مرت العلاقة بين جماعة الإخوان وقادة ثورة 23 يوليو 1952 بعدة مراحل متعددة، من التواصل إلي التباين، إلي التناقض والعداء الشديد بين الجانبين، فهل كانت الثورة هي المسئولة، وهل هي التي سعت إلي التصعيد، أم أن الجماعة كانت تريد الحكم والتحكم، وفي سبيل ذلك أطاحت بكل شعاراتها وادعاءاتها، وراحت تعلن العداء الشديد، بل تمارس التآمر والإرهاب ضد الثورة وضد رمزها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر تحديداً؟! 1- مرحلة التواصل لقد شهدت هذه الفترة ولادة تنظيم الضباط الأحرار بقيادة البكباشي جمال عبدالناصر، ومعه عدد من الضباط ينتمون إلي حركات سياسية وحزبية عديدة، ومنهم من كان مستقلاً وبعيداً عن هذه الأحزاب، كان هدفهم جميعاً هو البحث عن طريق للخلاص في مواجهة المستعمر الأجنبي والظلم الاجتماعي والقهر السياسي.. كان الإخوان منذ البداية يسعون للهيمنة والسيطرة، وكان الصاغ عبدالمنعم عبدالرؤوف المنتمي لهذه الجماعة وعضو تنظيم الضباط الأحرار دائم الصدام مع جمال عبدالناصر ورفاقه، فقد كان يري أن نجاح التنظيم مرتبط بمدي قوته وعلاقته بجماعة الإخوان، إلا أن عبدالناصر كان مصمماً علي التمسك باستقلالية التنظيم عن أي حركات سياسية أو دينية. ويروي الزعيم الراحل قصته مع جماعة الإخوان في لقاء له مع الشباب في 18 نوفمبر 1968، بالقول: »أنا قبل الثورة، كنت علي صلة بكل الحركات السياسية الموجودة في البلد، يعني مثلاً كنت أعرف الشيخ حسن البنا، لكني مكنتش عضو في جماعة الإخوان». ويستكمل »ناصر» حديثه، بالقول: »فيه فرق أني أعرف الشيخ حسن البنا، وفرق أن أكون عضواً في جماعة الإخوان، كنت أعرف ناس في الوفد، وكنت أعرف ناس من الشيوعيين، وأنا اشتغل في السياسية من أيام ما كنت في ثالثة ثانوي.. وفي الثانوي اتحبست مرتين، أول ما اشتركت في مصر الفتاة.. وده يمكن اللي دخلني في السياسة، كنت ماشي في الإسكندرية، لقيت معركة بين الأهالي والبوليس، وقبضوا عليّ وروحت القسم، وبعد ما رحت القسم، سألت الخناقة دي كانت ليه؟!، وكنت في ثالثة ثانوي، فقالوا إن رئيس حزب مصر الفتاة بيتكلم والبوليس جاي يمنعه بالقوة، وتاني يوم طلعت بالضمان الشخصي، رحت انضميت لحزب مصر الفتاة». ويقول عبدالناصر: »وبعدين حصلت الخلافات مع مصر الفتاة، ورحت انضميت للوفد، وطبعاً أنا الأفكار التي كانت في رأسي بدأت تتطور وحصل نوع من خيبة الأمل بالنسبة لمصر الفتاة، وحصل نفس الشيء مع الوفد، وبعدين دخلت الجيش، وبعدين ابتدينا نتصل في الجيش بكل الحركات السياسية، ولكن مكناش أبداً في يوم من الأيام أعضاء في الإخوان المسلمين، كأعضاء أبداً، ولكن الإخوان حاولوا يستغلونا، فكانت اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار موجودة في هذا الوقت، وكان معانا عبدالمنعم عبدالرؤوف، وكان في اللجنة التأسيسية، وجاء في يوم وضع اقتراح قال إننا يجب أن نضم حركة الضباط