خالد أبوبكر: الصناعة أهم طرق الحد من فاتورة الاستيراد    انتهاء توصيل خطوط المياه لمدرسة منشية النوبة بالأقصر    «التعليم» تعقد ورشة عمل إقليمية عن الذكاء الاصطناعي    إسبانيا ترفض دخول سفينة محملة بالأسلحة إلى موانئها في طريقها لإسرائيل    ظل عالقا 26 عاما.. فيديو يوثق لحظة خروج «شاب الحفرة» من تحت الأرض    توقيف رئيس حرم جامعي في كاليفورنيا بسبب تضامنه مع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين    ضربة قوية ل الهلال قبل مواجهة النصر في الدوري السعودي    تطور مفاجئ في مصير محمد صلاح مع نهاية الموسم.. ماذا سيحدث؟    3 ظواهر جوية تضرب البلاد غدا.. رياح محملة بالأتربة وموجة حارة شديدة    «نجوم إف إم» تكرم أحمد السقا في حلقة خاصة    تفاصيل افتتاح مهرجان إيزيس لمسرح المرأة في دورته الثانية بالأوبرا (صور)    الكشف على 1161 مواطنا في قافلة طبية مجانية بالبحيرة    نتيجة الصف الرابع الابتدائى الترم الثانى.. موعد وطريقة الحصول عليها    الفيوم تستضيف الجلسة ال26 للجنة قطاع العلوم الأساسية على مستوى الجامعات    تقرير: كايزر تشيفز يخطط للتعاقد مع بيرسي تاو    المؤلف نادر صلاح الدين: عادل إمام لا يتدخل في كتابة السيناريو إلا بطريقة احترافية شديدة    أستاذ قانون دولي: يجب على محكمة العدل إصدار قرار بوقف إطلاق النار في غزة    قصر ثقافة مطروح.. لقاءات عن العمل وإنجازات الدولة وورش حرفية عن النول والمسمار    لا عملتها ولا بحبها ولن نقترب من الفكر الديني.. يوسف زيدان يكشف سر رفضه «مناظرة بحيري ورشدي»    لراحة القلب والبال.. أفضل دعاء في يوم الجمعة «اللّهم ارزقني الرضا وراحة البال»    الشباب والرياضة: مشروع قومي لتطوير مدربي منتخبات كرة القدم    طريقة عمل العزيزية لتحلية سريعة التحضير وشهية    أعراض ضربة الشمس، وطرق العلاج في البيت والوقاية    نتنياهو: معركة رفح "حاسمة" واكتمالها سيقطع بإسرائيل مسافة كبيرة نحو هزيمة "حماس"    الاتحاد يتأهل إلى نهائي المربع الذهبي لكرة السلة    فعاليات فنية ل ذوي الاحتياجات الخاصة وسبل تخطي الأزمات ب ثقافة الغربية    حقيقة إيقاف شهادة 23.5 من بنك مصر بعد قرار التعويم الأخير    بعد وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية- كيف يسبب السكري الموت؟    جامعة بني سويف من أفضل 400 جامعة عالميا.. والرابعة محليا    بالفيديو.. نصيحة هامة من الشيخ خالد الجندي إلى الأباء والأمهات    إنطلاق المشروع القومي لتطوير مدربي المنتخبات المصرية لكرة القدم NCE    مدفيديف يصف زيارة زيلينسكي إلى خاركوف ب«الوداعية»    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    فانتازي يلا كورة.. الثلاثي الذهبي قبل الجولة الأخيرة في بريميرليج    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    سكاي: فونيسكا الخيار الأول لخلافة بيولي في ميلان    أحلام الشباب في اقتناص ثروات الذكاء الاصطناعي تتحطم على صخرة الجامعات الحكومية    «كارثة متوقعة خلال أيام».. العالم الهولندي يحذر من زلازل بقوة 8 درجات قبل نهاية مايو    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    "هُتك عرضه".. آخر تطورات واقعة تهديد طفل بمقطع فيديو في الشرقية    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    الخارجية الكورية الجنوبية تعرب عن تمنياتها بالشفاء العاجل لرئيس الوزراء السلوفاكي    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    رئيس جامعة المنيا يبحث مع الجانب الإيطالي تطوير معامل ترميم الآثار بالجامعة لخدمة الباحثين    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    محافظ المنوفية يتفقد أعمال التطوير بكورنيش شبين الكوم الجديد وشنوان    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السادات للشرقاوي: «الشيوعيون في روز اليوسف ضحكوا عليك يا عبد الرحمن »!

