في حدثين ثقافيين متزامنين أقيما أمس باتحاد كتاب مصر بالزمالك, والهيئة العامة للكتاب, دافعت نخبة من الكتاب والنقاد ومسئولي الهيئات الثقافية المصرية عن كتاب الف ليلة وليلة الذي يواجه مجددا دعوي قضائية رفعها عدد من المحامين المصريين طالبوا فيها بمصادرة الكتاب وحبس ناشري نسخة جديدة منه أصدرتها سلسلة الذخائر التابعة لهيئة قصور الثقافة. وخلال المؤتمر الذي عقد بمقر اتحاد الكتاب بعنوان' ألف ليلة وليلة ومستويات التلقي', وتحدثت فيه نخبة من الكتاب والنقاد والمثقفين من بينهم د. جابر عصفور رئيس المركز القومي للترجمة, ود. أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة, ود. محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب, اعرب الروائي ورئيس تحرير سلسلة الذخائر جمال الغيطاني عن قلقه من ترسيخ فكرة التعامل مع النصوص التراثية بمنطق الحذف لان هذا يعني العبث بالنصوص الدينية المقدسة نفسها, وقال: في رأيي إذا اقتربنا مبدأ الحذف, فنحن نلغي التراث الانساني والعربي كله لان القيم تتغير من عصر الي عصر, كما لن تكون هناك ذاكرة ثقافية ولا تراثية, لان جميع نصوص الأدب العربي القديم محملة بما هو أكثر مما هو موجود في ألف ليلة وليلة بل ان الف ليلة اكثر الكتب حشمة في الأدب العربي القديم' وأضاف:' أنا مستعد أن أقاتل من أجل شهرزاد وأن أموت شهيدا من أجل الف ليلة وليلة'. موت وألمح الغيطاني الي أن الهجمة الأخيرة ليست الا جزءا من تنظيم يعمل وفقا لرؤية مستمرة منذ اعوام طويلة تبادر بتنفيذ الاغتيالات والترويع واقرار مبدأ الحسبة للتفريق بينهم وبين زوجاتهم كما حدث بالنسبة للدكتور نصر حامد ابو زيد. ودعا كل المثقفين للاتحاد من أجل' وقفة فاصلة لكي يوضع حد لمثل هذه الاجراءات التي تضع العرب في حرج أمام العالم بممارسات المصادرة والقمع' وأضاف' اطالب باتخاذ موقف اجرائي, وتقديم بلاغ الي النائب العام واظهار الجزء الخفي في الموضوع, لانني اشعر بالخطر علي الثقافة والحضارة العربية' وفي كلمته قال سلماوي: الاتحاد عليه مسئولية كبيرة تختلف عن المسئولية الادبية لأي كاتب علي حدة, وقد رأينا أن الحل الأمثل في هذه المواقف هو الرد العلمي علي هذه الاتهامات الرجعية, وذلك يكون من خلال مؤتمر علمي تقدم فيه الف ليلة وليلة كما ينبغي وكما يضعها التراث العربي والاسلامي' واضاف: الف ليلة وليلة هي انتصار الأدب علي الحيوانية والتخلف والانتقام والقتل, هذه الملحمة تسجل انتصارا للسرد الادبي علي كل ما عداه من قوي الشر, وهي ترويض للبطش والحيوانية وانتصار للتراث, ومصادرة الف ليلة هي مصادرة للتراث والفكر والأدب وانتصار كل هذه المبادئ والمثل العليا.' كما فرق د. عصفور بين تيارين يتنازعان الثقافة العربية هما التيار السلفي الذي أدي الي انكسار الحضارة العربية, والتيار العقلاني المستنير الذي كان يؤمن بالانفتاح علي حضارات العالم القديم, وهو ما انتج لنا عملين ابداعيين هما الف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وقال: هذا التيار كان منفتحا لان الف ليلة وليلة كانت في الاصل نواة لحكايات فارسية قديمة وكذلك الحكايات الخمس هندية بالنسبة لكليلة ودمنة... والغريب ان الكتابين معا يأخذان موقفا ايجابيا من السلطة, من الغاشم المستبد في كليلة ودمنة, ومن الذكر الحاكم في ألف ليلة. كما أن كلاهما يؤكد علي قيمة العقل في التعامل مع السلطة: في كليلة ودمنة يروض بيدبا الحكيم الملك الغاشم من خلال قصص يرويه علي لسان حيوانات فيتعظ, وبالتالي يكون الملك الغاشم تلميذا للمثقف, أما في ألف ليلة فان حكمة شهرزاد هي ما تروض الحاكم الذكر الظالم وتهذب من حيوانيته وبطشه. وفي الوقت نفسه, بل وبتكرار بعض الأسماء ممن تحدثوا في مؤتمر اتحاد الكتاب صباحا, نظمت هيئة الكتاب ندوة بعنوان' ألف ليلة وليلة دراسة سهير القلماوي' الصادرة حديثا عن الهيئة, شارك بها د. سليمان العطار و د.عصفور, والغيطاني, وأدارها د. حسين حمودة الذي أكد ضرورة التكاتف من أجل مواجهة دعوات الردة, وقال: هذا الكتاب مازال قادرا علي أن يحيا بيننا ويمتعنا وسيظل من أثارنا الخالدة حتي لو أنكرها أي شخص بجهل أو بدون. وقال د. سليمان العطار:' اليوم4 مايو هو ذكري رحيل د. سهير القلماوي, التي كانت السبب الأساسي في اهتمامنا بكتاب ألف ليلة بعد أن نقلته من كتاب خيالي يقرأ للاستمتاع إلي الدراسة العلمية, فهي سيدة تمردت علي كل الأفكار الجامدة'. فيما كرر عصفور حديثه عن الف ليلة وليلة بوصفه' تراثا إنسانيا تعتز به البشرية كلها, وهذا ما التفتت اليه سهير القلماوي في دراستها' وواصل:' حرب67 عادت بالتطرف السلفي الوهابي الصحراوي لتحارب الانتاج العقلي, وهؤلاء من يحاربون ألف ليلة الآن فهم بقايا الفكر البدوي الذي لم يختف أبدا فظل يطل علينا كالأفعي بين الحين والحين. وأكد عصفور ضرورة أن يقف الجميع في وجه هذا التفكير الذي يري انه جاء مع العائدين من الإعارات لمنطقة الخليج والنزعات الوهابية.