أخيرا جاء اليوم الذي سأذهب فيه لأول مرة في حياتي بعد أن تعدي عمري السبعة والخمسين عاما إلي صناديق الانتخاب لأدلي برأيي في التعديلات الدستورية لنعبر بها في مصر إلي بر الأمان . ونبدأ في بناء مؤسساتنا الدستورية وانتخاب مجلس شعب جديد ورئيس جديد للبلاد انتخابا حقيقيا ليس فيه تزوير.. رئيس تحددت مدة بقائه في السلطة بمدة واحدة قدرها أربع سنوات ويمكن أن يدخل بعدها انتخابات جديدة فإذا حاز ثقة الشعب يتم انتخابه أربع سنوات أخري فقط وكفي سيتم هذا لأول مرة وسننتخب لأول مرة مجلس شعب ليس فيه تزوير لإرادة الناخبين ولا بلطجة كما كان يحدث من قبل، وسيكون المواطن هو سيد الموقف وهو الذي سيحدد شكل هذا المجلس الذي سيكون معبرا عنه بشكل حقيقي ولن يستطيع أحد أن يغير إرادته بعد ذلك.. سيذهب كل مواطن غيري اليوم ليدلي برأيه لأول مرة سواء قال نعم أم قال لا لهذا التعديلات وهو متأكد أن رأيه سيكون له قيمة واعتبار ولن يتم تزييف ارادته سيذهب المواطن ببطاقة رقمه القومي فقط لأقرب لجنة انتخابية دون أن نعذبه في البحث عن مقار لجنته أو أفرض عليه السفر للمحافظة التي ولد فيها وكان في النهاية رأيه لاقيمة له لأن النتيجة كان قد تم إعدادها قبل أن تبدأ الانتخابات. أقول هذا بعد أن كنت قد حرمت علي نفسي طوال السنوات الماضية دخول أي لجنة انتخابية سواء لانتخاب أعضاء مجلس شعب أو شوري أو إنتخابات رئيس الجمهورية أو أي استفتاء آخر كان يتم قبل ذلك.. ولم يكن هذا هروبا من المسئولية أو تقاعسا عن ممارسة حقي في الانتخاب لكن كان قراري هذا بعد أن لمست بنفسي وعن قرب عندما كنت أقوم بتغطية انتخابات مجلس الشعب ما كان يحدث في هذه الانتخابات في محافظات مصر طولا وعرضا من تزوير وبلطجة وتهديدات وترويع للمواطنين وتزييف لإرادة الناخبين ولم يكن هذا يحدث من قبل المرشحين وأعوانهم فقط بل بترتيب وموافقة ومساندة من أجهزة الدولة المختلفة وفي مقدمتها وزارة الداخلية والمحافظون وجهاز أمن الدولة سيئ السمعة. شاهدت بنفسي داخل اللجان التي كنت أدخلها كصحفي منذ بداية الثمانينيات ماكان يحدث في كشوف الناخبين من تسويد للبطاقات الانتخابية.. والانتخاب بأسماء الموتي.. وشاهدت في احدي السنوات في قريتي نفسها وهي قرية أوليلة بمركز ميت غمر والتابعة لدائرة أتميدة الانتخابية كيف كان يتم قطع الكهرباء في الليلة السابقة علي الانتخابات ليتم القبض في ظلمة الليل علي كل مندوبي المنافسين لممثل الحزب الوطني في اللجان الانتخابية حتي لايتمكنوا من الذهاب إلي هذه اللجان فيتم تزويرها بسهولة ودون إزعاج .. وكنت كلما شاهدت ذلك في كل محافظات مصر كنت أنقله لرئيس التحرير وقتها ليس للنشر ولكن للعلم لأنه لم يكن في وضع هو أو غيره يسمح له بنشر مثل هذه الحقائق.. لذا كانت قناعتي وقناعة معظم الشعب في مصر بأن ذهابه لصناديق الانتخابات لاقيمة له وأن النتيجة معدة سلفا قبل أن تبدأ الانتخابات، لذا لم يكن المواطنون يشاهدون في معظم اللجان الانتخابية أي تواجد مكثف للناخبين يقول ان هناك 40 مليون مصري وهم اجمالي من لهم حق التصويت قد ذهبوا للإدلاء بأصواتهم وقد تمكن الحكم البوليسي طوال هذه المدة من ترهيب الشعب بالصورة التي جعلته لايستطيع أن يقول لا لمثل هذه الأوضاع وكان كل من يتجرأ علي ذلك يكون مصيره غياهب الجب في مباني أمن الدولة. وإن كان هذا لايعفينا من تحمل المسئولية في التغيير لكن النظام كان قد وضع زبانيته في كل مكان لكي يقضي علي أي محاولة للتعبير عن رفض هذا الواقع إلي أن جاء ثوار 25 يناير لينجحوا فيما لم ننجح نحن فيه ولهذا فقد استحقوا هذا الشرف دون منازع والذي سيسجله التاريخ لهم بحروف من نور سواء في مصر أو في أي من بقاع الدنيا فتحية لهم.