عبد الناصر يقرا الفاتحة على قبر حسن البنا بصحبة شقيقه عبدالرحمن البنا 1954 لم يتوقف الحديث يوما حولة علاقة الرئيس جمال عبدالناصر وجماعة الاخوان المسلمين،وكانت نغمة الحديث تعلو وترتفع فترة ثم تخبو، حتي وصلنا الي ثورة 25 يناير 2011، التي أسقطت رئيسا ونظاما كانت مرجعيته تعود الي ثورة يوليو 1952، ثورة عبدالناصر، وكانت علاقة ذلك النظام ورئيسه - حسني مبارك - تتعامل مع الاخوان استلهاما لتجربة عبدالناصر مع الاخوان، برغم الفارق الشاسع بين عبدالناصر ومبارك. بعد تنحي الرئيس السابق مبارك عن الحكم، مضطراً تصور كثيرون أن هناك صفحة من التاريخ طويت، وهي صفحة عبدالناصر والأخوان، ذلك أن تجربة ميدان التحرير قامت علي شعار: سلمية/ سلمية/ مدنية.. مدنية، واذا كانت الحياة هكذا سلمية ومدنية فلا مجال لاستعادة تلك الصفحة، علي الأقل بنمط العلاقة والتعامل بين عبدالناصر والاخوان. تصاعدت الأحداث منذ استفتاء 19 مارس 2011، وتم استعادة واستحضار عبدالناصر بقوة علي أكثر من مستوي، خاصة في جانب علاقته وتعامله مع الاخوان أو تعاملهم هم معه.. كان هناك طوال 2011 وحتي اليوم صعود صاروخي للاخوان وبدا، كما نبهت أنا، قبل أكثر من عام أن الدولة يتم تسليمها تسليم مفتاح للاخوان، وكان القلقون والخائفون من هذا الصعود يستحضرون كيف تعاملوا مع عبدالناصر وأنهم بعد الود معه من 1952 حاولوا اغتياله في أكتوبر 1954، حادث المنشية، وراحت بعض قيادات الجماعة تدافع عن نفسها بأن عبدالناصر كان واحدا منهم، بايع المرشد الأول حسن البنا وأقسم علي المصحف والمسدس، وكان مشرفا لوقت علي التنظيم الخامس، وأنه، هو عبدالناصر، الذي غدر بهم في 1954 واعتقلهم واعدم بعض رموزهم، وحل جماعتهم وأدخلها نطاق »المحظورة« وأفقدها الشرعية - القانونية - حتي يومنا هذا. والحق أن علاقة جمال عبدالناصر بالمرشد المؤسس حسن البنا وجماعته تبقي واحدة من ألغاز التاريخ والسياسة المصرية، حكي عبداللطيف البغدادي في مذكراته عن علاقة مبكرة له هو وعدد من زملائه بالمرشد الأول، وكذلك كانت للسادات علاقات متعددة معه، وحكي كثيرون عن السادات وهو في السجن أيام قضية أمين عثمان وما بعدها في فترة هروبه، كان الشيخ حسن البنا يرسل مساعدة مالية شهرية الي السيدة اقبال ماضي زوجة السادات الأولي، وكانت لعبدالناصر علاقة بالبنا، لكن لا نعرف حدودها، وهناك العديد من الروايات، الرواية الناصرية تضع العلاقة في اطار وطني ونضالي، وهو أن عبدالناصر منذ سنة 1948 كان مشغولا بقضية فلسطين وقام بتدريب بعض أعضاء الجماعة علي القتال كي يتطوعوا في فلسطين، ولا شيء أكثر من ذلك، في المقابل هناك عدة روايات اخوانية أبسطها أن عبدالناصر كان عضوا بالجماعة وأنه بايع البنا ثم انقلب علي الجماعة بعد أن دانت له السلطة، رواية أخري تذهب الي أن البنا أوصي بأن يكون عبدالناصر هو مسئول التنظيم الخاص