الأحرار إلي الإخوان، يومها سألته ليه؟!». قال: »إن دي حركة قومية، إذا انقبض علي حد منا، تستطيع هذه الحركة، أنها تصرف علي ولاده وتؤمن مستقبله». وقال عبدالناصر: »لكن مش ممكن نسلم حركة الضباط الأحرار علشان مواضيع شخصية بهذا الشكل، وحصل اختلاف كبير.. صمم عبدالمنعم عبدالرؤوف علي ضم حركة الضباط الأحرار إلي الإخوان المسلمين، وإحنا رفضنا، كان طبعاً في هذا الوقت الشيخ حسن البنا -الله يرحمه- مات، وأنا كان لي به علاقة قوية، ولكن علاقة صداقة ومعرفة، زي ما قلت لكم، ماكنتش أبداً عضو في الإخوان المسلمين، وأنا لوحدي يمكن اللي كان لي علاقة بحسن البنا، وإخواتنا كلهم مالهومش، لكن كنت بقول لهم علي الكلام اللي بيحصل معها». ويستكمل عبدالناصر حديثه، بالقول: »لقد نتج عن هذا أن عبدالمنعم عبدالرؤوف استقال، وده قبل الثورة بستة أشهر، واستقال عبدالمنعم عبدالرؤوف وأنا كانت لي علاقة ببعض الناس من الإخوان المسلمين كعلاقة صداقة، وكان لهم تنظيم داخل الجيش، وكان يرأس هذا التنظيم ضابط اسمه أبو المكارم عبدالحي.. وقامت الثورة.. في أول يوم من قيام الثورة، جالي بالليل عبدالمنعم عبدالرؤوف ومعاه أبو المكارم عبدالحي، وطلبوا أننا نديهم سلاح.. علشان الإخوان يقفوا جنباً إلي جنب مع الثورة، أنا رفضت إن إحنا نديهم سلاح، وقلت لهم إن إحنا مستعدين نتعاون، وبدأ التعاون بيننا وبين الإخوان المسلمين، وقلت لهم يشتركوا في الوزارة، بعد كدة رشحوا عدد من الناس للاشتراك في الوزارة، ولكن جه بعد كدة تصادم، اتحلت الأحزاب كلها، ومخلناش إلا الإخوان المسلمين». كان ذلك هو مفهوم جمال عبدالناصر للعلاقة مع جماعة الإخوان علي وجه التحديد، وهي كما قال د. جمال شقرة أستاذ التاريخ الحديث ورئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية بجماعة عين شمس، هو مجرد »تكتيك خداعي»، وأنه يستدل علي ذلك من خلال أقوال عدد من قيادات الإخوان، ومنهم صلاح شادي وصالح أبو رقيق وعبدالقادر حلمي وعمر التلمساني، حيث أكدوا له جميعاً أن الأمر لم يكن سوي »خدعة» من عبدالناصر، وقال: »إن المخابرات الحربية والبحرية والبوليس السياسي احتاروا في شأن عبدالناصر في هذا الوقت، هل هو »زغلول عبدالقادر» »الإخواني»، أم هو »موريس الشيوعي»، لكن كل الدلائل كانت تشير إلي أن عبدالناصر اتخذ موقفاً من فكر الإخوان». ولا يختلف د. عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث في جامعة حلوان، مع ما ورد علي لسان د. جمال شقرة، فهو يري أن عبدالناصر لديه مشروع قومي يريد تنفيذه، ومن أجل ذلك كان يقوم بدراسة كافة الحركات السياسية، فانضم لأغلبها لمعرفة أيديولوجياتها وأهدافها، وحجمها، وقوة تأثيرها. وأكد د. عاصم الدسوقي أن السجال التاريخي الذي يطال هذه العلاقة بين عبدالناصر والإخوان، إنما يرجع إلي أن الإخوان دائماً ما يروجون إلي أنهم هم من شاركوا وقاموا بثورة يوليو 