هناك سؤال ملح دوما يقفز أمام عقلي يتعلق بتحديد الأسباب الحقيقية المشتركة في كل أزمات المصريين بأنواعها ومستوياتها المتعددة ؛ وغالبا ما أصل في النهاية إلي إجابة تكاد تكون واحدة وهي انهيار منظومة القيم الأخلاقية فينا ؛ وكأننا نعيش عصر يتميز باللا أخلاقيات. الفردية والأنانية التي لا تعترف بالمسئولية في ازدياد شديد؛ وبكل أسف ورغم خطورة هذا الأمر فإننا عندما نستعرض المجهودات التي تبذلها حكوماتنا لتعزيز الاتجاه الأخلاقي سواء علي مستوي الأسرة أو المدرسة أو إدارات الدولة وأجهزتها أو المجتمع المدني بكل فئاته لا نعثر علي شيء؛ في نفس الوقت الذي لم نلحظ فيه أن الدول التي سبقتنا في التقدم اهتمت بوضع قوانين تحدد معايير الممارسة الإنسانية والمهنية ولم تكتف بذلك بل قدمت آليات وادوات ووسائل لتمكين أجيال الأمل فيها من التدريب علي تلك الممارسات الأخلاقية المحصورة بين آداء الواجبات والاستحصال علي الحقوق بمسئولية وصولا لشيوع ثقافة أخلاقية بديلا عن فوضي العنف الفكري وهو أمر يضمن رسم مستقبل يتميز أصحابه بجودة أخلاقية علي سبيل المثال ما أقره الكونجرس الأمريكي برعاية الرئيس كلينتون في فبراير 1996 "قانون أخلاقيات الإعلام"؛ وكذلك ماقام به مجلس العموم البريطاني من تأسيس " مجالس للممارسة الأخلاقية "؛ كما أسست البلديات هناك مايسمي "بأسبوع القيم" واهتمت وسائل الاعلام بتصميم برامج تتعلق بالأخلاقيات حتي وصل الأمر لإدخال " كورس " أكاديمي في أقسام الدراسات العليا بالجامعات المرموقة تحت مسمي " علم أخلاقيات الاتصال " ونظمت هذه المؤسسات العلمية دورات تدريبية حول " علوم الأخلاق التطبيقية" وإنشاء" مراكز للعلوم الأخلاقية " في مجالات الطب والهندسة وإدارة الأعمال والقانون والتعليم .. وهو أمر في غاية الأهمية؛ وأري أن علينا واجبا قوميا مهما وضرورة للاضطلاع به ؛ وهو محاولة لاستيعاب ماقاله آدم سميث : " اعتقد أنه من الأفضل ألا نتوقف عن إشراك تلاميذنا في مواجهة التعبيرات الملتبسة والغامضة والهابطة والاتصال عن طريق ممارسة الحوارات الفعالة والممارسة الدائمة للحوار الأخلاقي " ..أي التركيز بشدة وإخلاص علي تحقيق الفعالية دون أن نفقد الموازنة أو المقابلة مابين الأهداف والشروط الأخلاقية في كل اتصالاتنا ؛ ويجب ان نخلط بين البراعة والاخلاق وبين المهارة والرحمة.. ونستدعي ماقاله مجلس مدراء مؤسسة الحوار الأمريكي سنة 1995 لتعريفهم لمهنتهم لكي ندرك الأسباب الحقيقية لتفوق هذا الشعب : " يركز مجال الحوار علي كيفية استخدام الناس الرسائل لإيجاد المعني عبر السياقات والثقافات والقنوات ووسائل الإعلام ؛ وهذا المجال يعمل علي ترقية الممارسات الفعالة والأخلاقية للحوار الانساني ؛ ويبعدنا عن مسببات الخلاف والعنف.".. من هنا ؛ فإننا ندعو مصر بأكملها