الإسراء والمعراج رسالة تعزية وتسلية وسكينة للرسول "صلي الله عليه وسلم" بعد أن جرحه القوم وكذبوه وأهانوه وأهالوا التراب علي رسالته ومصداقيته.. جاءته المواساة من السماء، والتسرية من أرحم الراحمين، فليست له أم تسري عنه، ولا أب يهدهد نفسه،عاش يتيم الأبوين، ماتت زوجته التي كانت تخفف عنه شدة وقسوة عداوة القوم، كانت تعامله كأم وزوجة وصديقة، كان تضمه إلي صدرها عند شدائده، وكأنه طفلها الصغير، فتزول همومه كلها. مات عمه الذي كان يدافع عنه ويصدق فيه الحديث العظيم "إن الله ينصر هذا الدين بالرجل الكافر"،تأملت الحديث كثيراً وطويلاً وجدته من أروع وأصدق إبداعات النبوة والنبي الكريم خاتم المرسلين. رسالة الإسراء والمعراج ليست رسالة إلي الرسول "صلي الله عليه وسلم" فحسب ولكنها رسالة إلي كل مظلوم، وكل مجروح،وكل مكلوم،وكل محروم. رسالة إلي الحياري الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه. رسالة إلي الذين ضاقت عليهم أنفسهم من كثرة الهموم والأحزان التي تحاصرهم. رسالة إلي كل من حاصرته الدنيا بآلامها وأحزانها وإلي من كاد أن يدركهم اليأس في فرج الله. إلي الفقراء الذين يجدون طعامهم وشرابهم وملابسهم بالكاد. إلي الذين فقدوا أحبتهم ولا سلوي لهم في الحياة دونهم. إلي هؤلاء جميعاً،هناك رب رحيم ودود عطوف كريم لا ينسي عباده حتي وإن نسيناه، يذكرنا حتي وإن غفلنا عن ذكره يقبل علينا باعاً إذا أقبلنا عليه ذراعاً،يأتينا هرولة إذا مشينا إليه، لا يعاجلنا بالعقوبة،يعطينا حتي وإن بخلنا عن عباده وقصرنا في حقه سبحانه. هناك في رحلة المعراج إلي السماء أهدي الله رسوله وأمته أجمل عبادة وهي الصلاة، قرة عين الأنبياء والصالحين، هي الصلة بين الله وعباده، تدخل علي الله دون إذن سابق ودون واسطة، ولا حجاب أو حراسة، ودون أن تدفع رشوة لأحد، تطلب ما تشاء ويعطيك فوق المزيد، يمنحك مرادك قبل أن تسأله. رسالة الإسراء والمعراج تقول لكل صالح عابد زاهد، إذا جفاك أهل الأرض، أو قسي عليك الناس فالله لن ينساك، وعدك بالجنة، ستترك دنيا الشر يوماً وتلتقي الملائكة الأخيار والأنبياء العظام، ستلتقي بمحمد والمسيح وموسي وإبراهيم، وتشرف بالجلوس معهم،لا عليك من أهل الأرض. هؤلاء شتموا الرسول وأهانوه وضربوه وأدموه وسخروا منه في الطائف فقال له ربه : مكانك ومكانتك ليست عند هؤلاء المعاندين الجاحدين، قدرك لا يعرفه إلا الله. ولكن رسالتك في الدنيا تحتاج منك مزيداً من الصبر والحلم والعفو والصفح والرحمة " فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلا "" فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ "، سينتصر الحق ولو بعد حين، ستشرق الشمس. أشد ساعات الظلمة هي التي تسبق طلوع الفجر، وأشد لحظات الجوع والظمأ في الصيام هي التي تسبق انطلاق مدفع الإفطار، سيزول الألم ويبقي الأجر، فمع أول تمرة تدخل الجوف سيذهب الظمأ كله، وستقبل وتحل فرحة الطاعة والانتصار والإفطار. كان الرسول يري في الدنيا من يسبه ويشتمه، وفجأة ينتقل معرجاً إلي السماء حيث يلتقي بكليم الله موسي قائد أعظم أمة بعد أمة النبي محمد وهي أمة بني إسرائيل، ويلتقي بأبي الأنبياء إبراهيم، وبالمسيح بن مريم. يصف الأنبياء، ويسهب في وصف هؤلاء، ينصح موسي النبي محمد ويعرفه بطبائع القوم ويدله علي المراجعة في عدد الصلوات، مع الأنبياء لا حقد ولا بغض أو تحاسد أو كراهية. يصلي الرسول بالأنبياء جميعاً في المسجد الأقصي، انعقدت إمامة الأمم لهذا النبي الكريم،ولكن أمته أضاعت هذه الريادة والقيادة بجهلها ونزقها وغفلتها وتكاسلها، تقدمت أمم أخري لتقود البشرية في كل شيء، أصبحنا خلف الأمم جميعا،لا تحزن يا سيدي يا رسول الله فقد أديت الأمانة وأضعناها، وهديت الأمة والبعض الآن يريد تكفيرها وتفجيرها أو سجنها أو صرفها عن الحق،رحمت الأمة ولكن بعضنا قسي علي بعض، وعفوت عن المسيء ولكننا أخذنا العاطل علي الباطل كما يقولون.