بالجماعة، وأن وصيته تلك كانت قبل اغتياله بأيام، وحاول اغتياله دون تنفيذها. لكن ثمة رواية ثالثة تصل الي مدي أبعد، قال بها المستشار الدمرداش الفضالي وهي أن حسن البنا أوصي بأن يكون عبدالناصر هو المرشد العام من بعده، وأنه قال ذلك حين توقع أن يتعرض للاغتيال اثر قيام رجاله باغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، لكن كان للشيخ الباقوري رأي آخر وهو أن وصية البنا أن يكون عبدالناصر ضمن المجموعة التي ستحدد اسم المرشد العام من بعده. مشكلة هذه الروايات جميعها أنها شفوية وليس فيها أي معلومة موثقة، وهذا يجعل من الصعب تصديقها، لكن لا يعني ذلك أن نكذبها، خاصة إذا علمنا أن الشيخ حسن البنا كان في عمله وفي حياته جانب سري وخفي تماما وان شئت قلت جانب مخابراتي صرف، وليس فيه شيء موثق وقد تحدث سكرتيره للمعلومات د.محمود عساف عن ذلك الجانب في مذكراته، وهناك دراسة مستفيضة لهذا البعد في كتابي عنه الصادر عام 2011، حسن البنا الذي لا يعرفه أحد. ولدينا هناك واقعة مؤكدة وهي أن البكباشي جمال عبدالناصر تم استدعاؤه في صيف سنة 1949 عبر رئيس أركان الجيش المصري وقتها الي مكتب رئيس الوزراء ابراهيم عبدالهادي، وتقول الرواية الشائعة أن هناك أحد المقبوض عليهم من التنظيم الخاص بالجماعة عثر لديه علي كتاب للقوات المسلحة خاص بتعلم ضرب النار وفنون القتال مكتوب عليه اسم عبدالناصر وهذا تبسيط مخل تماما، لم يكن ابراهيم عبدالهادي وهو رئيس الوزراء ليتصل برئيس الاسكان ويطلب اليه احضار البكباشي لسبب تافه مثل ذلك، فضلا عن أن عبدالناصر ظل في مكتب رئيس الوزراء فترة طويلة يواجه أسئلة واستفسارات عديدة، وحدث أن تم استدعاء رئيس الوزراء خارج المكتب فاستبقي عبدالناصر حتي يعود اليه ثانية، وروي حلمي سلام في الصورة سنة 1953 أن عبدالناصر استغل خروج رئيس الوزراء وذهب الي الحمام وألقي بورقة كانت في جيبه وكانت هذه الورقة كافية لادانته لو أن رئيس الوزراء عثر عليها وقرأ ما فيها، كان عبدالناصر نفسه هو مصدر تلك الواقعة التي رواها حلمي سالم، وهنا نجد أننا بإزاء عضو منخرط وليس في الجماعة بل في تنظيمها الخاص، والثابت أن عبدالناصر بعد هذا الاستدعاء قرر تشكيل تنظيم الضباط الأحرار بين سبتمبر ونوفمبر 1949. هناك واقعة ثانية، حدثت بعد نفي الملك فاروق، حيث حلت ذكري اغتيال حسن البنا، فذهب محمد نجيب وعبدالناصر وعبدالحكيم عامر وآخرون من الضباط الأحرار، وعدد من قيادات الجماعة، كان بينهم وكيلها القاضي عبدالقادر عودة، الشهيد فيما بعد، وكعادته انخرط اللواء نجيب في بكاء حار، وكأن حسن البنا مات لتوه، أما عبدالناصر فقد أطلق وعودا حادة بالانتقام لاستشهاده والثأر من الذين قتلوه، لم تكن كلمات عبدالناصر تصور بحق رجلا عرفه من بعد، بل عن رجل قريب من نفسه وعقله، القضية هي الي أي حد وكيف كانت طبيعة العلاقة بينهما؟ هذا ما يعرفه فقط حسن البنا وجمال عبدالناصر، وقد ذهب كل منهما الي ربه ومعه أسراره، ومعظم رجال هذا وذاك رحلوا عن عالمنا أيضا. وتبقي الرواية الاخوانية عن أن عبدالناصر كان واحدا منهم ثم انقلب عليهم، لو صح ذلك فالمعني خطير وهو أن الصراع بين الجماعة وعبدالناصر عامي 1953 و1954، كان صراعا داخليا بين جناحين من أجنحة الجماعة أو طرفين من أطرافها، طرف هو عبدالناصر يمثل المرشد المؤسس وطرف آخر يقف علي رأسه المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي، والمعروف أن الهضيبي هبط علي الجماعة بعد اغتيال البنا بمباركة الملك فاروق عبر ناظر الخاصة الملكية مراد بك محسن، ولذا لم تكن علاقته سالكة مع عدد من رجال البنا، الشيخ محمد الغزالي اعتبره أحد الماسونين الذين اخترقوا الجماعة بعد اغتيال البنا. ولو صحت تلك الرواية واعتبرنا صراع عبدالناصر معهم، صراعا داخليا في الجماعة، وهو عندي أكبر من ذلك، فإن التساؤل واجب: هل يمكن أن يتكرر ذلك الآن بشكل أو بآخر؟! الاجابة لدي الجماعة، وتحديدا من يصرون من أعضائها علي أن عبدالناصر كان اخوانيا حتي وصل الي السلطة.
حين تنازل الملك فاروق عن العرش وغادر مصر منفيا يوم 26 يوليو 1952، كان الضباط الأحرار ينظرون شذرا إلي القوس والتيارات السياسية والحزبية القائمة، فيما عدا الأحزاب الصغيرة كالحزب الوطني الجديد ومصر الفتاة وجماعة الاخوان المسلمين، وقد تحدث كثيرون عن دور الجماعة ليلة 23 يوليو في حماية مدخل القاهرة من ناحية السويس، فيما لو حاول الانجليز دخولها لقمع تحرك الضباط، وكانت العلاقة ودية، بل يمكن القول أنها كانت حميمية وقتها، لكن المنحني أخذ في الهبوط بعد أقل من شهرين، حين تلكأ علي ماهر في اتخاذ قرار الاصلاح الزراعي الأولي وتمت اقالته، ومن ثم شرع محمد نجيب في تشكيل الوزارة، طلب الاخوان في الحكومة الجديدة أربعة مقاعد وأن يقوموا هم بتسمية هؤلاء الأربعة، واعترض الضباط الاحرار علي أن يكونوا أربعة، وطلبوا أن يكون لهم، أي مجلس قيادة الثورة اختيار لوزراء من داخل الجماعة، ونفذ مجلس القيادة طلبه اذ بادروا إلي الاتصال بالشيخ الباقوري وزير الأوقاف وأحمد حسني وزيرا للعدل، دون الرجوع إلي الجماعة أو إلي مكتب الارشاد، شعر المرشد انه تم اختطاف عضوين منه، وبادرت الجماعة إلي فصل الشيخ الباقوري من مكتب الإرشاد هكذا كانت البداية.. بداية الخلاف الذي سينقلب إلي عداء، والواضح أمامنا أن مجلس القيادة والضباط الاحرار كان لديهم حرص علي تجنب العداء مع الجماعة ، يبدو ذلك في يناير 1953 حيث صدر القرار بحل الأحزاب والهيئات السياسية ومصادرة أموالها باستثناء جماعة الاخوان المسلمين، رغم أنها كانت تعد هيئة سياسية، إذ كانت تمارس العمل السياسي، لكن مجلس القيادة اعتبر الجماعة بقول البغدادي في مذكراته (منظمة دينية خاصة) ويحاول عبداللطيف البغدادي أن يقدم تفسيرا أو تبريرا لذلك