رابعة أيقونة الدماء هي سلسلة من المقالات تحاول الوقوف علي تفاصيل هذا الاعتصام المسلح الذي دعت له جماعة الإخوان أواخر شهر يونيو 2013، ولاتقتصر تلك المحاولة علي سرد التفاصيل المادية، بل تمتد إلي تحليل السلوك التنظيمي لهذه الجماعة والدلالات النفسية والرمزية التي أفرزها هذا الاعتصام، وتأثيراته علي حركة العناصر بعد عملية الفض، وآثاره علي مستقبل التنظيم. وترتكز هذه السلسلة علي أفكار محددة تبدأ بتحليل رمزية الشعار التي ارتقت إلي مكانة مقدسة لدي أفراد التنظيم، فيما يمكن أن يسمي بالوثنية التنظيمية، ثم شرح استغلال القيادات للاعتصام لإعادة بناء مظلومية جديدة بشرعية الدماء، مروراً بتفاصيل الاعتصام من الداخل، ووصولاً إلي المسئولية القانونية والإنسانية عن الدماء التي أريقت ومازالت. بداية سنتحدث عن المدلول الرمزي لشعار رابعة الذي مازالت الجماعة تصر عليه، ومازالت تستخدمه بلونه الأصفر الذي يعبر عن الغل أو الجبن أو الاضطهاد، حتي إنه ارتقي لمكانة مقدسة في أدبيات الجماعة التي راحت ترفعه خلال تظاهراتها، وتستخدمه كملصقات مطبوعة، أو بروفايل لحسابات عناصرها علي شبكات التواصل الاجتماعي، كما أطلقت قناة بذات المسمي وذات الشعار. ويأتي الاهتمام هنا بتحليل مدلول هذا الشعار كدليل علي سيطرة سلوك القطيع علي العقلية الجمعية لهذا التنظيم، التي راحت جميع عناصره تستخدمه كالتزام تنظيمي باختلاف مستوياتها التعليمية والثقافية دون إدراك حقيقي لمغزاه أو سنده الشرعي أو العقلي. وإذا كان هذا الشعار قد تمكن من أن يتخذ لنفسه مكانة مقدسة في وجدان أعضاء الجماعة ممن شاركوا في الاعتصام وعاصروا أحداثه حتي عملية الفض، فكيف سيمكن إدراجه وتوثيقه كجزء من تاريخ الجماعة وأدبياتها؟، كيف ستتعاطي الأجيال المقبلة من أعضاء الجماعة والتي لم تعاصر الحدث مع هذا الشعار؟، من الذي سيهتم بعملية التوثيق لينسج الأساطير والأكاذيب حول الشعار، والتي ستروي في اللقاءات التنظيمية للأجيال القادمة من أشبال الجماعة؟. وهو دليل آخر علي استخدام الجماعة للكذب والتدليس وإلغاء العقل كمنهج ثابت دون أي حرج شرعي أو أخلاقي، كما يكشف عن قدرة غير عادية لهذا التنظيم لإعادة البناء علي الوهم، ويدعونا إلي مهمة وطنية لإعادة تدقيق تاريخ هذه الجماعة بأكمله لمحاولة كشف محطات الكذب التاريخية في عمرها، والتي طالما استخدمتها لإعادة البناء كلما تعرض التنظيم لعملية انكشاف. • إذن نحن أمام ما يمكن أن نسميه بحالة الوثنية التنظيمية التي نجحت الجماعة في فرضها كطقس رئيسي، ينبغي علي الأعضاء ممارسة استخدامه كدليل علي شدة الانتماء للتنظيم، ولم يكن لهذا الشعار أن يرتقي لهذه المكانه داخل وجدان العنصر الإخواني إلا بعد تعرضه لجرعات مكثفة من التربية الإخوانية التي سحقت عقله ومشاعره لتحوله إلي كائن منفصل الفهم والشعور عن واقعه المحيط، وهي حالة مرضية طالما حاولت الجماعة نشرها فتمكنت من نقل عدواها إلي كثير من البيوت المصرية، إلي جانب مجموعات من حاملي المرض الإخواني ممن