إلي تبني مايطلق عليه :" علم أخلاقيات الاتصال " كمدخل أو وسيلة حيوية لنشر " ثقافة أخلاقيات الاتصال " كأحد علاجات الظاهرة الموجعة لقلب مصر وهي العنف الذي تطور ووصل في أحد فروعه إلي حد الإرهاب.. ويقينا فإننا لم نهتم بل نتبني التوجه الاخلاقي فبماذا نهتم ولأي شيء نتبني ؟!! خاصة في زمن تعم فيه ظواهر الفوضي بشكل مهدد لكيان الدولة ذاته ومستقبل أجيالها القادمة ؛ إنه الاهتمام المنطقي والملح في ظل حياة مادية ؛ كل مافيها يقوم بالمال؛ لقد اخترقت إنسانيتنا وتدهورت الذات الأخلاقية لدي الناس وبدورها تدهورت الأخلاقيات المهنية ؛ يحدث ذلك علي كل متر مربع من جغرافيا اوطاننا يحمل بشري فوق صدره ؛ ربما تختلف الأسباب التي ادت إلي هذا التهور الاخلاقي من بلد إلي بلد وقد تختلف حدته ومظاهره وآثره ولكن تقريبا جميعنا نشكو كشف العورة.. ابتعدنا عن الله ؛ نسينا صلواتنا ؛ تجمدت أرواحنا ؛ منهج الحياة المتسم بالتناسي تم توحيده وتطبيقه علي الجميع رغم قسوته لافرق بين امرأة يجب أن نحفظ لها حياءها وكرامتها وبين رجل يمتلك الجرأة التي تصل إلي حد الوقاحة ؛ لا فرق بين طفل أخضر نضر في حاجة إلي فلترة مصادر نموه العقلي والروحي والجسدي وبين شاب يعي ولداه القدرة علي الاختيار ؛ الأسرة انهارت قواعدها الثابتة وتخلت عن دورها التربوي مع أبنائها ؛ المدرسة فقدت الكثير مما كانت تمنحه عوضا عن الأسرة في مجال التربية ؛ كما أنها بمناهجها المترهلة ومعلميها المنهكين قد أصبحت دار أيتام واليتم هنا ليس فقد الوالدين ولكنه يتم أخلاق وتعليم؛ المجتمع أصبح حلبة صراعا وضغوطا وقد ارتدي الجميع واستعد للمنازلة علي حلبة المباريات القاتلة ؛ لقد فسدت الحياة بشكل رهيب ؛ إعلامنا مهتز وخاطيء في رسالته ؛ قادتنا فقد معظمهم الولاء وندرت فيهم القيادة القدوة.. وألفت إلي أن ذلك وغيره من مسببات الانهيار الأخلاقي فضلا عما سبق وكتبنا عنه عبر سلسة مقالات " أزمة الفكر الاسلامي " قد تسبب في وجود فراغ روحي عند البعض؛ وقد انشغل عنهم المجتمع ؛ ولكن هناك من كان يرقبهم؛ فتلقفهم وملأهم من سم الأفاعي فتحولوا إلي أصحاب فكر منحرف؛ وقد انحصر مستواهم مابين المفسدة الأخلاقية والإرهاب. من هنا؛ فجدير بنا لأن نهتم وبقوة بالأخلاقيات ؛ خاصة في سنوات العمر الاولي لأبنائنا ؛ ونتفق في ذلك مع ماقاله مؤسس علم " التحليل النفسي " فرويد (1856/1939) وما اكده ألفريد أولمر وكارل يانج من ان : " الشخصية الاخلاقية والعادات المرتبطة بها يتم بالكامل في سنين الطفولة المبكرة ؛ فهي بمثابة سنوات وضع البذرة وبداية نموها. والخلاصة..ان الاهتمام بالأخلاقيات وقاية من ظهور سلبيات حارقة كالعنف والارهاب وليكن لدينا ثقة في أنه ماقامت حضارة إلا لأنها تمتلك تطبيق الأخلاقيات وما ضاعت حضارة إلا بتخليها عن الأخلاقيات.