ونحن على وشك الدخول للجمهورية الثانية بانتخابات رئاسية تنقلنا من عالم الفوضى إلى عالم المؤسسات والانضباط بمفاهيم «الدولة الحديثة» كان يجب علينا أن نفهم موقف الإخوان من الرئاسة، هل تبحث جماعة الإخوان عن الانتصار لرئيس يحقق مصالح البلاد والعباد مهما كان انتماؤه، أم أنها لا تبحث إلا عن رئيس إخوانى حتى ولو أفسد الدنيا كلها؟! إنها يا صديقى دنيا أخرى غير الدنيا التى نعرفها، دنيا العوالم السرية ذات الأفكار الباطنية، وطنها هو تنظيمها، وتنظيمها هو دينها، ودينها هو دنياها، أما وطننا الذى نعرفه بتاريخه وأهله وتخومه وحضارته فهم لا يعرفونه، كما أن ديننا الذى نعرفه برحمته وسلامه ومحبته فهم لا يفهمونه، لذلك فإنهم ينظرون لموقع الرئيس فى الدولة المصرية نظرة مختلفة عن نظرتنا، ولكن ما هى نظرتهم؟ فلتكن البداية إذن من بداية عهد الجمهورية المصرية الأولى. قبل ثورة يوليو من عام 1952 كانت قد نشأت علاقات حميمة بين الإخوان والضباط الأحرار، وبالذات مع جمال عبدالناصر، الذى كانت له بعض إسهامات مع النظام الخاص للجماعة، وقد حكى عبدالناصر قصته مع الإخوان فى خطبة له فى نوفمبر من عام 1964 حيث قال: «أنا قبل الثورة كنت على صلة بكل الحركات السياسية الموجودة فى البلد، يعنى كنت أعرف الشيخ حسن البنا، ولكن ماكنتش عضو فى الإخوان المسلمين، كنت أعرف ناس فى الوفد وكنت أعرف ناس من الشيوعيين، وأنا أشتغل فى السياسة أيام ما كنت فى ثالثة ثانوى، وبعدين دخلت الجيش، وبعدين ابتدينا نتصل فى الجيش بكل الحركات السياسية ولكن ماكناش أبداً فى يوم من الإخوان المسلمين كأعضاء أبداً، ولكن الإخوان المسلمين حاولوا يستغلونا فكانت اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار موجودة فى هذا الوقت، وكان معانا عبدالمنعم عبدالرؤوف وكان فى اللجنة التأسيسية، وجه فى يوم وضع اقتراح قال إننا يجب أن نضم حركة الضباط الأحرار إلى الإخوان المسلمين، أنا سألته: ليه؟ قال إن دى حركة قومية إذا اتقبض على حد منا تستطيع هذه الحركة إنها تصرف على ولاده وتؤمّن مستقبله، واحنا رفضنا، كان طبعاً فى هذا الوقت الشيخ حسن البنا الله يرحمه مات، وأنا كان لى به علاقة قوية ولكن علاقة صداقة ومعرفة، وأنا لوحدى يمكن اللى كان ليه علاقة بحسن البنا وإخوانّا كلهم مالهومش، وقامت الثورة، فى أول يوم من قيام الثورة جالى بالليل عبدالرؤوف ومعاه أبوالمكارم عبدالحى، وطلبوا إننا نديهم أسلحة علشان الإخوان يقفوا جنباً إلى جنب مع الثورة، أنا رفضت إن إحنا نديهم سلاح، وقلت لهم إن إحنا مستعدين نتعاون، وبدأ التعاون بيننا وبين الإخوان المسلمين وقلت لهم يشتركوا فى الوزارة بعد كده، ورشحوا عدد من الناس للاشتراك فى الوزارة، ولكن جه بعد كده تصادم». كانت هذه هى شهادة عبدالناصر حول علاقته بالإخوان وحسن البنا، هى علاقة صداقة مع المرشد الأول، وتعاون أثناء قيام الثورة من خلال عبدالمنعم عبدالرؤوف اليوزباشى الإخوانى، إلا أن وجود المستشار حسن الهضيبى كمرشد بعد ذلك كان بمثابة علامة فارقة وافتراق إلى غير رجعة، فقد نظر الهضيبى إلى تنظيم الضباط الأحرار كتنظيم تابع للإخوان ينبغى أن يأتمر بأمره ويحقق رغباته، ورغم أن عبدالناصر بعد الثورة فتح التحقيق فى مقتل حسن البنا، وتمت محاكمة المتهمين فى هذه الجريمة وصدرت أحكام ضدهم بالحبس، وقام عبدالناصر بزيارة قبر حسن البنا فى وجود قيادات الجماعة، كما أن الجماعة نجت من قرار حل الأحزاب، فإن جماعة الإخوان لم تركن إلى هذه المواقف وأرادت أن تستأثر بالثورة كلها وبحكم البلاد! وصمموا على أن يقوم الإخوان بتشكيل الوزارة، وهو الأمر الذى رفضه عبدالناصر، وترتب على ذلك أن خرج الشيخ أحمد حسن الباقورى من الجماعة فى خلاف شهير، وقد أورد الباقورى بعد ذلك شهادته عن هذا الخلاف وتفصيلات رغبة الإخوان فى الاستئثار بالحكم وحدهم دون غيرهم، كما أورد المرحوم فريد عبدالخالق، القطب الإخوانى الكبير صديق حسن البنا، شهادته أيضاً فى ذات الأمر عندما تحدث للتاريخ فى إحدى القنوات الفضائية، وعاب على الهضيبى آنذاك ضيق أفقه السياسى ودوره الكبير فى إضرام نار الخلاف بين الإخوان والضباط الأحرار. ثم كانت محاولة اغتيال الإخوان لجمال عبدالناصر التى وضعت النهاية المأساوية للعلاقة بين الإخوان والرئيس أو بمعنى أدق بين الإخوان والرئاسة، ففى أكتوبر من عام 1954 وقع حادث المنشية الشهير، فذات يوم أضمر هنداوى دوير، المحامى الإخوانى الذى كان ينتمى إلى منطقة إمبابة، فى نفسه أمراً واستعان بالقناص الإخوانى محمود عبداللطيف، وجهّزه بالسلاح وخطط معه لاغتيال عبدالناصر، وحينما علم الهضيبى من رئيس النظام الخاص يوسف طلعت بخبر هذا الأمر الذى يزمع أفراد النظام الخاص تنفيذه قال وفقاً لشهادة ومذكرات القرضاوى: لا شأن لى بهذا الأمر، وفى مساء يوم 26 أكتوبر من عام 1954 وفى ميدان المنشية بالإسكندرية انطلقت رصاصة الإخوانى محمود عبداللطيف فى اتجاه عبدالناصر وكانت رصاصة طائشة ضلت سبيلها ولكنها كانت رصاصة الرحمة التى قضت على علاقة عبدالناصر بالإخوان قضاء مبرماً. ومن الغريب أن بعد هذه المحاولة بسنوات طويلة وتحديداً عام 1977 أقام الإخوان دعوى أمام محكمة القضاء الإدارى بطلب إلغاء قرار حل الجماعة، هى الدعوى رقم 133 لسنة 32 ق، وإذا بالإخوان يكتبون فى صحيفة الدعوى أن «الإخوان هم الذين ساعدوا جمال عبدالناصر واتفقوا معه على تحويل الحكم من ديمقراطى إلى ديكتاتورى وأن عبدالناصر لم يكن فى إمكانه أن يفعل ذلك فى مواجهة الأحزاب بغير الاستعانة بالقوة الجماهيرية للإخوان»، وضع خطاً تحت العبارة الفائتة.