جملة واحدة من كلمتين رفض صحفي موهوب النطق بها أمام الرئيس فحرمه من رئاسة التحرير !
دراما أشهر محرر مجتمع.. من اللعب بالفلوس.. إلي طرد الشياطين بالمنشة وإزالة العنكبوت لمنع العكوسات!
قال السادات لمجموعة
من رؤساء التحرير:
»انتم في ذمتي لا تساووا قرشا»‬
فخرجوا سعداء لأنه لم يُقِلهم !
فضائح الطبقة الأرستقراطية
في النوادي الراقية عجلت بقيام ثورة يوليو !
خبَّأت تحية كاريوكا صلاح حافظ
من البوليس السياسي في مخزن بيتها فعرض عليها الزواج !
الدنيا بغير حب أكوام من حجارة.. من لا يعيش الحب لا يستوعب الحضارة.. العشق هو حياتنا البريئة والحميمة.. والدولة التي تعتبره جريمة دولة قبيحة مسيئة. . وعندما نقع علي جذور رقابنا من الدور العاشر ونحب نري الأشياء بعواطفنا ونحكم عليها بمشاعرنا.. ساعتها تترفع عيوننا عن رؤية العيوب.. البدينة تصبح رشيقة.. البلهاء نجدها مثيرة. . يسالونك عن الحب.. قل الحب مثل الروح من عندي ربي.. الحب هو السر الخفي في كيمياء البشر الذي احتفظت به السماء بعيدا عنا حماية لنا. . طوال ثلاثين سنة عشتها في روز اليوسف لم أجد في مبناها الكئيب قبحا.. إنه الحب.. تفسير ما لا يفسر.. وتبرير ما لا يبرر. . شيد المبني من ثماني طوابق بطريقة هندسية غير مناسبة لوظيفته المهندس المعماري الدكتور سيد كريم.. حجرات متتالية متلاصقة تقع علي طرقات مربعة وسطها منور كبير أكل مساحة من الأرض الثمينة في شارع قصر العيني.. مبني لا فيه عمارة أخبار اليوم ولا رخام الأهرام ولا سكون دار الهلال.. لكنه أصبح جزاء من لحمي وتاريخي. . انتقلت روز اليوسف إلي ذلك المبني بعد أن اختنقت داخل مقرها القديم المتهالك الذي شهد مولدها في شارع محمد سعيد بالقرب من ميدان التحرير.. بدأت في مكان متواضع مثل أخبار اليوم التي حررت عددها الأول من شقة في عمارة وسط القاهرة.
دخلت مبني روز اليوسف في وقت كان الإهمال يسيطر عليه.. مكاتب من الصاج الرخيص.. أرضيات من بلاط بارد كالح.. حمامات مهملة لا تطاق.. جدران جيرية تغطيها الأتربة وشبكات العنكبوت جعلت جلال فهيم يمسك بمنفضة طويلة الذراع ليزيلها بعد أن آمن بأنها السبب في كل ما تعاني منه المؤسسة من خراب وضعف في المرتبات وانهيار في التوزيع وسيطرة أمنية علي ما ينشر.
وجلال فهيم كان »‬أشطر» محرر باب المجتمع »‬أين يذهب الناس ؟» وهو باب كان يصيغ أخباره باسلوبه الجذاب والتحريضي صلاح حافظ قبل ثورة يوليو.. كشف فيه تناقضات الحياة في مصر.. وكان أحد أسباب تعاطف المصريين مع الثورة باعتراف جمال عبد الناس نفسه.
