يفتتح الفنان فاروق حسني وزيرالثقافة الأسبق مساء اليوم أحدث معارضه الفنية بقاعة »بيكاسو ايست» بالتجمع الخامس والذي يستمر حتي 28 فبراير، ويضم المعرض 60 لوحة جديدة أبدعها خلال 2017. اعتاد فاروق حسني طوال السنوات التي تقلد فيها وزارة الثقافة أن يقيم معرضين كل عام أحدهما في مصر والآخر خارجها ولم يتخلف عن ذلك برغم المهام الصعبة والأزمات التي واجهها، وقدعرضت لوحاته في كثير من المتاحف العالمية مثل متحف المتروبوليتان في نيويورك وهيوستن وفورت لودرديل بأمريكا ومتحف كاروسيل باللوفر في باريس والمتحف القومي بفيينا ومتحف طوكيو للفنون باليابان إلي جانب متحف فيتوريانوبروما، كما يقتني بعضها شخصيات مصرية ودولية مرموقة، وهو يعد أحد أهم كبار الفنانين التشكيليين المعاصرين، وبرغم أنه قضي جانبا من حياته في أوروبا إلا أن لوحاته تعكس انتماء شرقيا أصيلا وكما قال عنه ناقد صحيفة »التمبو» الايطالية »إن فاروق حسني فنان مثقف، يبدو في الظاهر فنانا متغربا ينتمي الي عالم التصوير الأوروبي، ومع ذلك نجده مرتبطا بجذوره القديمة وفلسفة أرض مصر وصحراواتها.. »أخباراليوم» التقت به في حوار بعيد عن السياسة وقريب من الفن الذي استحوذ عليه دائما وزاد بعد خروجه من الوزارة وجعله أكثر تحررا في رؤيته، يرتاد المعارض الفنية في مصر، ويشجع الفنانين الشبان ويقتني أعمالهم، ويقيم المعارض في الدول العربية والغربية. • قلت له: ماهو ترتيب هذا المعرض بين معارضك العديدة؟ - من حيث العدد فلم أهتم منذ البداية باحصاء عدد معارضي ولو كان كذلك لصاررقما ضخما،ومن حيث المكانة بين أعمالي فهو الأهم عندي لأنه بمجرد انتهاء المعرض فأنني اتطلع لشئ جديد أقدمه، ولا أتوقف عند ما أنجزته فقد صارحكمه بين يدي الجمهور المتذوق للفن التشكيلي ويظل الزمن رهاني الأكبر. وهل تتذكر أول معرض أقمته كفنان؟ - بالطبع،كان بعد تخرجي في كلية الفنون الجميلة وأقمته في أتيليه الاسكندرية عام 1972، وحصلت به علي جائزة دولية من فرنسا، ولأنها مدينتي الأثيرة فقد أقمت بها معرضين أحدهما في جاليري الشابوري والآخر بقصر ثقافة الانفوشي خلال عملي كمدير لقصرالثقافة. يري بعض النقاد أن البحر بطل أساسي في لوحاتك وأن زرقة البحر تمثل قاسما مشتركا في ألوانها؟ - يقال ذلك فعلا لكني لا أعرف، الفنان عموما يتأثر بكل الأجواء المحيطة به، من الممكن أن تلهمني قطعة موسيقية، أو قصيدة شعر،وقد يحفزني عمل لفنان مبتدئ، وقد يثير جنوني رسومات لطفل صغير. وكيف استقبل معرضك الأول بالقاهرة؟ - أقمت أول معارضي بالقاهرة بعد عودتي من فرنسا وكان قد ترسخ عندي الأسلوب التجريدي، وواجهت هجوما شديدا وهناك من قالوا عني أنني فنان موهوب وفاشل كبير، وبعضهم وصف ما أرسمه »بالشخبطة» كانت الآراء متباينة وأكثرها ميلا الي الهجوم، لكن ذلك لم يضعفني ووجدت فنانين كبارا يشيدون بما قدمته فكتب عني الفنان الكبيرحسين بيكار ما أثلج صدري، وكذلك الفنان الراحل منير كنعان الذي أحب رسوماتي من أول لحظة، والفنانة انجي أفلاطون، لكن الهجوم جاء من فنانين متمسكين بالماضي،يتحدثون عن الأصالة والمعاصرة، وأنني لابد أن أتمسك بجذوري الفنية، وقلت ردا عليهم: لاتصنعوا أثوابكم من أكفان بالية، لأن الفن التجريدي مثل البصمة لايتكرر. التجريد ينطوي علي قدر من التمرد فهل كنت متمردا بطبعك كفنان عاش في أوروبا سنوات طويلة والتحم بأحدث المدارس الفنية؟ - التجريد في مفهومي الخاص هو تكثيف المطلق، فهو يجعل اللامرئي مرئيا، وهو في واقعه تمرد علي الأطر التقليدية المتعارف عليها، كمن يبحث في المجهول، وقد بدأت هذا الاتجاه منذ السبعينات، وصرت استعدل المسطح أمامي بالألوان والخطوط. أعتقد انك أخذت وقتا طويلا حتي تستقر علي اتجاهك الفني؟ -لم أعرف التجريد الا بعدما خرج خطوطا وألوانا في لوحاتي، وقبل أن أهتدي إلي هذا الاتجاه،كنت أشعر بأن داخلي شيئا يريد أن يخرج للنور، أريد ان أرسم لكني غير راض عما أرسمه، حاولت أن أترجم الموسيقي الكلاسيكية التي كنت مفتونا بها وقراءاتي المبكرة في علم الجمال، وأشعار فيرلاند ورامبو، ومسرحيات جان أنوي وأوسكار وايلد، كنت أود أن أترجم هذه الثقافة في لوحاتي،وحينما كنت في فرنسا مديرا للمركز الثقافي المصري بباريس شعرت أنني اهتديت لما كان يؤرقني، وبدأت أري أعمال التجريديين العظام وأشعرأني علي الطريق الصحيح. ومن هم أعظم ممثلي هذا الاتجاه في رأيك؟ - هناك الفنان الروسي العظيم كاندينسكي وهو أحد أهم المبتكرين، وتابيس الأسباني، وسانتومازو الايطالي وجاكسون أولوك الأمريكي، وفي مصر أحب جدا أعمال منير كنعان، ورضوان كامل ورمسيس يونان. خلال توليك الوزارة كان افتتاح معارضك يتحول إلي مهرجان صاخب بحضوركبار النجوم والشخصيات والفضائيات، وفي معارضك التي أقمتها بعد ثورة يناير تصور البعض أن المعرض سيكون خاويا، لكن الزحام كان أكبر، والحضور أكثر، هل فاجأك ذلك؟ - لم يفاجئني بالمرة لأن أصدقائي ومن يعرفونني حقا يظلون في دائرة صداقتي سواء قبل أو بعد الوزارة، أما من يعرفون الوزير فلا يهمونني في شئ، وللعلم فقد حظيت بصداقات أكبر وأعمق بعد خروجي من الوزارة، وهناك معارض أقمتها في الخارج ولم أحضرها وحققت نجاحا كبيرا فقد أقمت معرضا بالنمسا وحال انشغالي دون حضوره وأرسل لي د.مصطفي الفقي وكان سفيرا لمصر بالنمسا صورا لاصطفاف الجمهور في طوابير طويلة لدخول المعرض برغم المطر، كذلك أقمت معرضا في جدة ولاقي اقبالا رهيبا ولم أكن به، بل أعمالي الفنية هي التي كانت تنوب عني. وهل تأثر فنك ايجابيا بعد تفرغك له، هل تري انعكاس ذلك علي خطوطك وألوانك؟ - المنصب كان يسبب لفني اشكالا كبيرا وكنت في حالة تحد لذاتي كفنان أتحدي الوزارة بالفن لأنه هويتي الأساسية، وكنت أخشي أن أغيب عن فني فيقولون أنني أصبحت اداريا ونسيت كوني فنانا، وقد أدركت تماما أن الفن سيكون رهاني الأكبر والأبقي لأن المنصب مهما طال لن يدوم »لودامت لغيرك ما وصلت اليك »،لذا حرصت كل الحرص ألا يستحوذ علي العمل التنفيذي وعملت علي أن أقيم معرضين كل عام، لاشك أن درجة الحرية ودرجة الأداء اختلفت الآن، فقد أصبح وقتي ملكي، قد أبقي أياما لا أرسم لكني أفعل ما يهيئني، فأقرأ وأسمع الموسيقي انتظارا للحظة ابداعية جديدة. خلال توليك الوزارة كان هناك اتهام دائم بأن لوحاتك تباع بشكل اكبر وأسعار أغلي بحكم كونك وزيرا؟ - العكس تماما، لوحاتي تضاعفت أسعارها بعد الوزارة، وبالمناسبة فأنا بخيل جدا في اهداء لوحاتي، وفي بيعها، وأشعر أن من يشتريها ينتزع جزءا غاليا مني فوجودها معي يشعرني بالدفء، والفلوس عندي ليس لها قيمة أمام ابداعي، لذا لا أبيع لوحاتي الا بعدما أعرف ممن سيشتريها أين سيضعها وما شكل بيته وهل المكان مناسب لها أم لا، ومع أصدقائي أدقق بشكل أكبر وأذهب لأري مكان وضع اللوحة، وخلال عملي وزيرا للثقافة رفضت بيع لوحاتي لمن لهم مصالح مع الوزارة. وهل حصلت علي التقييم النقدي الذي تستحقه كفنان؟ - النقد في مصر مشكلة كبيرة، وأنا أترك ماقمت به للتاريخ وللأجيال الجديدة، الوزير ظلم الفنان عندي لأن شهرة الوزير شعبية، والنقاد الحقيقيون عن علم عندنا يعدون علي أصابع اليد الواحدة، عندك مثلا مصطفي الرزاز وهو أستاذ في علم الجمال وحين يكتب يدرك مفاتيح القراءة للعمل الفني ولديه القدرة علي التحليل وتسليط الضوء علي مناطق جديدة في ابداع الفنان، وقد نلت تقييما منصفا من نقاد فرنسا وايطاليا وأمريكا مثل دان كاميرون وكاردانيتن ولورين سانت لوكي وغيرهم من رؤساء البينالي الكبري. وما الجديد في معرضك بخلاف أنك تعرض في صالة جديدة؟ - اخترت القاعة الجديدة لانني أري أن لها مستقبلا، أما المعرض ذاته فإن من لا يدركون التجريد يقولون إن التجريد كله واحد، أما من يدركونه جيدا فسوف يلمسون تغييرا كبيرا جدا في لوحاتي، وأنا لا أقيم معرضا الا إذا كان هناك جديد أقدمه، فالفن حالة متأججة لا تعرف الثبات.