1952، وأن عبدالناصر هو الذي انقلب عليهم فيما بعد.. مرحلة التباين بعد قيام الثورة في 23 يوليو 1952، تم الاتصال بالسيد حسن العشماوي، القيادي الإخواني للحضور إلي مقر القيادة، كان المطلب الوحيد لقادة الثورة هو أن يقوم حسن العشماوي بالطلب من المرشد العام للجماعة حسن الهضيبي بإصدار بيان يؤيد فيه الثورة وأهدافها، وعندما نقل عشماوي الرسالة إلي الهضيبي وقد كان موجوداً في مصيفه بالإسكندرية، التزم الصمت، ورفض الرد، حتي تم عزل الملك، وعاد إلي القاهرة بعدها وأصدر بياناً مقتضباً في 28 يوليو، اختتمه بالقول: »إن الهيئة التأسيسية للإخوان سوف تجتمع في نهاية الأسبوع لتقرر رأي الإخوان فيما يجب أن يقترن بهذه النهضة المباركة من خطوات الإصلاح الشامل ليدرك بها الوطن آماله ويستكمل بها مجده». وفي اليوم التالي لصدور هذا البيان، كان المرشد يطلب لقاء قادة الثورة، فتم اللقاء بينه وبين جمال عبدالناصر في منزل صالح أبو رقيق أحد قادة الإخوان. وفي هذا اللقاء طلب المرشد من جمال عبدالناصر أن تقوم الثورة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ورأي المرشد أن تصدر الثورة قانوناً يفرض الحجاب علي النساء حتي لا يخرجن سافرات وأن تغلق دور السينما والمسارح. يقول عبدالناصر كاشفاً ما جري في هذا اللقاء: »في الحقيقة وجدت أني سأدخل في معركة مع ال25 مليون مصري أو نصفهم علي الأقل.. قلت له: أنت تطلب مني طلباً لا طاقة لي به.. فقال إنه مصمم علي طلبه.. قلت له: أسمع، نتلكم بصراحة.. وبوضوح.. أنت لك بنت في كلية الطب، هل بنتك بتروح السينما، ولا مبتروحش.. بتروح السينما.. طيب إذا كان الراجل في بيته مش قادر يخلي أولاده أو بنته متروحش السينما، طيب عاوزني أقفل السينمات ليه.. إحنا علينا واجب أن نعمل رقابة عليها وعلي المسارح حتي نحمي الأخلاق، وإننا سنمنع من يقل عمره عن 21 عاماً من ارتياد الملاهي». وقال عبدالناصر: »إن كلامي لم يعجب المرشد العام، فقلت له ولماذا لم تتكلموا أيام فاروق وكانت الإباحة مطلقة، لقد كنتم تقولون »إن الأمر لولي الأمر». لقد كان الإخوان في هذا الوقت، يحاولون فرض إرادتهم وأيديولوجيتهم علي الثورة وقادتها، وقد ظل هذا الخلاف يتصاعد وبلغ مداه بعد صدور قانون تحديد الملكية الزراعية، فقد كانت الثورة تري أن الحد الأقصي للملكية هو مائتا فدان فقط، بينما كان الإخوان يرون أن الحد الأقصي يجب أن يكون خمسمائة فدان علي الأقل. كان الإخوان يرون في هذا الوقت أن تأييدهم للثورة مشروط بعرض قراراتها علي مكتب الإرشاد قبل أن تصدر، إلا أن عبدالناصر رد علي ذلك بالقول: »إن الثورة قامت بدون وصاية أحد عليها وهي لن تقبل أن توضع تحت وصاية أحد». وحدث خلاف حاد بين الثورة ومكتب الإرشاد في أعقاب ترشح الشيخ أحمد حسن الباقوري لموقع وزير الأوقاف، حيث تراجع الإخوان عن ترشيحه هو وأحمد حسني وأرادوا فرض حسن العشماوي ومنير الدلة، إلا