هناك كاتب مشهور قتل من أجل كتابه!! نعم قتل من أجل مبادئه.. وآرائه الحرة ففي الظروف السياسية الظالمة يلجأ الكاتب إلي الرمز في التعبير عن ظلم الحاكم وسطوته علي الشعب والحكاية طويلة وقديمة.. عمرها مائة عام قبل الهجرة ، والكاتب قتل قبل أن يبلغ الأربعين من عمره. والكتاب قديم واسمه "كليلة ودمنة" والكاتب عبد الله بن المقفع ، يحتوي علي قصص منسوجة من الخيال والسحر علي لسان الطير والحيوان، فهناك بعض الحيوانات تثير الرهبة والخوف في النفس مثل الأسد والنمر وبعضها يثير التشاؤم لبعض الناس مثل الغراب والكلب الأسود والبومة، وبعضها الآخر يثير التفاؤل مثل الحمامة واليمامة والعصافير.. والحكايات التي يضمها الكتاب كثيرة ومثيرة بين الحاكم والمحكوم فعدما وقف بن آوي للأسد وقال له: إن السلطان لا يصطفي بكرامته (بعقله) فضلاء من بحضرته.. وإنما يصطفي الأقرب فالأقرب.. كان يريد أن يقول للسلطان: إنك لا تقرب إليك من هم أفضل الناس ولكن تقرب الأقربين إليك رغم أنهم غير أكفاء. ويعكس الكاتب في الكتاب سوء توزيع الثروة في ذلك الوقت عن طريق الأسد الذي يستحوذ علي أكبر ثروات المجتمع فمثل هذا نجده في باب الأسد والثور وقصة الأسد والجمل وباب الأسد وأبن آوي وأذني الحمار حيث يستعين الأسد (الحاكم) برجاله كي يحصلوا علي الثروة وهو مستريح مكانه وقلما يجود بشيء من هذا الطعام الذي يحضرونه بأنفسهم ولا يستطيعون حتي تذوقه.. والويل كل الويل لمن تقوم حوله الشبهة أو فكر أن ينظر إلي شيء من طعام الأسد..وعلي جانب هذه الصورة القاتمة التي يرسمها ابن المقفع للسلطان والحاشية وظلم الحكومة رسم صورة معاكسة تماما للمجتمع المثالي، فنجد قصة الحمامة المطوقة زعيمة الحمام عندما وقعت في شباك الصياد هي وزميلاتها استعانت بالفأر الصغير لتخليصها من الشباك ولما أراد الفأر أن يبدأ بفك قيد الحمامة المطوقة رفضت وطلبت منه فك أصدقاءها (شعبها) قبلها حتي لا يتعب الفأر ولا يخلصهم بعد أن يخلصها..وعندما علم الخليفة بما يضمه كتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه أو ألفه ابن المقفع اصدر أمره إلي سيفان أن يقتل ابن المقفع ، وقتل الرجل من أجل الكتاب.. ولكن ظلت آراؤه ومبادئه حية نابضة تنطق بلسان ابن المقفع حتي يومنا هذا.