الاستثناء بالقول (كنا رأينا استثناءها من القرار رغم موقفهم من الثورة بعد قيامها ومحاولتهم فرض ارادتهم علي قيادة الثورة وذلك لسابق اتصالنا بها وتعاونها مع تنظيم الضباط الاحرار وموقف التأييد منهم ليلة قيام الثورة)، ظلت الجماعة تعمل بحريتها وخدمها قرار حل الأحزاب، إذ صار الشارع المصري مفتوحا أمامها وحدها، تصول وتجول فيه، ويبدو أن هذا أقلق ضباط مجلس القيادة، ونقرأ في مذكرات البغدادي أن مجلس قيادة الثورة اجتمع يوم 18 ديسمبر 1953 في استراحة وزارة المعارف القريبة من الهرم، كانت بجوار فندق مينا هاوس، وكان الاجتماع مخصصا لمناقشة عدة موضوعات من بينها - كما يقول - النظر في أهداف الاخوان المسلمين وما يسعون إليه من الاستيلاء علي السلطة، وكيف يمكن مقاومتهم والقضاء علي جماعتهم، خاصة أنهم كانوا يعملون علي التوغل بتنظيماتهم داخل صفوف الجيش والبوليس ونوقش موقفنا خيالهم وهذا الاتجاه منهم. المعني واضح أن الجماعة تحاول الانتشار داخل الجيش (المؤسسة العسكرية) وداخل جهاز الأمن وهذا ليس له تفسير لدي ضباط أسسوا تنظيما سريا داخل الجيش وقاموا بانقلاب الا أن الجماعة تجهز لانقلاب أو احتمال القيام بانقلاب في اجتماع 18 ديسمبر استبعدت فكرة حل الجماعة لأن ذلك يكسبها تعاطفا شعبيا، وتقرر الاكتفاء بالعمل علي اضعافها بزيادة الانشقاق داخل الجماعة.. لكن الاحداث تطورت في 1954 حيث شب الصراع بين الرئيس محمد نجيب وجمال عبدالناصر، اللذان كانا يدعيان بضباط مجلس القيادة، والواضح أن الجماعة انحازت إلي محمد نجيب.. وتواصل التصعيد حتي وصلنا إلي حادث المنشية في أكتوبر 1954، حيث جرت محاولة اغتيال عبدالناصر والتي اعتبرتها الجماعة عملية مفبركة.. ولكن بعض قيادات الجماعة اعترفوا مؤخرا بأن المحاولة كانت حقيقية ونشر أحمد رائف ذلك أكثر من مرة، د.فريد عبدالخالق أحد قيادات الجماعة - سابقا - ومن الرعيل الذي تتلمذ مباشرة علي يد حسن البنا، ذكر أنه كانت هناك مجموعة تخطط لقتل عبدالناصر بعلم المرشد ردا علي اعتداءات جمال عبدالناصر علي الاخوان إلا أن جهاز المخابرات علم بذلك الأمر مبكرا وترك لهم المسرح حتي اتموا العملية وفق خطة المخابرات، وهناك رأي مضاد يذكره صالح أبورفيق أن هناك مجموعة كانت تتدرب علي محاولة قتل عبدالناصر، وعلم المرشد حسن الهضيبي فأرسل إلي يوسف طلعت رئيس التنظيم الخاص أنه برئ من دم يسفك، ولكن هنداوي دوير كلف محمود عبداللطيف بقتل عبدالناصر، وكلفه علي أنه أمر من المرشد (راجع كر يمان المغربي .. الاخوان المسلمون من حسن البنا إلي سيد قطب). يبقي في هذه القضية تساؤلان معلقان، الأول يتعلق بالجماعة والمرشد العام حسن الهضيبي والثاني يتعلق بعبدالناصر نفسه. فيما يتعلق بالمرشد: لماذا صمم علي التصعيد إلي حد الاقدام علي اغتيال عبدالناصر وعلي الأقل لم يتدخل بحسم لمنعه في لحظة بدا فيها أن الصراع حسم لصالح عبدالناصر مع اللواء محمد نجيب؟ حدث هذا التصعيد رغم رسالة نصح أو تحذير من الجماعة الإسلامية في باكستان والتي أسسها أبوالأعلي المودودي ففي خريف سنة 1953 بعث المودودي إلي مصر مولانا ظفر أحمد الأنصاري، والتقي صالح عشماوي ود.عبدالعزيز كامل، وكما جاء في مذكرات الأخير كان مولانا ظفر شديد الاشفاق من توتر الأوضاع بين الاخوان والثورة، وجاء يحمل رسالة من الأستاذ المودودي إلي الأستاذ الهضيبي، وتم ترتيب موعد له في بيت المرشد بحضور عشماوي وكامل، يقول الاخير كانت الجماعة الإسلامية التي أسسها المودودي في محنة مع حكومة باكستان وأحس الاخوة هناك بما نحن مقبلون عليه، وكانت رسالة مولانا ظفر نقلا عن المودودي دعوة للاخوان ألا يصطدموا مع الحكومة، فنحن الآن، أي الجماعة الإسلامية في هذا الموقف، وليس من المنطقي ولا من مصلحة الإسلام أن تخوضوا نفس التجربة الآن.. ابتعدوا عن هذه المشكلات ولتكن صلتكم بالحكومة طيبة، ويعلق عبدالعزيز كامل علي هذا الموقف بعدها بسنوات بعيدة مازلت أذكر هذا الموقف في بيت الأستاذ المرشد ومولانا ظفر أحمد الأنصاري يتحدث إليه بصوته العميق واخلاصه، ويقدم خلاصة تجاربهم، ولكن سرعان ما ضاع الصوت الخالص وسط ضجيج الأحداث. يبقي التساؤل قائما.. لماذا تم اهدار نصح أو تحذير المودودي؟ هل تصور المرشد الثاني أن الصراع قد يحسم لصالح محمد نجيب؟ المتابع وقتها يدرك أن نجيب لم يكن لينتصر في هذا الموقف، فلم يكن الجيش معه وكان هو رجلا طيبا.. هل يا تري هي الاصابع الأجنبية، التي اخترقت قيادة الجماعة، سواء المخابرات الانجليزية كما تحدث بعض رجال ثورة يوليو؟ هل هي الاصابع الماسونية التي تحدث عنها الشيخ محمد الغزالي والتي اقتربت من قمة الجماعة، وذلك حديث يطول وبه بعض التفاصيل المروعة، لا يتسع المقام هنا للتوقف عندها، هل هي تدافع وضجيج الأحداث كما أشار د.عبدالعزيز كامل وضعف الاستاذ الهضيبي أمام عناصر التنظيم الخاص، وكانوا توحشوا واجرموا ولم يكن له عليهم سلطان ولا كلمة. فيما يخص عبدالناصر هناك تساؤل سبق أن طرحته في كتابي سيد قطب وثورة يوليو التي صدرت طبعته الأولي سنة 1998 وهو: إذا كان من حاول اغتيال عبدالناصر ضبط متلبسا وتم القاء القبض عليه هو والخلية التي كان يعمل من خلالها واعترف بجميع التفاصيل، لماذا تم إلقاء القبض علي عدد كبير من أعضاء الجماعة وجرت محاكماتهم بطريقة هزلية واعتقل وسجن من لم يكن لهم صلة بهذه العملية لمجرد أنهم أعضاء بالجماعة؟ كان مفهوما أن قيادة الجماعة ممثلة في المرشد وبعض من حوله يكرهون عبدالناصر وضباط الثورة ومنهم من تآمر ومن خطط ومن أراد قتل عبدالناصر، لكن جسم الجماعة لم يكن كذلك. هنا يبدو لنا أمران، الأول هو ما عبر عنه عبداللطيف البغدادي في مذكراته عن اجتماع ديسمبر 1953 من أن الرغبة كانت قائمة في تفكيك الجماعة، ولكن في استحالة ذلك وقتها، فهل كانت مغامرة المنشية ومحاولة قتل عبدالناصر القشة التي قصمت ظهر البعير وأراد بها ضباط مجلس القيادة التخلص نهائيا من الجماعة؟ الأمر الثاني نراه في كتاب مايلز كوبلاند «لعبة الأمم» كوبلاند هو أحد رجال المخابرات الأمريكية في سوريا ومصر، نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات وأصدر كتابه الذي وجد ترحيبا كبيرا واهتماما لافتا من خصوم عبدالناصر وثورة يوليو، ولم يتوقف هؤلاء جيدا عند أربع صفحات بالكتاب تتعلق بجماعة الاخوان. يذكر كوبلاند أن هناك أحد النازيين جاء إلي مصر، تحت اسم معين، وكتب عدة مقالات تتعلق باليهود واسرائيل، وشعر الحكام الجدد في مصر أن ما يقوم به الرجل لايستحق الكثير ، فذهب ذلك الرجل إلي ضابط بالمخابرات المصرية المكلف بشأن الخبراء الألمان في مصر هو سعد عقرة وعرض عليه خطة استقدام عدد من رجال النازي الهاربين في أسبانيا والارجنتين وعدة بلدان ويدخلون مصر بأسماء عربية واسلامية ويتم اضافتهم إلي الموجودات الثابتة من الحرب العالمية الثانية ويقوموت بأي مهام يطلبها النظام الجديد من تصفيات واغتيالات وغير ذلك، ضابط المخابرات الداهية، كما يصفه كوبلاند، ترك كل هذا الذي يقوله الالماني وتوقف عند عبارة الموجودات الثابتة من الحرب العالمية الثانية، وأخذ يستفسر عنها فتبين انها خلية سرية كانت تتعاون مع المخابرات النازية منذ أيام الحرب العالمية الثانية وأن أفراد الخلية جميعا مازالوا موجودين، يتواصلون ويجتمعون ولديهم كل أسلحتهم، ويمكن أن ينفذوا أي عملية بما فيها اغتيال أي شخصية في مصر حتي لو كان محمد نجيب أو عبدالناصر، المهم أن أعضاء الخلية بالكامل كانوا أعضاء في جماعة الاخوان المسلمين، يقول كوبلاند ان هذه المعلومة كانت تعطي عبدالناصر الحق في اعدام نصف أعضاء جماعة الاخوان المسلمين. وحين تصل معلومة مثل هذه إلي المخابرات المصرية حين كان زكريا محيي الدين قائما عليها، فلنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يحدث.. تتبع دقيق لمجموعة الموجودات الثابتة من الحرب العالمية الثانية وغيرهم من أفراد الجماعة، وكانت عوامل التصديق في رواية الالماني قائمة، الثابت أن الجماعة كانت طرفا في انحياز الملك فاروق وعلي ماهر إلي الالمان، وكان ذلك لأسباب وطنية تتعلق بالانجليز ولذا وجدنا بعض المعجبين بالألمان يقدمون علي اغتيال أمين عثمان ولم يكن حسن البنا بعيدا عنهم، ويبدو أن إحدي الخلايا ذهبت بعيدا مع الألمان.. فإذا اضفنا إلي ذلك كله تعنت الهضيبي مع عبدالناصر ورفاقه، وما تحدث عنه البغدادي من تغلغل الجماعة داخل الجيش والشرطة، لأمكن لنا أن نفهم كيف صار ضباط يوليو معبئين ضد الاخوان فحدث ما أسماه حسن حنفي صدام الظلام، واطلق عليه أنور عبدالملك «حروب الظلام». ما يعنينا اليوم، من هذا كله، هل هناك سواء داخل الجماعة أو خارجها من يستوعب تلك التجربة الكارثية في تاريخنا؟