أن المرشد العام صمم علي تغيير الاسمين اللذين سبق وأن رشحهما، وعندما لم يجد موافقة دعا مكتب الإرشاد واتخذ قراراً بعدم الموافقة علي اشتراك الإخوان في الوزارة، ثم عندما قرأوا اختيار الباقوري ضمن التشكيل الوزاري الجديد، قرروا فصله من الجماعة. ورغم أن مجلس قيادة الثورة الذي قرر حل الأحزاب السياسية ابقي علي جماعة الإخوان، إلا أن الإخوان ظلوا علي تآمرهم ضد الثورة، وراحوا يعقدون الاجتماعات مع »ايفانز» المستشار السياسي للسفارة البريطانية في القاهرة، وكانوا يحرضون البريطانيين علي التشدد في مفاوضات الجلاد. وكانوا أيضاً من جانب آخر يواصلون عمليات اختراق الجيش والبوليس عن طريق تجنيد العديد من العناصر ضمن صفوف الجماعة. وحاول الإخوان في هذه الفترة استغلال الأزمة التي بدأت تظهر بين اللواء محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة وحاولوا ضمه إليهم وتبني مطالبهم، وذلك بتعيين رشاد مهنا الوصي السابق علي العرض قائداً عاماً للقوات المسلحة، رغم أنه كان سجيناً بتهمة التآمر ضد الثورة وكذلك تشكيل وزارة جديدة بالاتفاق مع الإخوان، إلا أن اللواء محمد نجيب رفض العرض الإخواني. مرحلة العداء ومع تصاعد أحداث الطلاب في 12 يناير 1954، والمواجهات الحادة التي حدثت من طلاب الإخوان ضد شباب الثورة والتي وصلت إلي حد استخدام الأسلحة والقنابل وإحراق السيارات، اضطر مجلس قيادة الثورة بعدها إلي إصدار قرار بحل جماعة الإخوان، ثم صدر بعدها قرار باعتقال المرشد العام حسن الهضيبي و450 عضواً بالجماعة، وكان القرار قد جاء رداً علي مؤامرات الإخوان وسعيهم المستمر للتآمر ضد الثورة. وبالضبط كما فعل الإخوان مع النقراشي، عادوا ليكرروا ذات السيناريو مع جمال عبدالناصر، فأثناء إلقائه خطابه في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954 بمناسبة توقيع اتفاقية الجلاء، وما أن بدأ عبدالناصر خطابه حتي قام الإخواني »محمود عبداللطيف» بإطلاق 8 رصاصات من مسدسه عليه، وعندما تم القبض عليه، اعترف اعترافاً تفصيلياً بالمؤامرة والأسباب التي دفعته إلي محاولة اغتيال جمال عبدالناصر. ورغم الإجراءات التي اتخذت والإعدامات التي نفذت في الإرهابيين والمحرضين، إلا أن الجماعة عادت لتدبر مؤامرة أخري في عام 1965، والتي استهدفت أيضاً اغتيال عبدالناصر والانقلاب علي الثورة مستخدمين في ذلك عناصرهم التي تم تدريبها في المعسكرات والتمويلات الخارجية. وقد تم الحكم بالإعدام في هذا الوقت علي سبعة من قادة المؤامرة الإخوانية ونفذ حكم الإعدام في ثلاثة منهم هم: سيد قطب وعبدالفتاح إسماعيل ومحمد يوسف هواش، وتم تخفيف عقوبة الإعدام علي الأربعة الآخرين لصغر سنهم، كما حكم علي 25 بالأشغال الشاقة المؤبدة، وعلي 11 بالأشغال الشاقة المؤقتة، وحكم علي حسن الهضيبي المرشد العام بالسجن ثلاث سنوات، كما أصدرت دوائر المحاكم أحكاماً أخري علي المتآمرين.