويت للتهنئة بنجاته وفى اللقاء راح ينتقد بشدة الصحفيين المصريين ويتهمهم بفساد الذمة وتلقى الرشاوى وكان بين أعضاء الوفد صحفية اعترضت على ما قال بل ودافعت عن الصحفيين المصريين: الأساتذة الكبار الذين علمونا أصول المهنة ونشرت ما حدث فى صحيفتها.
التقط جمال بدوى الواقعة وكتب عنها افتتاحية ساخنة فى الوفد بعنوان: أصابت امرأة وأخطأ الرئيس، بدا واضحا من عنوانها ما فيها من لوم وعتاب.
لكن ما استفز رجال مبارك وأثار غضبهم هو كيف تصيب امرأة ويخطئ الرئيس؟ واستيقظت فى أعماقهم مشاعر التمييز التى تمنح الرجل ما لا تمنحه للمرأة فما بالك الرئيس وهو ليس أى رجل فى عرفهم.
واتصل بى صفوت الشريف (وكان وزيرا للإعلام) متسائلا:
هل قرأت ما كتب جمال بدوى؟
نعم!
وما رأيك فيه؟
مقالة موضوعية ترد الاعتبار للصحفيين الذين أهانهم الرئيس دون مبرر!
نريدك أن ترد عليها.
ليس لدى ما أرد به والمناسب أن تعبر بنفسك كوزير للإعلام عما تراه ولتنشره على لسانك.
واستوعب الشريف رفضى بذكاء ولكن لم يستوعب بعض رجال مبارك ما نشر وضرب جمال بدوى ليلا وهو عائد إلى بيته وكسرت نظارته الطبية وقيد الحادث ضد مجهول رغم أن المجهول معلوم.
وكان حادث أديس أبابا أيضا سببا فى تفجر أزمات أخرى بينى وبين النظام انفجرت فى كواليس الحكم بعد نشر حوار مع هيكل فى ذلك الوقت.
استنكر هيكل فى الحوار أن تتحول نجاة الرئيس إلى مولد تنحر فيه الذبائح وتنطلق إليه المسيرات وكان يرى أن الأفضل أن يتحول ما حدث إلى مراجعة للسياسات والتصرفات التى دفعت البلاد إلى العنف وهددت حياة رأس الدولة مباشرة.
وبالتحديد قال هيكل: ليس صحيحا أن الفزع من الحادث مبايعة لما هو كائن وإنما هو خوف مما سيكون.. بعد عودة مبارك سالما وظفنا اللحظة العاطفية فى استمرار الأوضاع القادمة.. هناك ثلاث بؤر توتر تؤثر على أمننا القومى: أفغانستان والسودان وإسرائيل.
وخرج الجزء الأول من الحوار تحت عنوان رئيسى على الغلاف: ماذا لو نجحت محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا؟ واعتبرت وكالة رويترز التى اهتمت بالحوار العنوان أجرأ مانشيت كتبته مطبوعة مصرية منذ ثورة يوليو 1952.
وبدأت ردود الفعل تتوالى بهجوم مضاد من سمير رجب (الكاتب المفضل عند مبارك) وكلف سمير سرحان (رئيس هيئة الكتاب) الدكتور عبد العظيم رمضان بجمع مقالاته التى كتبها عن هيكل فى كتاب نشر تحت عنوان هيكل والكهف الناصرى وانضم للزفة كتاب آخرون فى الأهرام والأخبار.
أما تحت السطح فكان مبارك يشك فى أن هيكل له تنظيم فى الصحافة أتولى أنا قيادة أركانه على حد قوله وعبثا حاول الدكتور أسامة الباز إقناعه بأن هيكل هو كبير الصحفيين الذين يستشيرونه فى أمور مهنتهم ولكن الرئيس كان أقرب لتصديق تقارير الأمن أكثر من تفسيرات مستشاره السياسى.
وبسبب ذلك الحوار لم يتردد إبراهيم نافع فى فسخ عقد الأهرام مع هيكل لنشر الطبعة العربية من كتاب المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل وأبدى استعداده للتنازل عن العربون ولكن هيكل أعاد ما تقاضاه من مال (ربع مليون جنيه) مع رسالة أطلعنى عليها سجل فيها كعادته الواقعة.
ونشرت دار الشروق الكتاب الذى حملت إحدى نسخه إهداء من هيكل يعكس شدة الأزمة: إلى عادل حمودة زميلا وصديقا ورفيق مشاكل مازالت تجرجر أذيالها مع الود.
وعندما جمعت حوارات هيكل فى كتاب نشر تحت عنوان لعبة السلطة فى مصر كتب مقدمته بنفسه تحت عنوان السؤال واصفا السؤال بجوهر الفلسفة الباحثة عن الحقيقة مؤكد أن المجتمعات تظل بخير طالما تمسكت بالسؤال تسأل عن عالمها وزمانها وتسأل عن واقعها وظروفها وتسأل نفسها وغيرها ثم لا تفتر همتها أو ينثنى عزمها عن التفكير فى أسئلة جديدة بلا حدود أو قيود غير الحرص على أن تبقى هذه الأسئلة موصولة بالحياة وغير معزولة عنها على حد ما أضاف.
ويستطرد: وربما الميزة الأساسية فى الشخصية المهنية للصديق عادل حمودة أنه رجل يحمل سؤالا معه أينما ذهب.
والواقع أنه إذا كان السؤال هو جوهر الفلسفة فهو أيضا صميم مهنة الصحافة فى آخر طبعاتها فالصحافة خصوصا فى الغرب أوروبا وأمريكا تتجه فى معظمها الآن إلى ما يسمونه الصحافة السائلة أو إنفستجيشن جورناليزم وهى مدرسة تؤمن بأن الصحافة سؤال وهذا صحيح إلى أبعد مدى والصحيح أيضا أن الحياة سؤال وأن الحقيقة سؤال أما الإجابات فهى اجتهادات بعضها يصل إلى هدفه وبعضها سهام تطيش فى الفضاء.
وفيما بعد اعترف هيكل بأن أحد أسباب إخراجى من روزاليوسف كان النافذة التى فتحتها له ليطل منها على جمهوره فى مصر.
وفيما بعد أيضا تباعدت بيننا السبل بعد أن خذلنا وراح يدعم الإخوان فى الحكم باستقباله لمحمد مرسى فى عزبته ببرقاش قبل أن يكون رئيسا وليرد له الزيارة فى قصر الاتحادية بعد أن أصبح رئيسا والقصة كاملة نشرتها فى كتاب خريف هيكل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.