تتابعت المناقشات بجلسة مجمع البحوث الإسلامية المنعقدة بمشيخة الأزهر في العشرين من جمادي الآخر سنة 1431 ه، الموافق الثالث من يونيو 2010 م، لتتجه الآراء في تساند وبالأدلة إلي جانب الإباحة ورفض التحريم المعمم بإطلاق دون تمييز . رحجان الإباحة جرت بتلك الجلسة مناقشات رائعة، لعلماء كبار، بدأها الدكتور محمد عمارة، فأبدي أن ما أوصت به لجنة الدراسات الفقهية قد يحدث فتنة كبيرة جدًا، فهناك حكومة أفريقية أقامت تمثالاً كبيرًا رمزًا لتحرير أفريقيا، وطفق يعدد التماثيل المصرية التي لا علاقة لها بالشرك أو العبادة، وقفي بأنه لا بد أن يعاد النظر فقهيا في مثل هذه الموضوعات، فعلة التحريم هي العبادة والتعظيم من دون الله، وأن القرآن الكريم اعتبر هذه الأعمال من نعم الله إذا انتفت عنها العبادة والتعظيم، وذلك في عهد النبي سليمان عليه السلام، فقال تعالي : »يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» (سبأ 13).. وأضاف أنه راجع كافة الأحاديث التي ورد فيها مصطلح » الصورة »، فوجد أن اللفظ في المصطلح النبوي يعني الصنم المعبود، وأنه إذا كانت العلّة في التحريم بصريح الأحاديث هي اتخاذ هذه التماثيل للعبادة، فقد انتفت العلّة، وروي زيارة الإمام محمد عبده سنة 1903 لمتحف صقلية، وما رآه فيه من تماثيل كثيرة، فلما عاد كتب مقالاً في مجلة المنار، ذكر فيه الإمام أنه لم تعد هناك علّة للتحريم بعد أن صارت التماثيل جزءًا من العلم ومن ذاكرة الأمة التاريخية، وأضاف الدكتور عمارة متمثلاً، أننا حين نشاهد تمثال سعد زغلول، لا نتذكر به سوي ثورة 1919.. فهذه التماثيل وغيرها لا شرك بالله فيها، أو عبادة لها، تحفظ ذاكرة الأمة، وأن رأي الإمام محمد عبده جدير بأن يضاف لاستبعاد اتجاه التضييق، وانضم العلامة الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق إلي الدكتور عمارة، وأضاف أنه يري إعادة النظر في مثل هذه الاتجاهات المتشددة التي انتفت عللها وتثير فتنًا، واستشهد الدكتور زقزوق بالإمام الشافعي حين جاء مصر فوجد أعرافًا مختلفة عما رآه بمذهبه الفقهي في العراق، فعدل عن بعض آرائه، وَقَفَّي بأنه لا يوجد إنسان يقف اليوم أمام أي تمثال ليعبده !، وأن ما كان جائزًا في زمان، يصبح في بعض الأحوال غير جائز في زماننا. وانتقل الدكتور عبد الله النجار بالحوار إلي دائرة أوسع، فأبدي أن صناعة التماثيل وسيلة من وسائل التعبير التي يعبر بها الإنسان عن أفكاره كما يعبر عنها بالكلمة والحركة والتمثيل.. ولا يمكن أن يكون الأصل هو عدم الجواز في وسائل التعبير، لأن البيان من ضمن النعم، وليست كل مضاهاة لخلق الله محرمة في ذاتها، فجهاز غسيل الكلي الصناعية، روعي فيها مضاهاة الكلي الطبيعية، ولا حرج ولا تثريب في ذلك، ومن ثم لا يجوز التحدث عن » المضاهاة » بإطلاق في شأن التماثيل والصور .. فالتحريم كان لعبادتها، وجاء ذكرها مشفوعة بالعبادة، ففي القرآن الكريم : » إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ » (الأنبياء 52)، والوثن في اللغة العربية، وفي المصطلح القرآني، هو التمثال الذي يعبد من دون الله، وهذا واضح فيما ذكر بالقرآن المجيد عن الأوثان .. من مثل قوله سبحانه وتعالي : » وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ » (العنكبوت 25)، وقوله عز وجل : » إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ » ( العنكبوت 17) .. ومن ثم فالوثن هو المحرم وليس التمثال .. وذكر الدكتور محمد الشحات الجندي أنه من المعلوم والمقرر شرعًا أن الأحكام تدور مع العلّة وجودًا وعدمًا، والعلّة التي ذكرها الفقهاء لتحريم صناعة التماثيل، هي خشية عبادتها، وهذه العلّة منتفية الآن بصفة مطلقة، وبانتفاء هذه العلّة ينتفي معلولها وهو الحكم بالتحريم . • تحدث يومها العلامة الأستاذ الدكتور محمد رأفت عثمان فأبدي أن التراث الفقهي نقل إلينا آراءً تفيد حل هذه التماثيل، وسندها في عدم التحريم، أن التحريم كان مرتبطًا بعبادة الأصنام، وقد زالت هذه العلّة ومن ثم فلا حرمة، وأضاف أن أقوي ما يستدل به علي الإباحة ما أشار إليه بعض الزملاء المتحدثين من أعضاء المجمع من أن التماثيل كانت موجودة بكثرة عندما جاء الإسلام إلي مصر، فلم يأمر عمرو بن العاص بإزالتها أو هدمها، وتحدث فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، فأبدي أننا أمام فريقين، فريق متشدد يفتي بالحرمة، وآخر غير متشدد يقول بالحِل والإباحة، وبينهما رأي يتوسط، وأضاف أنه برغم أن للرأي القائل بالحرمة أنصارًا كثيرين، إلاَّ أن القائلين بالحِل قد التمسوا وجوها من أبرزها الواقع الذي عاشه المسلمون الأوائل . وطفق الإمام الأكبر يتساءل: هل كان المسلمون مقصرين مخالفين عندما عاشوا جنبًا إلي جنب مع تمثال أبي الهول وغيره وهل كان علماء الأزهر عبر تاريخه الممتد وإلي الآن مقصرين في أمر دينهم حينما تركوا هذه التماثيل؟! فالعلماء حتي يومنا هذا وقبلهم الرعيل الأول من المسلمين عاشوا مع هذه التماثيل ولم ينقل عنهم الدعوة إلي كسر تمثال واحد. وانضم الأستاذ الدكتور محمود مهني إلي ما أبداه الدكاترة عمارة وزقزوق والنجار واستشهد بابن تيمية الموصوف بالتشدد في قوله: »مراتب تغيير المنكر أربعة: أن يزول المنكر ويبقي المعروف فالتغيير واجب أن يقل المنكر وإن لم يزل فالتغيير واجب أن يتساوي الأمر والنهي فالمسألة خلافية أن يترتب علي تغيير المنكر منكر أشد فالتغيير حرام» . ثم روي أن أحد كبار علمائنا ذهب خصيصًا إلي أفغانستان لينهي أهل طالبان عن هدم تمثال بوذا لما سوف يترتب علي إزالته من أضرار بل وإن الاجتهاد عمل به مبكرًا مع وضوح النص كاجتهاد الفاروق عمر بن الخطاب في إيقاف سهم المؤلفة قلوبهم برغم وروده في الآية 60 من سورة التوبة. وتحدث العلامة الدكتور عبد الرحمن العدوي فانضم إلي القائلين بالإباحة، واستشهد بحديث : »إنما الأعمال بالنيات»، وذكر لعب الأطفال التي لا توحي بتاتًا بأي شبهة عبادة أو إشراك. وانتهي المجمع بتلك الجلسة، إلي أنه يري أن تحريم صناعة التماثيل إنما كان لقرب العهد بعبادتها، أما إذا كان الغرض من صناعة التماثيل الوارد ذكرها في السؤال (الآتي من السنغال)، هو تنشيط السياحة وإظهار حضارة في تاريخ الأمم، ولم يكن هناك قصد للتعبد بها أو التعظيم لها، فقد انتفت العلّة التي من أجلها كان الخطر مشروعًا، ومن هنا يري المجمع أنه لا بأس بها لقوله عليه الصلاة والسلام »إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوي» .