والمفاجأة أن مصدر هذه الأخبار كان إسماعيل سري ابن شقيق حسين سري باشا الذي كان دائم الغضب لأن صلاح حافظ لا يلتزم بالتعليمات التي يكتبها علي هامش أخباره التي كان يقصد بها التحكم في مجتمع الذوات بينما صلاح حافظ يهدف إلي إزالته.
وجاء جلال فهيم وكان بارعا في التقاط أخبار وأسرار الشخصيات المؤثرة في المجتمع لسبب بسيط أنه كان يعيش مجتمعات السهر بكل ما فيها من حب وخيانة وغدر وانتقام وقمار وصفقات.. في يوم تجد معه ألف جنية وفي يوم آخر يطلب منك شراء سندوتش فول.. وفجأة اعتزل تلك الحياة المثيرة والمضطربة معا وأعلن توبته عن كل ما يغضب الله وراح يبعد الشيطان بمنشة في يده بجانب إصراراه علي إزالة خيوط العنكبوت التي يري أنها المسئولة عن كل ما تعاني منه روز اليوسف من متاعب.
لكن عشق روز اليوسف كان للمعني لا للمبني.. لجرأة الساكن لا لقيمة المسكون.. لبريق الشخصيات لا لبرودة الطرقات.. فمهما بدت تلك المجلة شاحبة ناحلة متعبة فإنها قادرة علي الحياة من جديد بمجرد أن تخرجها إلي شمس الحرية.
علي أنها في أوقات كثيرة وطويلة تنكمش علي نفسها مثل طاووس يطوي جناحيه ويسقط ريشه ويشرب دموعه ويجتر أحزانه.. إنها الأوقات التي تخنقها فيه السلطة وتجبرها علي معاشرة رجال غرباء عنها يغتصبونها ولا يفهمون سرها ومن ثم فإنها إما في السماء أو في الأرض.. إما في القمة او في القاع.. لا وسط.. فليس هناك نصف عبودية أو نصف موهبة أو نصف جرأة أو نصف حرية.
لكن للآسف كانت أوقات تألق روز اليوسف استثنائية إذا ما قيست بسنوات الركود والتجمد والفشل وانتشارخيوط العنكبوت علي جدرانها مستفزة جلال فهيم.
تألقت روز اليوسف أيام محمد التابعي وإحسان عبد القدوس وصلاح حافظ وأنا وأقولها مجبرا بحكم ما حدث بشهود لا يزالون علي قيد الحياة.
عشت بنفسي تجربة صلاح حافظ وشاركت فيها وتعلمت منها ما جعلني أكرر نجاحها ولكن بأسلوب مختلف فكل وقت وله آذان.
كان السادات بعد حرب أكتوبر يفكر في إعادة الأحزاب السياسية التي ألغيت في 15 مايو 1953 فوجد أن الخطوة الأولي رفع الرقابة المباشرة علي الصحف واختار »‬الأهرام» لتعبر عن »‬الوسط» الحاكم وروز اليوسف لتعبر عن »‬اليسار» وأخبار اليوم لتعبر عن »‬اليمين» وفي تلك الأثناء تولي صلاح حافظ رئاسة التحرير مسئولا عن الشئون السياسية وتولي فتحي غانم رئاسة التحرير مسئولا عن الفن والثقافة والمجتمع وكان عبد الرحمن الشرقاوي قد سبقهما إلي المؤسسة رئيسا لمجلس إدارتها بعد أن وصف إنقلاب السادات علي رجال عبد الناصر في 15 مايو 1971 بثورة التصحيح.
لم تزد تلك التجربة عن عامين وسبعة شهور (من يونيو 1974 إلي فبراير 1977) ولكن رغم النجاح المذهل الذي حققته توزيعا وتأثيرا فإنها أجهضت عند اول خلاف سياسي بينها وبين السادات.
