دافعت المؤرخة الدكتورة زبيدة عطا مقررة لجنة التاريخ بالمجلس الأعلى للثقافة في الجلسة الافتاحية لمؤتمر "الدين والسياسة في مصر عبر العصور" عن الدولة المدنية نافية عنها "الكفر" قائلة أن الدولة المدنية لا يعيبها شئ فالدين بداخلها، مؤكدة أن مصر الآن شهدت تزاوج السلطة والدين بعد وصول تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم وتأكيده على ضرورة إطاعة الشعب لله ورسوله ولأولي الأمر ويقصدون أنفسهم بالطبع. وحكت المؤرخة حين أراد الملك فؤاد تمرير دستور 30 عن طريق شيوخ الأزهر، وترديدهم بأن الإسلام حث على إطاعة الله والرسول وأولي الأمر، وحينها تصدى لهم الشيخ المراغي قائلاً أن هذا بيد أهل العقد والحل وهو الشعب المصري.
تحدثت عطا عن الشيخ أحمد حسن الباقوري، وكتابه "بقايا ذكريات" الذي تناول فيه علاقته بالإخوان، وثورة يوليو. كان الباقوري أحد القيادات الإخوانية الكبرى في جماعة الإخوان قبل الثورة، كان الباقوري محباً لحسن البنا ولم يهاجمه، وبرأه من أعمال العنف التي انتهجتها الجماعة.
تحدث الباقوري عن بداية علاقته بجماعة الإخوان التي بدأت عام 33 حين التقى بحسن البنا، ولم يفارقه بعد ذلك على الإطلاق، وأوضح أن الجماعة كانت تسخدم الرياضة وفرق الجوالة كتدريبات عسكرية، لافتاً إلى أن الجماعة أعلنت عن أهدافها السياسية عام 1933، والتيار الذي اعترض داخل الجماعة تم فصله منها.
تواصل: يروي الباقوري أن حسن البنا رشح نفسه نائباً في الإسماعيلية لكنه لم ينجح، وأرجع الباقوري سبب فشله إلى الحكومة التي لم ترغب في نجاحه.
وأوضح الباقوري في مذكراته أن جماعة الإخوان تنقسم إلى قسمين، الأول هو المحيط العام المعروف أعضائه للجميع، والثاني هو النظام الخاص المعروفون في دوائر ضيقة وأحياناً لا يعرف بعضهم الآخر، ولهم اجتماعاتهم الخاصة وقاموا بسلسلة من التفجيرات مثل محل اليهود "شيكوريل" الذي وقع بسببه ضحايا كثر من المصريين، ثم حاول النظام الخاص تفجير محكمة مصر، الأمر الذي نتج عنه كراهية الناس لهم.
وأكد الباقوري أن حسن البنا لم يكن يعرف شيئاً عن النظام الخاص، وعبدالرحمن السندي كان يتولى مسئوليته دون علم البنا. وقد قسمت الجماعة نفسها إلى ثلاث فرق كل منها لها رئيس مسئول، الأولى في الجيش، والثانية في الشرطة، والثالثة هم الدعاة القادرين على الدرس. واعتبرت الجماعة أن اغتيال حسن البنا يستدعي الانتقام، وحين سألوا الباقوري في ذلك لم يفتي لهم بقتل الملك.
وعن علاقة الإخوان بالثورة يقول الباقوري أن عبد الناصر عرفهم قبل الثورة بسنوات، لافتاً إلى ان الشيخ الهضيبي مرشد الجماعة كان يعرف موعد قيام الثورة من عبدالناصر نفسه، حيث طلب منه أن تتصدى جماعته لحماية المرافق العامة والطرق، الأمر الذي رفضه الهضيبي لعدم تشجيعه للانقلاب العسكري.
حينها طلب الهضيبي من الشيخ الباقوري أن يثني في اجتماعته على الملك وولي العهد، حتى إذا قامت الثورة وفشلت لا يغضب الملك، ولم ينفذ الباقوري ذلك. وحين قبل الباقوري وزارة الأوقاف التي عرضها عليه عبدالناصر بعد الثورة دون الرجوع لرأي مكتب الإرشاد، فصلته الجماعة.
أرجع الباقوري سوء علاقة عبدالناصر بالإخوان إلى محاولة اغتياله، وتيقنه من استعانة الإخوان بالإنجليز ضد الثورة. ويؤكد الباقوري أن حادثة المنشية لم تكن ملفقة بل حقيقية.
يحكي الشيخ الباقوري أن علاقته بعبد الناصر فسدت بسبب اقتناع عبدالناصر أنه على صلة بالإخوان، وألزم الشيخ الباقوري بالتزام بيته، وحظر عليه حضور الندوات والاجتماعات، مؤكداً أنه لزم بيته خمس سنوات وخمسة أشهر، ثم عفا عنه عبدالناصر ودعاه لزفاف ابنته.
تحدث المؤرخ دكتورمحمد عفيفي عن دور القس سرجيوس في ثورة 1919 حيث اعتلى منبر الأزهر منادياً بالوحدة الوطنية، معتبره نموذجاً مبكراً لما عرف ب"لاهوت التحرير"، وضرورة أن تلعب الكنيسة دور هام في الحركة الوطنية والخروج من عزلتها، لتصبح عاملاً إصلاحياً لتقدم المجتمع.
يحكي عفيفي أن القس اشترك في ثورة 1919 وقاد المظاهرات بزيه، ورفعه الشعب على الأكتاف ثم تحول لخطيب ثورة 1919 ثم أصدر صحيفة "المنار" وكان لديه ملكة تأليف الشعارات. للتأكيد على أن ثورة 1919 مصرية، بعدما أعلنت بريطانيا أنها ثورة خاصة بالمسلمين دون الأقباط.
يواصل: اعتقلت السلطات البريطانية القس جرجيوس مع الشيخ مصطفى الآياتي، ونفوهما إلى العريش، ثم أفرجوا عنهم بعد أربعة أشهر وتحولوا إلى رمز بعد ذلك.
قال عفيفي أن الأقباط كانت لديهم تخوفات من ثورة 52 في البداية؛ إذ ظن بعضهم أن الإخوان المسلمين يقفون وراء تلك الثورة وظلت تلك التخوفات قائمة حتي سنة 1954 وكان سرجيوس من بين هؤلاء وهو ما دفعه لكتابة مقالات لاذعة بحق ثورة يوليو أدت في النهاية لإغلاق صحيفته "المنار" ومنعه من العمل العام والوعظ حتي أواخر الخمسينيات.
وأكد عفيفي أن ذلك لم يمنع من تحول سرجيوس بعد وفاته عام 1964 إلي رمز للوحدة الوطنية؛ فموت بطل التاريخ ليس نهاية له فهو يتحول إلي رمز في العقل الجمعي للمجتمع.