مهدوا أو برروا لهذا التنظيم تغلغله في الجسد المصري، كما أنها تكشف عن حالة خطيرة لقدرة التنظيم علي إخضاع أفراده لتقديس أي فكرة أو رمز، ولو لم يكن له أي مدلول علمي أو شرعي في أسلوب أقرب إلي الهوس الديني والتنظيمي، وهو مايكشف عن سمات الشخصية الإخوانية التي تتميز بما يلي: - الانسحاق العقلي الكامل. - الاستمتاع بحالة اغتيال الشخصية التي تمارسها الجماعة علي كامل أعضائها. - استسلام الفرد الإخواني لحالة التبعية والانعزالية. - تصلب الجهاز الفكري. - الرفض التام للتفكير. - غياب القدرة علي التمييز بين البدائل. هي حالة نفسية إخوانية لها أعراض عصبية تظهر في السلوك الجمعي لأعضاء الجماعة، حتي إنهم باتوا يدافعون عن الشعار كما لو كانت له قيمة حقيقية منفصلة بذاتها، والمدهش أن هذا الشعار لم يرفع أبداً طوال فترة الاعتصام بل أطلقته الجماعة بعد عملية الفض، فهل تصر الجماعة علي الاستمرار في استخدامه إمعاناً في عملية التغييب الجمعي بأن هناك احتمالية للعودة إلي نفس الميدان؟، أم أنها كانت تقصد خلق حالة وهمية لضمان التفاف عناصرها حول رمز وهمي بعد انكشاف التنظيم الذي راحت قياداته تخدع المعتصمين باستحالة إقبال الدولة علي فضه، فأرادت أن تضمن استمرار حالة التخدير باستخدام الشعار الذي يخلق حالة إيحائية في وجدان كل إخواني بأن الاعتصام مازال مستمراً؟!. علي كل حال نحن أمام لحظة انكشاف فريدة لتنظيم قرر أن يستخدم شعار رابعة كتميمة مقدسة للتعبير عن تواجده وعن انتماءات أفراده ليكتب شهادة وفاته، لانه لو وجد في تاريخ الجماعة الطويل ما يناسب اللحظة لكان من الأولي أن يستخدمه، إلا أن قيادات التنظيم ودون أن تشعر قد حكمت عليه بأنه من مخلفات التاريخ التي لم تعد تصلح لإعادة التدوير السياسي والتنظيمي، كما حكم علي أفراده بالوقوع فريسة للنبذ المجتمعي أمام عموم الجمهور الرافض لهذا الشعار، فضلاً عن الزج بهم إلي فرص الرصد الأمني. كما أن الإصرار علي استخدام الشعار قد كشف عن حالة إفلاس تام للتنظيم الذي أعتقد أنه قادر علي إعادة إنتاج نفسه، فقرر التخلي عن صبغته وشعاراته الدينية مستخدماً لرمز لا يعبر عن أي مدلول ديني أو فكري. ولكن هل تدرك الجماعة أن إصرارها علي استخدام الشعار ما هو إلا إصرار علي حالة الخروج عن الدولة؟، وماذا هي فاعلة إذا ما قررت العودة إلي رشدها في لحظة ما، كيف ستقنع أفرادها بالتخلي عن هذا الشعار المرتبط في الذهنية العامة بصورة من قتلوا في رابعة؟، هل وقتها ستكون قد تخلت عن دماء من قتل؟ أم أنها لهذه الدرجة تستهين بعقول ودماء شبابها بعدما تأكدت أنه يمكن إقناعهم بعبادة وتقديس أي فكرة في أي وقت؟ أفرزت الدلالة الرمزية لهذا الشعار مدلولات نفسية كاشفة لطبيعة الشخصية الإخوانية التي لم يعد بمقدورها استخدام عقلها في أي مرحلة عمرية، كما كشفت عن حالة هيستيريا تنظيمية تسيطر علي قيادات التنظيم ممن استباحوا عقول ودماء ومستقبل كوادرهم، وهم يدركون تماماً أن إرهابهم لن يكون سبيلاً للعودة إلي المشهد أو تقويض الدولة.