في 18 و19 يناير انفجرت تظاهرات الطعام بعد ان فاجأت الحكومة الشعب برفع الدعم عن أسعار السلع الغذائية الرئيسية ووصف السادات تلك التظاهرات التي قتل فيها 80 شخصا وجرح 800 غيرهم بانتفاضة الحرامية ولكن روز اليوسف اعتبرتها انتفاضة شعبية بل أكثر من ذلك اعتقل بعضا من كتابها ضمن القائمة التي ضمت ألف يساري منهم يوسف صبري الذي تولي رئاسة التحرير في الشهور الأولي لقدوم الشرقاوي.
واذكر أن صلاح حافظ جلس إلي الشرقاوي في مكتبه بحضور فتحي غانم ولويس جريس (العضو المنتدب) وعدلي فهيم (المدير الفني) وكنت هناك بصفتي سكرتيرا للتحرير وقرأ صلاح حافظ التقرير الصحفي الذي سينشر تغطية للاحداث بجرأة تخالف التيار السائد سياسيا وصحفيا وما أن انتهي حتي طلب عدد من المحررين وضع اسمائهم عليه كنت من بينهم مشاركة منا في تحمل المسئولية السياسية بصورة جماعية.
وسألني الشرقاوي: »‬بصفتك دارسا للاقتصاد والعلوم السياسية كيف تري تلك التظاهرات ؟».
وكان ردي: »‬إنها تظاهرات فاجأت السادات وصدمته وربما هزت ثقته في نفسه وفي حكمه ولابد أنه سيفكر في مناورة كبري يلتهم بها الآثار السلبية التي حدثت».
وفي خريف العام نفسه وتحديدا في 19 نوفمبر 1977 تحدي السادات قدره وقام بزيارته الانقلابية إلي إسرائيل.
وكما توقعنا غضب السادات مما نشرت روز اليوسف وقرر إبعاد الشرقاوي إلي الأهرام كاتبا متفرغا وقال له: »‬الشيوعيون ضحكوا عليك يا عبد الرحمن».
واستدعي مرسي الشافعي مدير تحرير المصور وفتح السادات ملفا ضخما امامه وراح يقرأ منه ما ليس في صالح الشافعي وما ان انتهي حتي سأله : »‬أعمل فيك إيه يا مرسي ؟» ولم يرد مرسي الذي تصور أن مصير مظما ينتظره لكن السادات فاجأه قائلا: »‬عينتك رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير روز اليوسف وستأخذ معك عبد العزيز خميس مديرا للتحرير انت عارف إنه كان متهم معي في قضية اغتيال أمين عثمان تعاون معه بصدق وخلصونا من الشيوعيين».
ولكن للإنصاف ظل السادات يحب ويحترم ويقدر موهبة صلاح حافظ وكان يتمني أن يسايره في تعبير انتفاضة الحرامية ولكن صلاح حافظ اصر علي أنها انتفاضة شعبية مما جعل السادات يقول له في اجتماع حضره كبار الصحفيين: »‬لسة الدجمة دي في دماغك يا صلاح أنا كنت سأعيدك إلي رئاسة التحرير لكن أنت حر».
جملة من كلمتين تجعل صحفي رئيسا للتحرير لو نطق بها وتطرده من الجنة لو رفضها لكن رجل مثل صلاح حافظ إنحاز إلي ضميره السياسي معطيا ظهره للمنصب.
والحقيقة ان روز اليوسف بعد تجربته ظلت في حالة هزال مهني نحو 15 سنة وعبر السادات عن ما جري لها قائلا: »‬استرحت من صداعها ولم أعد أقرأها».
كما أنه ذات مرة قال لمجموعة من رؤساء التحرير من بينهم بعض رجاله في روز اليوسف إنهم لا يساوون في ذمته ربع جنية فخرجوا يقبلون بعضهم البعض لأنه ابقي عليهم في مناصبهم.
بعد وفاة مرس الشافعي سيطر عبد العزيز خميس علي التحرير والإدارة وجاء بعده محمود التهامي الذي بدأت تجربتي الصحفية معه في فبراير 1992 مستلهما ما اكتسبت وما تعلمت وما استوعبت من صلاح حافظ.
وصلاح حافظ ولد في 27 اكتوبر 1925 في مدينة الفيوم ( قبل يوم واحد من صدور العدد الأول من روز اليوسف ) واصر والده علي أن يدرس الطب واستجاب إليه لكنه لم يحرم نفسه من كتابة القصة وراح ينشر ما أبدع في صحف ومجلات مثل الكتلة والنداء وصوت الأمة وكلفه ياسين سراج الدين بإصدار مجلة القصة ونشر فيها القصة الأولي للدكتور يوسف إدريس الذي كان زميلا له في كلية الطب هو والدكتور مصطفي محمود.
ولكن صلاح حافظ لم يكتف بالقصص القصيرة وإنما راح يكتب في الصحف اليسارية التي كان يراها معبرة عن أفكاره السياسية مثل »‬الكاتب» و»‬الملايين».
وحسب شهادة رشاد كامل فإن مأمون الشناوي حمل إلي صلاح حافظ عرضا من إحسان عبد القدوس للعمل في روز اليوسف مقابل 15 جنيها شهريا وهو ما اعتبرته فاطمة اليوسف نوعا من الطمع ونشر صلاح حافظ بابه الشهير »‬انتصار الحياة» الذي استخدم دراسته الطبية في تشخيص حالة المجتمع المصري كما وضع تصورا لمجلة صباح الخير ولكن قبض عليه في شتاء 1954 قبل التنفيذ.
اما السبب فهو أنه تورط في السياسة منضما إلي تنظيم شيوعي معارض (حدتو) سعي علي تصحيح مسار ثورة يوليو فلم يكمل دراسة الطب وعاش فترات من حياته مطاردا من البوليس السياسي وذات مرة لم يكن امامه سوي مخزن أطعمة تحية كاريوكا للاختباء فيه وكانت تحية كاريوكا وثيقة الصلة بواحد من ضباط الجيش اليساريين ولا ينكر صلاح حافظ أنه عرض عليها الزواج فنهرته قائلة: »‬روح العب بعيد يا واد» علي أنه ظل ممتنا لها حتي أنه سمي ابنته الوحيدة علي اسمها أما ابنه شريف فقد ترك له حرية العمل ديلر في كازينو قمار رغم تخرجه في كلية الهندسة.
وخرج صلاح حافظ من المعتقل بعد تسع سنوات ليرأس تحرير »‬آخر ساعة» وقفز بتوزيعها إلي عنان السماء لكن سنوات المعتقل تركت بصماتها عليه إلي حد أن قال لرشاد كامل: »‬فعصوني فأنا البقية الباقية من صلاح حافظ».
وسألت نفسي: »‬لو كانت البقية الباقية منه انتجت الكثير الذي قدمه تري لو كان بكامله ماذا كان سيفعل ؟».
والحقيقة إنني لم أصادف شخصا متعدد المواهب مثله.. صوته ينافس صوت عبد الوهاب.. اسلوبه في الكتابة عجينة صلصال يسهل تشكيلها بين أصابعه.. حادا في السياسة.. ناعما في الرواية.. ساخرا في النقد الاجتماعي.. مريحا في سيناريوهات الدراما.
ولن تصدق أنه يجيد الطهي بما في ذلك الأصناف التي تحتاج خبرة خاصة مثل »‬الفتة» والملوخية والكوارع.
وعندما أبعده السادات مع غيره من الصحفيين عن الكتابة راح يزرع حديقة بيته في شارع الأهرام بالخضر المنزلية لكن إنتاج كيلو الطماطم كان يكلفه جنيها بينما سعره في السوق خمسة قروش.
واثبتت تجربته في آخر ساعة وروز اليوسف في رئاسة التحرير إنه واحد من أمهر صناع الصحف في مصر.
لكنه لم يهتم بالثروة والشهرة وإن شغلته النساء أكثر.. ربما تعويضا عن سنوات الحرمان في المعتقل.. خاصة أنه عندما خرج منه لم يجد بيتا ينام فيه بعد أن وجد زوجته الممثلة هدي زكي في عصمية رجل آخر بعد أن طلقت منه وهو وراء الأسوار وعاش ضيفا في بيت مأمون الشناوي وتزوج ابنته التي أحبته ولكنه وجد من الظلم أن تعيش مع رجل لم ير مستقبله بعد فطلقها.. وكان أن سارعت بالهجرة إلي الولايات المتحدة وفتحت هناك سلسلة من المحلات جنت من ورائها ثروة طائلة.
ولا ينسي تاريخ السينما مشهد فاتن حمامة في فيلم »‬الخيط الرفيع» وهي تمزق ملابس محمود ياسين الذي هجرها بعد أن صنعته مهنياو اجتماعيا وربما لا يعرف أحد أن المشهد الذي كتبه صلاح حافظ عاشه في الحقيقة.
لكن الأهم أن طلاح حافظ ظل وفيا لروز اليوسف لم ينتقل منها مثلما فعل كثير من نجوم الصحافة الذين ولدوا علي صفحاتها.
يكاد لا يوجد اسم لامع في الصحافة لم يمر علي روز اليوسف.. محمد التابعي الموظف السابق في البرلمان الذي تحمل أقلامنا جينات أسلوبه السحر المؤثر والذي خرج من تحت يديه مؤسسو المدارس الصحفية.. مصطفي امين مدرسة الخبر.. إحسان عبد القدوس مدرسة الرأي.. محمد حسنين هيكل مدرسة السياسة الرسمية.
لم يكتب هيكل في روز اليوسف سوي خواطر أدبية وسياسية.. كتب عن عيد ميلاد الملك فاروق مادحا.. وكتب عن زيارته للصعيد ممتنا.
ويمكن القول ان صلاح حافظ جمع بين مدرستي روز اليوسف وأخباراليوم فقد أغراه مصطفي أمين بخمسين جنيها في الشهر ليساهم في تحرير صحيفته من عددها الأول ورفعت روز اليوسف مكافأته إلي عشرين جنيها بطلوع الروح.
كانت هناك تسعيرة إجبارية فرضتها فاطمة اليوسف علي المحررين : الخبر السياسي بربع جنية والخبر الاجتماعي بعشرة قروش والتحقيق بثلاثة جنيهات ومقال الرأي بخمسة وسبعين قرشا والكسور تجبر لصالح »‬الست».
لم أعش تلك الأيام لكنني عشت أصعب منها فقد عملت في روز اليوسف ثلاث سنوات بلا مقابل باعتبار إنني أتلق مقابل عملي مجدا لم يكن متاحا في الحقيقة فالمجلة محدودة التوزيع والتأثير ومنقسمة علي نفسها بسبب صراعات التيارات العقائدية بين محرريها وكتابها فإذا ما تولي فصيل منها مسئولية تحريرها حاربته باقي الفصائل وشهرت به حتي يفشل.
كانت السياسة حاضرة بمتاعبها والصحافة غائبة بقواعدها وبريقها وفي ظل رقابة مباشرة علي ما ينشر وجد غالبية الكتاب أنفسهم في مأزق فلا هم قادرون علي التعبير ولا هم يملكون حق التوجع وكان أن فضلوا الجلوس علي المقاهي وفي البارات ينتقدون همسا ما كان يجب أن يكتبوه علنا وسهل ذلك أنهم يقبضون مرتباتهم بانتظام بعد أن تحولوا بفعل تأميم الصحافة إلي موظفيين شبه حكوميين.
علي أن ذلك كان في صالح الأجيال الشابة التي جذبتها بسحرها رغم شحوبها وضعفها صاحبة الجلالة.
كيف ؟.
انتظر الإجابة الصادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.